القراء الأعزاء
أذكر أني بعد أن أنهيت الثانوية العامة وكنت قد حزت فيها ترتيباً ضمن العشرة الاوائل على مدارس مملكة البحرين في القسم الادبي، وضعني القدر أمام خيارين للبعثة الدراسية التي منحتني اياها وزارة التربية والتعليم، إما الدراسة في فرنسا وإما في جامعة الإمارات العربية المتحدة، وكانت الأخيرة هي خياري، إذ بحكم صغر سني والخوف من مجهول دولة اجنبية فضّلت هذه الدولة العربية الشقيقة القريبة من قلوبنا التي تعيش فيها بعض قريباتي بحكم المصاهرة. وفي فترة الدراسة الجامعية كنت أزور الشارقة كثيراً مع صديقاتي بنات الشارقة، فأحببتها ولمست روحها الوادعة المسالمة المطمئنة التي يهيمن عليها السلام والسكينة بجانب الجمال المحيط بها من جميع جهاتها وبجملتها الاستقبالية التي تزيّن أحد جسورها (ابتسم، أنت في الشارقة)، ويقال إنها سُمّيت الشارقة لأنها أول امارة تستقبل الشمس كل صباح حيث تبدأ الإشراقة منها ثم تُضيء على الأخريات.
وللشارقة في ذاكرتي نصيب الأسد من ذكريات أيام الدراسة الجامعية، وقد كان هناك صرح كبير جميل كثيراً ما تأخذنا مسارات طرقاتنا للمرور بقربه، تعلوه جملة (قصر الثقافة) وكنت انظر إليه دائماً بكل حب وشغف وأتمنى أن أدخله يوماً ما.
والمفارقة الجميلة هو أنه بعد سنوات مضت، وخلال رحلة الشعر الجميلة التي جعلت مني شاعرة معروفة بين دول الخليج والوطن العربي، كانت لي أولى مشاركاتي الشعرية في هذا الصرح منذ عشر سنوات مضت وأخرى في العام الماضي، في امسيتين شعريتين ضمن مهرجان الشارقة للشعر الشعبي/النبطي، فتحققت أمنية الصبا والحمد لله.
ولم تكن هذه الامنية لتتحقق لولا اهتمام ودعم ورعاية حاكم إمارة الشارقة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي للثقافة والأدب، حتى باتت الشارقة عاصمة الثقافة العربية والاسلامية المعاصرة بلا منازع، فقد حظيت الثقافة بكل روافدها بعنايةٍ ورصدت لها موازنات ضخمة، فتقام المهرجات مهرجاناً تلو الاخر حتى لا يكاد يمرّ يوم لا تحتفي فيه الشارقة برافد من روافد الثقافة، فمن مهرجان الشعر العربي، إلى النبطي والشعبي، إلى المسرح، إلى التراث وأيام الشارقة التراثية، إلى الكتاب، إلى الاضواء إلى ما لا نهاية. وقد حظيت مؤخراً بشرف حضور مهرجان الشارقة للشعر النبطي في دوريته الثامنة عشرة لهذا العام في الفترة من 5-11 فبراير لأكون شاهدةً على استمرارية وتطوّر هذا المهرجان الذي يكاد يكون الرسمي الوحيد من نوعه الذي مازال صامداً في دول الخليج وكل ذلك بفضل إصرار ودعم الحاكم الذي آمن بأنّ الثقافة بجوانبها الانسانية الاجتماعية الموثّقة الباقية الممتدة المتعددة الدائمة، هي الوعاء الحافظ لتاريخ المرحلة وبأن ازدهار الثقافة هو دلالة قاطعة على حجم ازدهار هذه الحقبة التاريخية.
وإن ما يميز مهرجان الشارقة للشعر النبطي هو ديمومته واستمراره واشتغال منظميه على تحديثه وتطويره، ولربما كانت أهم محاسنه هو أنه يستقطب الاصوات الشعرية الابداعية من جميع الدول العربية ليفاجئ الجمهور بتجارب شعرية لم تكن تخطر على باله، مثل التجارب الشعرية النبطية في صحراء سيناء في جمهورية مصر العربية، والعامية في المغرب العربي وموريتانيا وغيرها من التجارب التي باجتماعها يتحقق التلاقح الفكري والشعري بين مختلف التجارب الشعرية في الوطن العربي ويسهم ذلك في تطوير تجربة كل شاعر حقيقي، ولو أننا حاولنا أن نُعدد فضائل هذا المهرجان لكانت فكرة تطوّر التجربة الشعرية هي الفضيلة الأجمل، إذ لم يقتصر نفع المهرجان على رفع اسم الشارقة ليبقى في مصاف الدول الحافظة للثقافة، بل سيُسهم في تقديم خدمة للشاعر بصقل تجربته وتطويرها.
ولأن النعم تدوم بالشكر فلا بد هنا من كلمة شكر ترفع لجميع القائمين على انجاح هذا المهرجان بدءاً من الهيئة الادارية لمجلس الحيرة الأدبي في دائرة الثقافة ممثلة في رئيس الادارة الاستاذ عبدالله العويس مروراً بالشاعر الكبير بطي المظلوم مدير مجلس الحيرة الأدبي والاخت الصديقة الشاعرة والاعلامية المحامية علياء العامري والاخت الصديقة الشاعرة مريم النقبي وبقية الإداريين فيها، والشكر جلّه لمستحقه صاحب السمو الحاكم الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأنه هيأ جميع الأسباب لنجاح هذا المهرجان.
ولأن الشعر ديوان العرب وحافظ تراثهم وموروثهم وموثّق تاريخهم، وحيث إن مملكتنا الغالية قد أخذت على عاتقها تعزيز واحترام وحماية حقوق الانسان، وبما أن الشعر يندرج ضمن الحقوق الثقافية، ولأننا نتطلع دائماً إلى ان تتبوأ مملكة البحرين مصاف السابقين على جميع الاصعدة، فإنه من الأماني التي تحدونا هنا في البحرين هو أن تتبنى هيئة الثقافة والسياحة باعتبارها جهة رسمية مشروعاً مشابهاً، مهرجانا ينتصر للشعر الشعبي ويحفظ ويكمل واقع وصورة مملكة البحرين كشعلة ثقافة لم تنطفئ عبر تاريخ حضاراتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك