العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لماذا فشلت كل الصيغ المطروحة للحل؟

بقلم: د. أحمد رفيق عوض {

الخميس ٠٨ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

كل‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬وكل‭ ‬المبادرات‭ ‬والأفكار‭ ‬والأطروحات‭ ‬التي‭ ‬تعلقت‭ ‬بالصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬نهاية‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬خروج‭ ‬منه،‭ ‬فشلت‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬إما‭ ‬أنها‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬تجاوزها‭ ‬أو‭ ‬إهمالها‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬التعاطي‭ ‬معها‭ ‬أو‭ ‬تطبيقها‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصلحة‭ ‬المحتل‭ ‬القوي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬يدعمه‭.‬

إن‭ ‬فشل‭ ‬جميع‭ ‬المقترحات‭ ‬أو‭ ‬المبادرات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬طرحها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬إنما‭ ‬يعود‭ ‬ضمن‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الحلول‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الضحية‭ ‬دائماً،‭ ‬فالمطلوب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الضحية‭ ‬أن‭ ‬تعدل‭ ‬سلوكها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تغير‭ ‬وعيها‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬إنقاص‭ ‬جغرافيتها،‭ ‬كان‭ ‬المطلوب‭ ‬دائما‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬الضحية‭ ‬بتهدئة‭ ‬الطرف‭ ‬الأقوى‭ ‬ونزع‭ ‬مخاوفه‭ ‬وطمأنته‭ ‬ومنحه‭ ‬إحساساً‭ ‬بالأمن‭ ‬والرضا‭ ‬والقناعة‭.‬

كان‭ ‬على‭ ‬الضحية‭ ‬دائماً‭ ‬أن‭ ‬تثبت‭ ‬حسن‭ ‬نواياها‭ ‬مسبقاً،‭ ‬وأن‭ ‬تدفع‭ ‬استحقاقات‭ ‬الهدوء‭ ‬والاستقرار‭ ‬من‭ ‬قوت‭ ‬يومها‭ ‬ولحمها‭ ‬الحي‭ ‬ومائها‭ ‬ودمائها‭ ‬وهوائها‭ ‬وترابها‭ ‬وعدد‭ ‬أشجارها،‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المقترحات‭ ‬والمبادرات،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الضحية‭ ‬أن‭ ‬تنظف‭ ‬وعيها‭ ‬ووجدانها‭ ‬من‭ ‬المشاعر‭ ‬السلبية‭ ‬والاتجاهات‭ ‬والغضب‭ ‬والحزن‭ ‬وحتى‭ ‬الفرح‭.‬

كل‭ ‬المبادرات‭ ‬والأفكار‭ ‬والطروحات‭ ‬منذ‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬افترضت‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬يتوجب‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬ثمن‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وأن‭ ‬تشتري‭ ‬بدمها‭ ‬وأحلامها‭ ‬وآمالها‭ ‬مجرد‭ ‬البقاء‭.‬

فشلت‭ ‬كل‭ ‬الحلول‭ ‬والمقترحات‭ ‬لأنها‭ ‬افترضت‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬لا‭ ‬تحلم‭ ‬ولا‭ ‬تأمل‭ ‬ولا‭ ‬تشبه‭ ‬الأقوياء‭ ‬أو‭ ‬الأغنياء،‭ ‬وافترضت‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬بلا‭ ‬تاريخ‭ ‬ولا‭ ‬جذور‭ ‬ولا‭ ‬مرجعيات،‭ ‬كأن‭ ‬هذه‭ ‬الضحية‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬العدم‭ ‬وتذهب‭ ‬إلى‭ ‬العدم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

كل‭ ‬الحلول‭ ‬وحتى‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬افترضت‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬مهزومة‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬ثمن‭ ‬هذه‭ ‬الهزيمة،‭ ‬وأن‭ ‬عليها‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬بالمعروض‭ ‬عليها‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬ناقصاً‭ ‬أو‭ ‬هزيلاً‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مقنع‭.‬

كل‭ ‬المبادرات‭ ‬والحلول‭ ‬افترضت‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬تركيبها‭ ‬أو‭ ‬تفكيكها‭ ‬أو‭ ‬هندستها‭ ‬أو‭ ‬رسم‭ ‬حياتها‭ ‬الحاضرة‭ ‬أو‭ ‬المستقبلية،‭ ‬وأن‭ ‬الضحية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقرر‭ ‬وحدها‭. ‬

فلا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬من‭ ‬ينوب‭ ‬عنها‭ ‬أو‭ ‬يمثلها،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬جميع‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض،‭ ‬فلا‭ ‬تستطيع‭ ‬الضحية‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬ممثليها‭ ‬ولا‭ ‬مناهج‭ ‬مدارسها‭ ‬ولا‭ ‬أسماء‭ ‬شوارعها‭ ‬ولا‭ ‬كلمات‭ ‬أغانيها‭ ‬ولا‭ ‬عدد‭ ‬الطوابق‭ ‬في‭ ‬عماراتها،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬جميع‭ ‬الشعوب،‭ ‬فإن‭ ‬الضحية‭ ‬في‭ ‬حالتنا‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬ما‭ ‬تبنى‭ ‬ولا‭ ‬أن‭ ‬تذود‭ ‬عن‭ ‬أحواض‭ ‬النعناع‭ ‬أو‭ ‬أشجار‭ ‬الكينا‭ ‬أو‭ ‬أقفال‭ ‬الخزائن،‭ ‬في‭ ‬حالتنا‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فإن‭ ‬أبواب‭ ‬الضحية‭ ‬مفتوحة‭ ‬وظهرها‭ ‬مكشوف‭ ‬ولحوم‭ ‬أبنائها‭ ‬أمر متاح‭ ‬وسهل‭. ‬

وفي‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬يأتي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬طرح‭ ‬صيغة‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬منزوعة‭ ‬السلاح‭ ‬بجوار‭ ‬كيان‭ ‬استعماري‭ ‬عنصري‭ ‬مدجج‭ ‬بكل‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬الحديثة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬السلاح‭ ‬النووي‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬المسلحة‭ ‬تسليحا‭ ‬غزيرا‭ ‬وكثيفا‭ ‬يتفوق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تسليح‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كله،‭ ‬فيا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬عجائب‭ ‬وغرائب‭!.‬

الحلول‭ ‬تفشل‭ ‬لأنها‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬ليست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الأمن‭ ‬بقدر‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬الخبز،‭ ‬وأنها‭ ‬ليست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬السيادة‭ ‬بقدر‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬التكيف،‭ ‬وأنها‭ ‬ليست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬جغرافيا‭ ‬بقدر‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تصريح‭ ‬مرور‮»‬‭.‬

وإنها‭ ‬أيضا‭ ‬أي‭ ‬الضحية‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تطوير‭ ‬ذات‭ ‬وطنية‭ ‬بقدر‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬وثيقة‭ ‬تعريف‭ ‬بيومترية‭ ‬تظهر‭ ‬عدد‭ ‬مخالفاته‭ ‬وسني‭ ‬سجنه‭.‬

لذلك‭ ‬نؤكد‭ ‬أخيرا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الحلول‭ ‬تفشل‭ ‬وسوف‭ ‬تفشل‭ ‬إذا‭ ‬ظلت‭ ‬تفترض‭ ‬أن‭ ‬الضحية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬خداعها‭ ‬والالتفاف‭ ‬على‭ ‬مطالبها‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭. ‬

{‭ ‬رئيس‭ ‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬

المستقبلية‭ ‬–‭ ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا