لقد شاءت الأقدار السياسية أن تفرض غزة نفسها على الانتخابات الأمريكية التي تنتهي في 5 نوفمبر القادم. انتخابات الرئاسة وانتخابات تجديد نصف أعضاء الكونجرس. وفي هذه الانتخابات تبرز قوة اللوبي الصهيوني وخاصة منظمة ايباك الصهيونية في تحديد مصير من سيفوز في هذه الانتخابات بحكم عوامل كثيرة أهمها الصوت اليهودي في الولايات الكبيرة الحاسمة للانتخابات وبحكم المال والإعلام ناهيك عن المعتقدات الإيدولوجية والعقدية التي يحملها الرئيس المرشح ووجود أكثر من ستين مليونا من الأصولية المسيحية التي تؤمن أن عودة المسيح مرتبطة بعودة اليهود إلى فلسطين. والسؤال: ما الجديد في هذه الانتخابات؟
الجديد أمران هما: مأساة الأوضاع في غزة أو ما يعر ف الآن بحرب غزة وما خلقته من تداعيات سياسية وتحولات في الرأي العالم الأمريكي، والأمر الثاني عودة الرئيس السابق ترامب للمنافسة القوية والشرسة على منصب الرئاسة من جديد رغم كل الاتهامات التي وجهت إليه، وهو ما يعنى محاولة الاستفادة منها.
وهنا السؤال ثانية من هو أفضل من وجهة نظر إسرائيل؟ فإسرائيل تريد رئيسا الآن ورئيسا لما بعد حرب غزة، بعد ان تكون قد استنفدت رئيس الحرب الذي تمثله إدارة الرئيس بايدن. كيف أثرت حرب غزة؟
والإجابة من عدة نواح كثيرة. أولها الدعم غير المسبوق تاريخيا في إدارات الرئاسة وما أظهره الرئيس بايدن سياسيا وعسكريا وأمنيا. فزيارته غير المسبوقة لإسرائيل ومشاركته مجلس الحرب وتبنيه نفس الموقف الإسرائيلي ونفس المقولات والمبررات التي تتبناها إسرائيل بتوصيف «حماس» إرهابا، وتبرير عمليات القتل والتدمير وأن حرب إسرائيل من باب الدفاع عن النفس، وإرسالها بوارجها العسكرية وتزويد إسرائيل بكل الأسلحة التي تساعد على الاستمرارية في خيار الحرب ومواصلتها حرب الإبادة الشاملة، وتوظيف حق الفيتو في مجلس الأمن ضد كل مشروعات القرارات التي طالبت بوقف الحرب.
والزيارات العديدة التي لم تحدث من قبل لوزير الخارجية الأمريكي والتي تصل الى ست زيارات معلنا فيها كلها دعمه المطلق للموقف الإسرائيلي، إلى جانب زيارات ولقاءات وزير الدفاع وعدد من النواب المتعاطفين مع إسرائيل، والموقف الأمريكي من قرار محكمة العدل كما جاء على لسان مندوبتها في مجلس الأمن التي وقفت في وجه أي مشروع قرار يطالب بوقف الحرب تنفيذا لقرار المحكمة.
هذه المواقف كانت حرب غزة مفسرة لها، وهناك جانب آخر لتداعيات هذه الحرب مناقضا ومعبرا عن التنديد بالموقف من الحرب ومطالبا بوقفها ورأينا ذلك في المسيرات العديدة التي قامت بها الجاليات العربية والإسلامية في أكثر من ولاية، ومن مواقف عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي في الكونجرس ومواقف بعض الإعلاميين وإن كانت محدودة ولكنها تثير تساؤلات عن موقفها من التصويت في الانتخابات.
إن الأكثر احتمالا هو التصويت السلبي من جانب هذه التجمعات الديمقراطية الذي قد يعمل لصالح المنافس القوي ترامب، والسؤال أيضا عن تداعيات الحرب على موقف إسرائيل واللوبي الصهيوني وأيباك من التصويت. الحرب ورغم الدعم المطلق، فإنها أبرزت بعض الخلافات بين الرئيس بايدن ونتنياهو حول مسارات الحرب.
بايدن يريد إنجازا سريعا يخاطب به الجاليات العربية والإسلامية ويحقق هدف إسرائيل. وإسرائيل هدفها الآن الاستفادة المطلقة من الرئيس بايدن وفريقه في دعم مواقفها من الحرب والدفاع عنها في مجلس الأمن وفي محاكمات محتملة، وفي عدم خسارة الانفتاح على العالم العربي، ولعل من تداعيات الحرب على غزه هذا التحول الأولي من الموقف من قيام الدولة الفلسطينية ودراسة خيارات الاعتراف بها، وهذا الموقف لا يخرج عن الموقف الإسرائيلي رغم ربطه بالأمن الإسرائيلي، هذه التحولات المتوقعة والممكنة قد تدفع اللوبي الصهيوني وأيباك للذهاب للرئيس ترامب الذي قد ترى فيه المرشح الأفضل لمرحلة اليوم التالي لما بعد الحرب من أكثر من منظور: أولها: أن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية وشعبوية تتوافق مع يمنية وشعبوية ترامب، وثانيا: أن الرئيس ترامب له مبادرته السابقة أو ما تعرف بصفقة القرن المتعلقة بالتسوية النهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي نفس الرؤية التي تتبناها إسرائيل من حيث ماهية الدولة الفلسطينية غير المتكاملة والفارغة سياديا والقدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل وتوطين اللاجئين.
وثالثا: انها ترى في ترامب الأكثر قدرة وتأثيرا عربيا.
ورابعا: ان هذه الحرب وكما أدت إلى تغيير ولو طفيف في الرأي العام الأمريكي إلا أنها زادت من بروز وتأييد التيار اليميني والقومية البيضاء والشعبويين الكارهين لكل ما هو عربي وتجسد هذا في العديد من التصريحات للجمهوريين في الكونجرس.
وخامسا العلاقات الشخصية بين نتنياهو وترامب. ويبقى ان هذه الحرب هي الثمن الكبير الذي قد يدفعه الرئيس بايدن الذي غالبا سيكون هو الخاسر الأكبر.
{ أكاديمي فلسطيني
مختص في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك