العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العدوان على غزة والانتخابات الأمريكية

بقلم: د. ناجي صادق شراب {

الجمعة ٠٩ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

لقد‭ ‬شاءت‭ ‬الأقدار‭ ‬السياسية‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬غزة‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تنتهي‭ ‬في‭ ‬5‭ ‬نوفمبر‭ ‬القادم‭. ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬وانتخابات‭ ‬تجديد‭ ‬نصف‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬تبرز‭ ‬قوة‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬وخاصة‭ ‬منظمة‭ ‬ايباك‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬مصير‭ ‬من‭ ‬سيفوز‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات‭ ‬بحكم‭ ‬عوامل‭ ‬كثيرة‭ ‬أهمها‭ ‬الصوت‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬الكبيرة‭ ‬الحاسمة‭ ‬للانتخابات‭ ‬وبحكم‭ ‬المال‭ ‬والإعلام‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المعتقدات‭ ‬الإيدولوجية‭ ‬والعقدية‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬الرئيس‭ ‬المرشح‭ ‬ووجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستين‭ ‬مليونا‭ ‬من‭ ‬الأصولية‭ ‬المسيحية‭ ‬التي‭ ‬تؤمن‭ ‬أن‭ ‬عودة‭ ‬المسيح‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعودة‭ ‬اليهود‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭. ‬والسؤال‭: ‬ما‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتخابات؟

الجديد‭ ‬أمران‭ ‬هما‭: ‬مأساة‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعر‭ ‬ف‭ ‬الآن‭ ‬بحرب‭ ‬غزة‭ ‬وما‭ ‬خلقته‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬سياسية‭ ‬وتحولات‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العالم‭ ‬الأمريكي،‭ ‬والأمر‭ ‬الثاني‭ ‬عودة‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬ترامب‭ ‬للمنافسة‭ ‬القوية‭ ‬والشرسة‭ ‬على‭ ‬منصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬إليه،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعنى‭ ‬محاولة‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭.‬

وهنا‭ ‬السؤال‭ ‬ثانية‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬إسرائيل؟‭ ‬فإسرائيل‭ ‬تريد‭ ‬رئيسا‭ ‬الآن‭ ‬ورئيسا‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬غزة،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬استنفدت‭ ‬رئيس‭ ‬الحرب‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭. ‬كيف‭ ‬أثرت‭ ‬حرب‭ ‬غزة؟‭ ‬

والإجابة‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬نواح‭ ‬كثيرة‭. ‬أولها‭ ‬الدعم‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬تاريخيا‭ ‬في‭ ‬إدارات‭ ‬الرئاسة‭ ‬وما‭ ‬أظهره‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬سياسيا‭ ‬وعسكريا‭ ‬وأمنيا‭. ‬فزيارته‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ومشاركته‭ ‬مجلس‭ ‬الحرب‭ ‬وتبنيه‭ ‬نفس‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ونفس‭ ‬المقولات‭ ‬والمبررات‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتوصيف‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬إرهابا،‭ ‬وتبرير‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬والتدمير‭ ‬وأن‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬وإرسالها‭ ‬بوارجها‭ ‬العسكرية‭ ‬وتزويد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بكل‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬الاستمرارية‭ ‬في‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬ومواصلتها‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الشاملة،‭ ‬وتوظيف‭ ‬حق‭ ‬الفيتو‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬مشروعات‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬طالبت‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب‭.‬

والزيارات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬والتي‭ ‬تصل‭ ‬الى‭ ‬ست‭ ‬زيارات‭ ‬معلنا‭ ‬فيها‭ ‬كلها‭ ‬دعمه‭ ‬المطلق‭ ‬للموقف‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زيارات‭ ‬ولقاءات‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬المتعاطفين‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬والموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬مندوبتها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬يطالب‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب‭ ‬تنفيذا‭ ‬لقرار‭ ‬المحكمة‭.‬

هذه‭ ‬المواقف‭ ‬كانت‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬مفسرة‭ ‬لها،‭ ‬وهناك‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬لتداعيات‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬مناقضا‭ ‬ومعبرا‭ ‬عن‭ ‬التنديد‭ ‬بالموقف‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬ومطالبا‭ ‬بوقفها‭ ‬ورأينا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬المسيرات‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ولاية،‭ ‬ومن‭ ‬مواقف‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬ومواقف‭ ‬بعض‭ ‬الإعلاميين‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬محدودة‭ ‬ولكنها‭ ‬تثير‭ ‬تساؤلات‭ ‬عن‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭.‬

إن‭ ‬الأكثر‭ ‬احتمالا‭ ‬هو‭ ‬التصويت‭ ‬السلبي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬هذه‭ ‬التجمعات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يعمل‭ ‬لصالح‭ ‬المنافس‭ ‬القوي‭ ‬ترامب،‭ ‬والسؤال‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬إسرائيل‭ ‬واللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأيباك‭ ‬من‭ ‬التصويت‭. ‬الحرب‭ ‬ورغم‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق،‭ ‬فإنها‭ ‬أبرزت‭ ‬بعض‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬ونتنياهو‭ ‬حول‭ ‬مسارات‭ ‬الحرب‭.‬

بايدن‭ ‬يريد‭ ‬إنجازا‭ ‬سريعا‭ ‬يخاطب‭ ‬به‭ ‬الجاليات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬ويحقق‭ ‬هدف‭ ‬إسرائيل‭. ‬وإسرائيل‭ ‬هدفها‭ ‬الآن‭ ‬الاستفادة‭ ‬المطلقة‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬وفريقه‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬وفي‭ ‬محاكمات‭ ‬محتملة،‭ ‬وفي‭ ‬عدم‭ ‬خسارة‭ ‬الانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم‭  ‬العربي،‭ ‬ولعل‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزه‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬الأولي‭ ‬من‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ودراسة‭ ‬خيارات‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها،‭ ‬وهذا‭ ‬الموقف‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬رغم‭ ‬ربطه‭ ‬بالأمن‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬المتوقعة‭ ‬والممكنة‭ ‬قد‭ ‬تدفع‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأيباك‭ ‬للذهاب‭ ‬للرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬المرشح‭ ‬الأفضل‭ ‬لمرحلة‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬منظور‭: ‬أولها‭: ‬أن‭ ‬تركيبة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬الأكثر‭ ‬يمينية‭ ‬وشعبوية‭ ‬تتوافق‭ ‬مع‭ ‬يمنية‭ ‬وشعبوية‭ ‬ترامب،‭ ‬وثانيا‭: ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬له‭ ‬مبادرته‭ ‬السابقة‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تعرف‭ ‬بصفقة‭ ‬القرن‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالتسوية‭ ‬النهائية‭ ‬للصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وهي‭ ‬نفس‭ ‬الرؤية‭ ‬التي‭ ‬تتبناها‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬ماهية‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬غير‭ ‬المتكاملة‭ ‬والفارغة‭ ‬سياديا‭ ‬والقدس‭ ‬الموحدة‭ ‬عاصمة‭ ‬أبدية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وتوطين‭ ‬اللاجئين‭.‬

وثالثا‭: ‬انها‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬ترامب‭ ‬الأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬وتأثيرا‭ ‬عربيا‭.‬

‭ ‬ورابعا‭: ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬وكما‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬ولو‭ ‬طفيف‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬بروز‭ ‬وتأييد‭ ‬التيار‭ ‬اليميني‭ ‬والقومية‭ ‬البيضاء‭ ‬والشعبويين‭ ‬الكارهين‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬عربي‭ ‬وتجسد‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التصريحات‭ ‬للجمهوريين‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭.‬

وخامسا‭ ‬العلاقات‭ ‬الشخصية‭ ‬بين‭ ‬نتنياهو‭ ‬وترامب‭. ‬ويبقى‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬هي‭ ‬الثمن‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يدفعه‭ ‬الرئيس‭ ‬بايدن‭ ‬الذي‭ ‬غالبا‭ ‬سيكون‭ ‬هو‭ ‬الخاسر‭ ‬الأكبر‭.‬

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬فلسطيني

مختص‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا