العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تضاؤل وانحسار الدور الأوروبي

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ٠٧ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

أظهرت‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬مؤخرا،‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬والعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الغاشم‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭ ‬الساخنة‭ ‬أن‭ ‬القوة‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬يوما‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬تحكم‭ ‬العالم‭ ‬وكانت‭ ‬تشكل‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الامبراطوريات‭ ‬أصبحت‭ ‬قوة‭ ‬في‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الزوال‭ ‬والتراجع،‭ ‬فمنذ‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬سيطرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬القرار‭ ‬الأوروبي‭ ‬وعلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وعلى‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الأوروبية‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لأوروبا‭ ‬فيها‭ ‬صوت‭ ‬منفصل‭ ‬عن‭ ‬الصوت‭ ‬الأمريكي‭ ‬وما‭ ‬تقوله‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬والسلم‭ ‬وفي‭ ‬المال‭ ‬والاقتصاد‭.‬

فقد‭ ‬أظهرت‭ ‬مثلا‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬وعلى‭ ‬أفغانستان‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬التي‭ ‬خاضتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خارج‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬شبه‭ ‬منفردة‭ ‬باستثناء‭ ‬التبعية‭ ‬البريطانية‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تلعب‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬وحدها‭ ‬ولا‭ ‬تعبأ‭ ‬مطلقا‭ ‬بمن‭ ‬تسميهم‭ ‬الحلفاء‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬كما‭ ‬أظهرت‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬والدعم‭ ‬غير‭ ‬المسبوق‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والناتو‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدمير‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وتفتيت‭ ‬وحدتها‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬تقود‭ ‬وحدها‭ ‬تقريبا‭ ‬المعركة‭ ‬وتلزم‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬تقريبا‭ ‬بما‭ ‬تراه‭ ‬مناسبا‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زلينيسكي‭ ‬كلما‭ ‬رأي‭ ‬تخاذل‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬أو‭ ‬بطأ‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الأوروبي‭ ‬ركب‭ ‬الطائرة‭ ‬واتجه‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬طالبا‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والعسكري‭ ‬ثم‭ ‬تصدر‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬توجيهاتها‭ ‬إلى‭ ‬الأوروبيين‭ ‬فيعودون‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بما‭ ‬لديهم‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬وسلاح‭ ‬وعتاد‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬شعوبهم‭ ‬التي‭ ‬تتظاهر‭ ‬في‭ ‬الشوارع‭ ‬رافضة‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬المطلق‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬القارة‭ ‬الأوروبية‭ ‬بدولها‭ ‬المقتدرة‭ ‬وما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬بشرية‭ ‬وطبيعية‭ ‬وعلمية‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬تناقضاتها‭ ‬الداخلية‭ ‬فإنها‭ ‬قوة‭ ‬كبيرة‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لكنها‭ ‬اليوم‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬اللازمة‭ ‬لتكون‭ ‬ندا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولتكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬العالمية‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬فإن‭ ‬مصلحة‭ ‬أوروبا‭ ‬كمنظومة‭ ‬وكاتحاد‭ ‬اقتصادي‭ ‬وسياسي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬خط‭ ‬مستقل‭ ‬حتى‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬ومن‭ ‬مصلحتها‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬علاقاتها‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وروسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وجمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬متوازنة‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬لصالح‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬قوة‭ ‬أخرى‭ ‬بل‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬لحسابها‭ ‬ولحساب‭ ‬شعوبها‭ ‬التي‭ ‬تضج‭ ‬اليوم‭ ‬بالغضب‭ ‬ضد‭ ‬السياسات‭ ‬الأوروبية‭ ‬الانهزامية‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬الصاعدة‭ ‬مثل‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬وتركيا‭ ‬وجنوب‭ ‬افريقيا‭ ‬وجمهورية‭ ‬الهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬أصبحت‭ ‬تبحث‭ ‬لنفسها‭ ‬عن‭ ‬مكانة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لتؤثر‭ ‬في‭ ‬مسيراته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والأمنية‭.‬

وفيما‭ ‬تتقدم‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والصين‭ ‬بشكل‭ ‬حثيث‭ ‬نحو‭ ‬الساحة‭ ‬العالمية‭ ‬ويزداد‭ ‬تأثيرها‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي،‭ ‬فإن‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬تبدو‭ ‬قابعة‭ ‬في‭ ‬الخلف‭ ‬تعيش‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬لها‭ ‬سوى‭ ‬تأثير‭ ‬بسيط‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الأزمات‭ ‬الدولية،‭ ‬وإن‭ ‬بلدا‭ ‬مثل‭ ‬فرنسا‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬استعمارية‭ ‬امبراطورية‭ ‬كبرى‭ ‬يتم‭ ‬طردها‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية،‭ ‬وينطبق‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬على‭ ‬سائل‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬الأخرى،‭ ‬كما‭ ‬نجح‭ ‬الناتو‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬شل‭ ‬القوى‭ ‬الأوروبية‭ ‬المستقلة‭ ‬ليتحول‭ ‬هذا‭ ‬الحلف‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬عسكرية‭ ‬بيد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

بعد‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬تمكنت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬تقوده‭ ‬بشكل‭ ‬منفرد‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬وجدت‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬نفسها‭ ‬مجرد‭ ‬توابع‭ ‬لا‭ ‬إرادة‭ ‬لها‭ ‬ورأينا‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الصراعات‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬العالم‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأزمات‭ ‬المالية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة،‭ ‬وخاصة‭ ‬ان‭ ‬الأوروبيين‭ ‬دفعوا‭ ‬ثمنا‭ ‬باهظا‭ ‬نتيجة‭ ‬تبعيتهم‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭.‬

وقد‭ ‬تبين‭ ‬خلال‭ ‬العقدين‭ ‬الماضيين‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬أن‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬التاريخية‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬عمليا،‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬الزعماء‭ ‬البارزين‭ ‬الذي‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬إخراجها‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التبعية‭ ‬والضعف‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬مقدراتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والبشرية‭ ‬لتكون‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬وان‭ ‬تخرج‭ ‬من‭ ‬تحت‭ ‬عباءة‭ ‬التأثير‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬شراء‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسيين‭ ‬بأسعار‭ ‬رخيصة‭ ‬تخدم‭ ‬اقتصادها‭ ‬وتشتري‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الأمريكي‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أضعاف‭ ‬السعر‭ ‬الروسي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا