بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر2023، حذر «البنك الدولي»، من أن تفاقم الصراع قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية. وعليه، وضع ثلاثة تصورات محتملة لأسعاره وفقًا لدرجة اضطراب إمداداته، ففي حالة وقع «اضطراب بسيط»؛ فإن أسعاره قد تقفز إلى 103 دولارات للبرميل، وفي حين كان «متوسطا»، فإن الإمدادات العالمية –البالغة 100 مليون برميل – ستنخفض بمقدار 3 إلى 5 ملايين برميل يوميا، وبالتالي ستقفز أسعار النفط بنسبة 35%، لتصل إلى 121 دولارًا للبرميل، وفي حين كان «الاضطراب كبيرا»، فإن الأمر سيكون مشابهًا لأزمة تصدير النفط العربي عام 1973، وسترتفع أسعاره بنسبة تصل إلى 75%، لتبلغ 157 دولارًا للبرميل.
وعلى الرغم من ازدياد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وخاصة مع الهجمات التي يشنها «الحوثيون»، في اليمن ضد السفن التجارية، بما في ذلك ناقلات النفط في البحر الأحمر؛ أوضح «بوب هندرسون»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن سوق النفط العالمية كان مستقرا في أواخر يناير2024، حيث عكست أسعاره حالة الطمأنينة الاقتصادية لدى كل من المنتجين والتجار والمستهلكين على حد سواء.
وبالنظر إلى أن الحرب في غزة، «لم تتسبب في انخفاض إجمالي إمدادات العالم من النفط حتى الآن»، فقد أكد «سايمون هندرسون»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن «الاتجاه المستقبلي لسوق الطاقة يرتبط بشكل مباشر بالتوازن بين العرض والطلب»، رغم أنه كان هناك تقييد لمستوى الطلب؛ بسبب عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية العالمية، مشيرا إلى ارتفاع أسعار النفط في أعقاب اندلاع العدوان على غزة أوائل أكتوبر2023، من حوالي 70 دولارًا للبرميل إلى أكثر من 90 دولارًا، ثم انخفاض سعره بحلول نهاية الشهر نفسه، إلى أقل من 80 دولارًا.
وعلى الرغم من أن استمرار الاضطرابات في البحر الأحمر، قد أدى إلى بقاء أسعار «خام برنت»، عند حوالي 80 دولارًا للبرميل – حيث بلغت الأسعار 83.55 دولارًا للبرميل يوم 26 يناير 2024– فإن الأسعار لم ترتفع بشكل كبير بالقرب من مستوى 157 دولارًا للبرميل عالميًا، الذي توقعها «البنك الدولي». وذكر «بوب»، أن أسعار النفط الخام في نهاية يناير 2024، كانت «أقل بكثير»، مما كانت عليه في بداية أكتوبر2023.
من جانبه، أشار «سايمون»، إلى أن تأثير تفاقم الصراع في الشرق الأوسط على سوق الطاقة العالمية، كان «ضئيلا». واتفق معه في هذا الرأي، «بنك جيه بي مورجان»، حيث أكدا أن «الاضطرابات التي شهدتها تجارة النفط في البحر الأحمر كانت سهلة التعامل معها، على الرغم من حاجة الناقلات إلى الدوران حول إفريقيا، وازدياد مدة رحلتها، وزيادة سعر البرميل عن سعره بمعدل دولارين. وأشار «بوب»، إلى أن سوق النفط تمكن من «الحفاظ على هدوئه»، مع كل المخاوف المرتبطة بعدم الاستقرار والاضطرابات الكبيرة في الإمدادات نتيجة لأزمة البحر الأحمر.
ووفقا للمراقبين، فإن هناك أسبابا عالمية أخرى قد أثرت على الارتفاع الطفيف في أسعار النفط العالمية في الآونة الأخيرة. وأشار «بوب»، إلى انخفاض إنتاج النفط الأمريكي خلال فصل الشتاء إلى ما يقرب من مليون برميل يوميًا؛ بسبب العواصف الرملية، ودرجات الحرارة المنخفضة في معظم أنحاء البلاد، وتأثير التجمد الشديد على حقول النفط من «تكساس»، إلى «داكوتا الشمالية».
علاوة على ذلك، كان هناك أيضا حالة من «التردد»، بين المتداولين، بعدما كان هناك ارتفاع سابق في القوة الشرائية للنفط وفقًا لاتجاهات السوق. وبحسب ما ذكره «دانييل غالي»، من شركة «تي دي سيكيوريتيز»، فإن الأسعار ستحتاج إلى الارتفاع أكثر لإغرائهم بشراء المزيد من النفط. وفي هذا الصدد، أوضح «سكوت شيلتون»، من شركة «يونيتد أي سي إيه بي»، أن سوق النفط كان واحدًا من أكثر الأسواق ذات التداولات المحبطة على مدار العامين الماضيين، مما جعل المتعاملين يشعرون أنهم في كل مرة يشترون فيها النفط بسبب العوامل الجيوسياسية قد يخسرون المال.
ووفقا للمراقبين الغربيين، فإن السبب الرئيسي وراء عدم ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير في الوقت الحالي؛ يرجع إلى التفاوت الحالي بين العرض والطلب في سوق الطاقة العالمية. وأوضح «سايمون»، أنه مع إنتاج «السعودية»، و«الولايات المتحدة»، و«روسيا»، والعديد من المصدرين الرئيسيين أكثر من استهلاكهم المحلي؛ فإن الكميات الفائضة لديهم – والتي يتم تصديرها – تمثل ما يقرب من نصف استهلاك النفط العالمي، حيث يوفر هذا الفائض زيادة في المعروض العالمي من النفط، وعندما يقترن بالوفرة الواضحة في الطاقة الاحتياطية للرياض وموسكو على وجه الخصوص، فقد أدى ذلك إلى انخفاض كبير في «حجم المخاطر»، التي أدت تاريخيا إلى ارتفاع الأسعار في أوقات الأزمات.
وفي ظل الوضع الحالي، توقعت «وكالة الطاقة الدولية»، تحقيق فائض عالمي كبير من النفط في عام 2024، وهو ما سيؤدي إلى زيادة الطلب، بالتزامن مع زيادة الإنتاج من قبل «الولايات المتحدة»، وغيرها مما يعوض التخفيضات التي لا تزال سارية من قبل أعضاء منظمة «أوبك+». وعليه، فقد توقعت «نمو الطلب العالمي على النفط في العام الحالي بمتوسط 1.2 مليون برميل يوميا»؛ لكن هذا المعدل سيكون تقريبا نصف ما كان عليه طوال عام 2023، وهو 2.3 مليون برميل يوميًا. وبدلاً من هذه الأرقام، ذكر «بوب»، أنه «حتى لو تهاوت الإمدادات النفطية»، فإن تخفيضات «أوبك+» – المذكورة أعلاه – والتي تركت قدرة إنتاجية احتياطية تبلغ حوالي 5 ملايين برميل يوميا، يمكن أن تسد الفجوة».
وتشير «وكالة الطاقة الدولية» – وفقًا لتقييمات منظمة أوبك – إلى أن الطلب على النفط، سيظل ينمو بمقدار 2.3 مليون برميل يوميا في عام 2024، قبل أن ينخفض إلى 1.8 مليون برميل في عام 2025. وبالنسبة لخبراء الصناعة، فإن قرار «أرامكو»، السعودية بوقف خططها للإنتاج، وتعزيز القدرة النفطية للمملكة بمقدار مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027؛ يعتبر «دليلا»، على مدى تأثير الديناميكيات المتغيرة في سوق الطاقة العالمية بقرارات أبرز المنتجين في العالم وسياستهم طويلة المدى. ووفقًا لـ«جيمي إنجرام»، من مجلة «ميدل إيست إيكونوميك سيرفي»، فإن قرار «الرياض»، يدل على أن المنتجين الرئيسيين «ليسوا واثقين تماما من أن العالم سيحتاج إلى الكثير من الطاقة الإضافية مستقبلاً».
وبعيدًا عن متابعة مستويات العرض والطلب الراهنة؛ تم أيضًا الاستشهاد بالديناميكيات طويلة المدى باعتبارها مؤثرة في الوقت الحاضر على أسواق النفط العالمية؛ ولعل أبرزها «وضع الاقتصاد الصيني»، وعلاقته بنمو وارداته النفطية من الشرق الأوسط. ومع أن الاقتصاد الصيني نما بنسبة 5.2% عام 2023 وانتعش من سياسة الحكومة المتمثلة في «صفر كوفيد»، وعمليات الإغلاق، وإجراءات السيطرة على الوباء؛ فقد أشار «كيث برادشر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن «ارتفاع حجم الديون، وأزمة السكن، وتقلص وشيخوخة القوى العاملة، «أثر على الإنتاج»، وبالتالي، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تباطؤ معدل النمو الاقتصادي الصيني في السنوات المقبلة، وبالتالي تقلص طلبها على واردات النفط.
وعلى الرغم من أن استهلاك النفط الخام في «الصين»، زاد بأكثر من الضعف في العشرين عامًا الماضية، وسط نمو اقتصادي كبير في أواخر العِقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأوائل العِقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ فقد رأت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن التغيرات التي طرأت على الاقتصاد الصيني في منتصف العشرينيات من القرن الحادي والعشرين، كفيلة بجعل نصف مبيعات السيارات الجديدة تقريبًا كهربائية بحلول عام 2025.
ومع اعتقاد خبراء الصناعة أن سوق النفط قد صمد حتى الآن أمام الاضطرابات الناجمة عن الأحداث في الشرق الأوسط، وأن عوامل العرض والطلب هي المحرك الرئيسي لهذا السوق؛ فإن هذا لا يعني أنهم أيضًا غير حذرين من تداعيات استمرار الصراع في المنطقة على المدى الطويل. وحذّر «مايكل ويرث»، من شركة «شيفرون»، من «الوضع الخطير» في البحر الأحمر، والذي يزداد سوءا؛ ما يمثل مخاطر طويلة المدى على صناعة الطاقة العالمية، خاصة أن الأحداث يمكن أن تتغير بسرعة كبيرة».
علاوة على ذلك، تمت الإشارة إلى تأثير التداعيات الاقتصادية على صناعة الطاقة العالمية. وبالنسبة لعمليات نقل النفط، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز»، كيف تضاعفت أسعار استئجار الناقلات العملاقة، والتي يمكنها حمل البنزين، والديزل، ووقود الطائرات مؤخرا لتتجاوز 100 ألف دولار، بعد أن كانت أعلى بقليل من 20 ألف دولار في نوفمبر 2023.
من ناحية أخرى، رأى «جون جلين»، من معهد «تشارترد»، أن احتمال انتشار العنف إلى الممرات المائية الاستراتيجية الأخرى حول شبه الجزيرة العربية، وأبرزها «مضيق هرمز»، يظل «أمرا مقلقا»، على الرغم من أن «مايكل هسوه»، من «دويتشه بنك»، أوضح أنه من غير المرجح أن يتسع نطاق التوترات هناك؛ لأن هذا الأمر سيكون «مضرًا لكل من إيران، ودول الخليج، والغرب».
ومع ذلك، وبعد مقتل ثلاثة عسكريين أمريكيين في الأردن أواخر يناير 2024، واستمرار التوقعات بحدوث مواجهة بين «الولايات المتحدة»، و«إيران»، في المنطقة؛ فليس من المستغرب أن يؤكد «جيمي ديكسون»، من بنك «جيه بي مورجان»، أن المؤسسات المالية الدولية «تظل حذرة»، بشأن استخلاص النتائج المتوقعة من الأحداث في الشرق الأوسط والتي تستمر في التطور.
على العموم، فإنه على الرغم من استمرار الصراع في الشرق الأوسط، وتأثيره على طرق الشحن في البحر الأحمر؛ فإن توقعات المحللين والمؤسسات المالية الدولية، تشير إلى أن التأثير على سوق النفط العالمية كان أقل بكثير مما كان متوقعًا في البداية. وكما أوضح «بوب»، فإن الأسعار تبدو «متأثرة بالفائض العالمي من النفط الخام»، حيث ساعدت مستويات الإنتاج من المنتجين خارج «أوبك»، مثل «الولايات المتحدة»، و«البرازيل»، على «الحفاظ على سقف الأسعار». ومع الوضع في الاعتبار، التغيرات الديناميكية الأطول أمدا في استخدام النفط من قِبَل «الاقتصادات الكبيرة»، مثل الصين؛ فقد أشارت صحيفة «فايننشال تايمز»، إلى أن «أيام أسعار النفط التي بلغت 100 دولار للبرميل قد ولت».
وعليه، أشار «سايمون»، إلى أن التوقعات المختلفة لـ«وكالة الطاقة الدولية»، و«منظمة أوبك»، هي “تذكير بالصعوبات الكامنة لتوقع حجم الطلب على النفط ومستوى تسعيره في الأسواق المعقدة اليوم»، وأن «التوقعات على المدى القريب والبعيد ربما تكون خاطئة»، ويمكن معرفة ذلك، من خلال إدراك مدى التصعيد الإضافي المحتمل في الشرق الأوسط؛ بين «إيران»، و«الولايات المتحدة»، والذي تعتقد معاهد الأبحاث الغربية، أنه سيكون له تأثير كبير على توقعات الطلب والعرض العالمي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك