في ختام اجتماع الدورة 134 لمجلس إدارة «اتحاد الغرف التجارية العربية»، الذي عُقد في المنامة في سبتمبر2023، برئاسة «سمير ناس»، بصفته رئيس الدورة الحالية للاتحاد، وبمشاركة الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، ورؤساء اتحادات الغرف التجارية للدول العربية، ووفود من معظم الدول العربية؛ صدر «إعلان البحرين للقطاع الخاص العربي»، عقب مناقشة موضوعات ملحة، بما في ذلك التحديات التي تواجه الأمن الغذائي العربي، والعقبات التي تحد من التجارة البينية العربية.
ومن الجدير بالذكر، أن الشؤون الاقتصادية قد حظيت بنصيب وافر من اهتمامات هذه الدورة، مستهدفة الخروج بتوصيات، تعكس رأي القطاع الخاص العربي، لرفعها إلى الجهات المعنية المختصة في الدول العربية، كما أن «إعلان البحرين للقطاع الخاص»، الذي صدر عن هذه الدورة، سوف يتم رفعه إلى القادة والملوك والرؤساء العرب في «القمة العربية الاقتصادية التنموية والاجتماعية»، المقرر عقدها في العاصمة الموريتانية «نواكشوط»، والذي كان مقررًا لها نوفمبر الماضي، لكنها تأجلت إلى العام الحالي 2024.
تضمن «إعلان المنامة»، عشرة مقررات، من بينها «مضاعفة الجهود لتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي العربي المشترك»، و«تحسين الأوضاع الاجتماعية عبر دعم شبكات الأمان الاجتماعي في الدول العربية لتدارك تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية»، فيما شدد على «تحقيق الحريات الأربع التي تعزز هذا التكامل»: «حرية انتقال الأفراد»، بمنح تأشيرات متعددة طويلة الآجل لرجال الأعمال، و«حرية انتقال رؤوس الأموال، وسهولة التحويلات»، و«حرية انتقال السلع»، بإزالة المعوقات الجمركية وغير الجمركية، وتوحيد المواصفات والمقاييس، وتوحيد إجراءات التسجيل، و«حرية انتقال الخدمات»، من خلال الإسراع بإقرار اتفاقية تحرير التجارة في الخدمات، كما قرر ضرورة تنفيذ مشروعات لربط الطاقة بين الدول العربية، ووضع استراتيجية عربية للطاقة المتجددة، مؤكدا أن وضع استراتيجية عربية للتحول الرقمي والاقتصاد الدائري والتشاركي – استنادًا على الثورة الصناعية الرابعة – يستهدف تطوير البنية التحتية الرقمية والتشريعية والتكنولوجية.
علاوة على ذلك، قرر «الإعلان»، ضرورة معالجة العقبات التي تواجه قطاع النقل، وتطوير النقل البري الطرقي والسككي، والنقل البحري، وتحقيق ربط شبكات النقل؛ «البري والبحري والجوي»، بين الدول العربية، بوصفها شرايين أساسية لحركة التجارة والسياحة والاستثمار والعمالة داخل المنطقة العربية. فيما شدد على الاستثمار العام والخاص في تجهيز موانئ محورية عربية، وربطها بشبكة خطوط بحرية بين الدول العربية ومع العالم، وبناء مناطق لوجستية مرتبطة بتجمعات إنتاجية صناعية وزراعية، ودعمها ببورصة عربية سلعية، كما قرر ضرورة اعتماد سياسة عربية مشتركة للتعليم، تستهدف إصلاح مناهج التعليم ومخرجاتها، بما يتناسب مع حاجات سوق العمل ومتطلبات السوق الحديثة، وتشجيع القطاع الخاص العربي على اتخاذ المبادرات لبناء الصروح العلمية والبحثية المتميزة، وإقامة آلية عربية مشتركة لدعم البحث العلمي.
بالإضافة إلى ذلك، أكد «الإعلان»، أهمية تنسيق طاقات ومؤسسات العمل العربي المشترك والحكومات العربية والقطاع الخاص، من أجل حماية الأمن الغذائي والمائي العربي؛ ارتكازًا على تعزيز مرونة القطاع الزراعي، وترشيد استهلاك المياه، واعتماد التكنولوجيا الزراعية الحديثة والزراعة الذكية، وتطوير مناطق لوجستية للتجارة والاستثمار الغذائي، وإطلاق مبادرات جديدة لتشجيع الشباب العربي على ريادة الأعمال في الابتكارات الزراعية الرقمية، وتنمية الموارد المائية، وقرر وضع «استراتيجية واقعية متدرجة»، ذات جدول زمني لتحقيق التكامل الاقتصادي، ابتداءً من مرحلة التجارة الحرة العربية الكبرى، ثم الاتحاد الجمركي، ثم السوق المشتركة.
من جانبه، شدد «سمير ناس»، في كلمته على ضرورة تقوية القطاع الخاص من خلال مساعدته في تأسيس شركات، ومؤسسات تجارية واستثمارية وصناعية وزراعية تكاملية، تولد فرص عمل، وتدعم اقتصادات الدول العربية، فيما أصبح القطاع الخاص هو المنوط به النشاط الاقتصادي، ويتولى توظيف 75% من إجمالي العمالة في البلدان العربية، كما يتولى 75% من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبحت الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ضرورية من أجل تنفيذ الأهداف الاقتصادية لكل دولة عربية، وأكد «ناس»، أهمية تبني رؤى اقتصادية عربية موحدة في سياق التحولات العالمية الراهنة، بما يسهم في تعزيز فرص التعاون الاقتصادي والتجاري، وإحياء فرص التكامل العربي.
واستكمالا، أكد «الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية العربية»، ضرورة الاستفادة من ترؤس البحرين للدورة الحالية، باعتبارها دولة حاضنة للقطاع الخاص، ولديها رؤية مستقبلية لآليات النهوض وأدواته، كي يتمكن من القيام بدوره في عملية التنمية بالمنطقة العربية، كما أطلقت «سونيا جناحي» – عضو مجلس إدارة غرفة البحرين، عضو منظمة العمل الدولية – دعوة لمزيد من تنسيق المواقف والقرارات بين الحكومات والغرف التجارية العربية، للعب دور مؤثر في قرارات منظمة العمل الدولية، وأهمية تشكيل تكتلات وتحالفات عربية وإسلامية، والعمل مع الدول الصديقة والمنظمات العمالية لكسب دور أقوى داخل منظمة العمل الدولية،
وفضلا عن ذلك، استعرضت «جناحي»، دراسة أعدتها مجموعة التفكير الاستراتيجي بغرفة البحرين، حول الفجوات التنسيقية؛ بهدف تناغم قوة العمل مع تحديات المستقبل الاقتصادي، محليًا وإقليميًا ودوليًا، لتحقيق حضور نافذ لرأي الغرفة المتوازن في الملفات الاقتصادية، موضحة أن العالم العربي أمامه فرصة لهندسة الوجود الاقتصادي، في ظل تغير أوزان القوى الدولية، وذلك من خلال تعزيز التنسيق والتكامل بين الغرف التجارية العربية، ذات القدرة على رسم توجهات العمل في القطاع الخاص، كرائد رئيسي للتنمية والاستقرار.
وبشكل عام، ركز «إعلان المنامة»، على أبرز المعوقات للتجارة العربية البينية، التي لا تتجاوز في أحسن حالات 10% من حجم التجارة العربية مع العالم الخارجي، برغم ما يتمتع به الوطن العربي من ثروات طبيعية ومالية وموارد بشرية، ووحدة جغرافية، وموقع استراتيجي رابط بين الشرق والغرب، ما يجعل منه قوة اقتصادية كبيرة محتملة في الاقتصاد العالمي.
وتبرز أهم المعوقات، في القيود غير الجمركية، ومنها القيود الإدارية، كإعادة التثمين الجمركي، وكثرة المستندات غير اللازمة، ومدة العبور، والقيود الفنية، كتلك المتعلقة بالمواصفات، والمعوقات الخاصة بالرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل للتعريفة الجمركية؛ ما يؤدي إلى تعطيل أثر الخفض الجمركي، بالإضافة إلى تباطؤ وعدم الاتفاق على قواعد المنشأ، كما تشكل صعوبات النقل البري أحد أهم المعوقات، فلا توجد حتى الآن طرق أو شبكات نقل برية تربط المغرب العربي بالمشرق بأسعار منافسة، فضلاً عن التعقيدات على الحدود بين الدول العربية، وطول المدة الزمنية، كما يعاني القطاع الخاص العربي من نقص المعلومات اللازمة لزيادة التجارة العربية البينية، وصعوبة تنقل الأفراد ورؤوس الأموال بين الدول العربية.
وقبل اجتماع المنامة، كان «اتحاد الغرف التجارية العربية»، قد أجرى «استبانة»، تمثل نتائجها وجهة نظر القطاع الخاص، بشأن سير تطبيق منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، فيما يعكس العراقيل والمعوقات في وجه التجارة العربية البينية بشفافية وموضوعية، وتم تضمين نتائجها في تقرير اتحاد الغرف التجارية العربية، الذي تم رفعه إلى «المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية»، كما اشتملت هذه الاستبانة أيضًا على التجارة الإلكترونية، وبرز في نتائجها عقبة التحويل المالي التي تصدرت المعوقات، تلتها الإجراءات الجمركية، ثم طول مدة العبور، ثم تكاليف التجارة، ورخصها، من إجمالي 14 عقبة تحد من التجارة البينية العربية.
على العموم، برز «إعلان المنامة»، كمنصة لإسماع صوت القطاع الخاص القائم بالأساس بالتجارة بين الدول العربية، فيما تأجلت قمة «نواكشوط»، التي كان مقررًا لها أن تبحث توصيات هذا الإعلان وتصدر قراراتها بشأنها، ما يضيف إلى المعوقات؛ التباطؤ في اتخاذ هذه القرارات، وتفعيلها، لتظل «التجارة العربية البينية»، تعاني من نفس هذه المعوقات، ناهيك عما تسببه الأوضاع الجيوساسية، وخروج أقطار عربية عديدة عن مسار هذه التجارة البينية، ومن ثمّ، بقاء الاتفاقات الاقتصادية معها معطلة، فيما وقف العمل الاقتصادي العربي المشترك عند المرحلة الأولى من التكامل، وهي منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، ولم يصل بعد إلى الاتحاد الجمركي، وحتى التجارة الحرة العربية الكبرى، تعاني من عقبات تفعيلها كاملة، ومن ثم إحساس المواطن العربي بنتائجها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك