العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

جرائم كيسنجر بحق غزة والفلسطينيين

بقلم: د. منار الشوربجي {

الثلاثاء ٠٦ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

أبى‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬أن‭ ‬يرحل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يُخلّف‭ ‬وراءه‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬الضحايا،‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭! ‬وكيسنجر،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مستشارًا‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬ووزيرًا‭ ‬للخارجية‭ ‬في‭ ‬فترتي‭ ‬حكم‭ ‬نيكسون‭ ‬وفورد،‭ ‬مسؤول‭ ‬مسؤولية‭ ‬مباشرة‭ ‬عن‭ ‬جرائم‭ ‬بالجملة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭. ‬فهو‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬سرًا‭ ‬لتشمل‭ ‬كمبوديا‭ ‬عام‭ ‬1969‭ ‬التي‭ ‬قُصفت‭ ‬وقتها‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬540‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬التي‭ ‬قتلت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬مدني‭ ‬وهجرت‭ ‬الملايين‭ ‬ودمرت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬خُمس‭ ‬كمبوديا‭.‬

ووقتها‭ ‬قال‭ ‬كيسنجر‭ ‬عبارته‭ ‬الشهيرة،‭ ‬فعندما‭ ‬أعطى‭ ‬الأمر‭ ‬بإطلاق‭ ‬ذلك‭ ‬الدمار‭ ‬الشامل،‭ ‬قال‭ ‬لمرؤوسيه‭ ‬إن‭ ‬المطلوب‭ ‬تدمير‭ ‬شامل‭ ‬لكمبوديا‭ ‬بقصف‭ ‬‮«‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يطير‭.. ‬وأي‭ ‬شيء‭ ‬يتحرك‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬سمحت‭ ‬تبعات‭ ‬التدمير‭ ‬بوصول‭ ‬أكثر‭ ‬فصائل‭ ‬الخمير‭ ‬الحمر‭ ‬دموية‭ ‬إلى‭ ‬الحكم،‭ ‬فنفذوا‭ ‬مذابح‭ ‬جماعية‭ ‬قُتل‭ ‬فيها‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬مدني‭ ‬آخر‭. ‬والسيناتور‭ ‬برني‭ ‬ساندرز‭ ‬قال‭ ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬إن‭ ‬كيسنجر‭ ‬مسؤول‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أسوأ‭ ‬حملة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬أعطى‭ ‬كيسنجر‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬فورد‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لسوهارتو،‭ ‬ديكتاتور‭ ‬إندونيسيا،‭ ‬بغزو‭ ‬تيمور‭ ‬الشرقية‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬ولم‭ ‬ينصحه‭ ‬إلا‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬ينجح‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬سيفعل‭ ‬‮«‬بسرعة‮»‬‭! ‬فكانت‭ ‬النتيجة‭ ‬مقتل‭ ‬200‭ ‬ألف‭ ‬مدني‭. ‬

وكيسنجر‭ ‬مسؤول‭ ‬أيضًا‭ ‬عن‭ ‬قلب‭ ‬نظم‭ ‬حكم‭ ‬ديمقراطية‭. ‬فهو‭ ‬كان‭ ‬وراء‭ ‬الإطاحة‭ ‬بحكومة‭ ‬الليندى‭ ‬في‭ ‬تشيلي‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬أنفقت‭ ‬المخابرات‭ ‬المركزية‭ ‬الملايين‭ ‬لخلق‭ ‬عدم‭ ‬استقرار‭ ‬لنظام‭ ‬الليندى،‭ ‬تمت‭ ‬الإطاحة‭ ‬به‭ ‬وقتله‭ ‬وتنصيب‭ ‬بينوشيه‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي‭ ‬كامل،‭ ‬فكان‭ ‬مسؤولًا‭ ‬عن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬40‭ ‬ألف‭ ‬ضحية‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬وسجين‭ ‬سياسي‭ ‬تعرضوا‭ ‬لتعذيب‭ ‬منظم‭. ‬ثم‭ ‬فعل‭ ‬كيسنجر‭ ‬الشيء‭ ‬نفسه‭ ‬بدعم‭ ‬الانقلاب‭ ‬الدموي‭ ‬في‭ ‬الأرجنتين،‭ ‬والذي‭ ‬مارس‭ ‬الإخفاء‭ ‬القسري‭ ‬وقتل‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المعارضين‭.‬

وكان‭ ‬دوره‭ ‬محوريًا‭ ‬فيما‭ ‬عُرف‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬كوندور‮»‬‭ ‬بأمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬والتي‭ ‬تحالفت‭ ‬فيها‭ ‬نظم‭ ‬حكم‭ ‬يمينية،‭ ‬بدعم‭ ‬أمريكي،‭ ‬لاغتيال‭ ‬معارضيها‭ ‬وإخفائهم‭ ‬قسريًا‭.‬

أما‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬فقد‭ ‬خطط‭ ‬كيسنجر‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬‮«‬لعزل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬العرب‮»‬‭.‬

فقد‭ ‬كشفت‭ ‬الوثائق‭ ‬أنه‭ ‬رفض،‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬أي‭ ‬‮«‬اتفاق‭ ‬سلام‭ ‬شامل‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬وإسرائيل‮»‬‭ ‬يتضمن‭ ‬الانسحاب‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬رغم‭ ‬التظاهر‭ ‬الدائم‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬النهائي‭. ‬وأعلن‭ ‬وقتها‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬منهج‭ ‬الخطوة‭ ‬خطوة‮»‬‭. ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬منه‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬سرًا‭ ‬هو‭ ‬‮«‬كسر‭ ‬الجبهة‭ ‬العربية‭ ‬الموحدة‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬‮«‬عزل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬العرب‮»‬،‭ ‬وظل‭ ‬ينصح‭ ‬بذلك‭ ‬حتى‭ ‬مات‭.‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدم،‭ ‬ظل‭ ‬كيسنجر‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬يدلى‭ ‬بدلوه‭ ‬ويلقى‭ ‬آذانًا‭ ‬صاغية‭ ‬‮«‬لنصائحه‮»‬‭ ‬بالأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬ببلاده،‭ ‬بل‭ ‬ودوليًا‭ ‬للأسف‭. ‬

وهو‭ ‬لم‭ ‬يحرم‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬شره‭ ‬حتى‭ ‬الرمق‭ ‬الأخير‭. ‬فقد‭ ‬قال‭ ‬رأيه‭ ‬بعد‭ ‬العدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬فقرر‭ ‬للعرب‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬ما‭ ‬يفعلون‭! ‬فهو‭ ‬‮«‬نصح‮»‬‭ ‬بالتخلي‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬وباقتصار‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬مستقبلية‭ ‬على‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وإسرائيل‮»‬‭ ‬بدلًا‭ ‬من‭ ‬‮«‬الفلسطينيين‭ ‬وإسرائيل‮»‬،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين‭!‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬متاحًا‭ ‬بسبب‭ ‬الاستيطان‭ ‬الذي‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬تقام‭ ‬عليها‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬موقف‭ ‬كيسنجر‭.‬

فالسبب‭ ‬عنده‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬‮«‬منحت‮»‬‭ (‬لاحظ‭ ‬معنى‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬منحت‮»‬‭ ‬تلك‭) ‬غزة‭ ‬‮«‬استقلالًا‭ ‬نسبيًا‮»‬‭ ‬كاختبار‭ (‬للفلسطينيين‭ ‬طبعًا‭) ‬لإمكانية‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭.. ‬

لكن‭ ‬الأمور‭ ‬صارت‭ ‬أسوأ‭. ‬لذلك‭ ‬فلا‭ ‬مجال،‭ ‬عنده،‭ ‬لإقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭! ‬والحل‭ ‬عنده‭ ‬أن‭ ‬توضع‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬الأردن‭. ‬أما‭ ‬غزة‭ ‬نفسها‭ ‬فلا‭ ‬أظنها‭ ‬سقطت‭ ‬سهوًا‭ ‬من‭ ‬حواره‭ ‬وإنما‭ ‬أسقطها‭ ‬عمدًا،‭ ‬هو‭ ‬أو‭ ‬محاوره‭!.‬

{‭ ‬باحثة‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا