وجهت الأمم المتحدة دعوة إلى كل الدول تحث فيها المؤسسات الإعلامية للتعريف بالقضايا البيئية الدولية، والمساهمة في نشر التوعية والثقافة المؤثرة لحماية البيئة من التدهور قدّر الإمكان، وتبسيط المفاهيم البيئية؛ لذا فقد ظهر ما يسمى بـ «الإعلام البيئي أو الإعلام المتخصص في القضايا البيئية الذي يسلط الضوء على المشاكل البيئية، ويسعى إلى زرع الثقافة البيئية ونشر الوعي البيئي والتأثير في صنع القرار البيئي الدولي والإقليمي والوطني لمواجهة التلوث بالنفايات الخطرة وتحقيق التنمية المستدامة ومحاولة تفعيل واتخاذ أساليب وآليات تسهم في حماية البيئة».
ومع بداية النصف الثاني من القرن العشرين انشغل الرأي العام العالمي بالاهتمام بالقضايا البيئية وحمايتها والدفاع عنها، وتحديدًا منذ ستينيات القرن الماضي نتيجة تدهور الأوضاع البيئية على المستوى العالمي، وما صاحبه من انتشار التلوث وفقدان التنوع البيولوجي، وتوسع رقعة ظاهرة التصحر، وبروز مشكلة التغير المناخي كأحد أبرز التحديات الراهنة في وقتنا الحاضر، وبما أن البيئة جزء من حياة الإنسان، باعتبارها المحيط الذي يحتضن البشر وجميع الكائنات بأبعادها المادية والاجتماعية والمعنوية؛ لذا فإن الأمن البيئي لا يقل أهمية عن الأمن الغذائي وعن الأمن الوطني، ومن هنا تتحدد مهام الإعلام البيئي في تشجيع السلوك البيئي الإيجابي عند الأفراد والجماعات والمؤسسات.
إن مهمة الإعلام البيئي تتحدد بالدرجة الأولى في نشر التوعية والثقافة البيئية، بأسلوب واضح وتقنيات سلسة بسيطة ومفهومة وجذابة لمستقبل الرسالة الإعلامية، ومن مهامه كذلك، توجيه وتكثيف الاهتمام بقضايا البيئة، وحمايتها بصفة دورية ومستمرة وعلى مدار السنة، وليس بطريقة موسمية أو حسب الأحداث والظروف الراهنة، إنما بهدف ترشيد السلوك البيئي، عن طريق الوعي والثقافة والإدراك البيئي، وهذا لا يتحقق بطبيعة الحال إلا بتوفير المعلومات والبيانات والمعطيات والإحصاءات المتعلقة بالبيئة. وكذلك ضرورة تحديد أولويات محاور الرسالة الإعلامية البيئية المخطط لها، ومثاًلا على ذلك التركيز على مشكلة التغيرات المناخية وظاهرة التصحر وندرة المياه، والبيئة البحرية وصيانة الطبيعة بطرق مستدامة.
إن تطور اهتمام المؤسسات الإعلامية بالبيئة، ونمو الوعي البيئي على المستوى الوطني، ومعرفته أنه جزء لا يتجزأ منها، ويؤثر فيها ويتأثر بها يقع عليه عبء وإلزامية المحافظة عليها، وذلك نتيجة للتطور المتزايد للإعلام البيئي المركز على كثرة القضايا والأزمات البيئية والآثار التي يمكن أن تنتج عنها؛ لذا فقد أصبح الصوت الإعلامي في المجتمع البحريني ذا أهمية بالغة ومؤثرة، وأحد المقومات الأساسية في الحفاظ على البيئة في وقتنا الحالي، وذلك لنقل الأحداث والمعلومات المرتبطة بالبيئة، ونشر الثقافة بالقضايا البيئية لتوعية المجتمع وتعريفه بالأوضاع البيئية، وكيفية مواجهتها والحد منها، وترسيخ الأسس والأخلاقيات البيئية، كما يسعى إلى تحقيق الوعي وتنمية الحس البيئي لدى كل من يتلقى الرسائل الإعلامية البيئية، وطرح القضايا البيئية وتقديمها بصورة مبسطة وشاملة لأفراد المجتمع، وتزويدهم بالمعلومات ذات الصلة بالبيئة، وبالتالي الإسهام في الجهود التي تبذل للضغط من أجل وقف هذه المظاهر الضارة بالبيئة أو الحد منها، كما أن تشكيل الوعي البيئي بصورة إيجابية يهدف إلى المساهمة في دفع الأفراد إلى تغيير سلوكياتهم الضارة بالبيئة، والمشاركة بفعالية في رعايتها، وبالتالي خلق الدافعية للمشاركة في حل مشكلات البيئة من خلال إبراز عنصر الفائدة أو المصلحة من مشاركته.
والسؤال هنا إلى أي مدى يلعب الإعلام البيئي دورًا في زرع الثقافة بالقضايا البيئية في مملكة البحرين، إذ إن المعرفة البيئية للأفراد تعد حقًا من حقوق المواطنة الحديثة، والحق في الحصول على المعلومة البيئية المستدامة؛ لذا فقد ظهر دور الإعلام واضحًا في كيفية العمل على تسهيل وتبسيط فهم المجتمع للقضايا البيئية المعاصرة، فهو أداة تعمل على توضيح المفاهيم البيئية من خلال إحاطة الفئات المستهدفة بكل الحقائق والمهارات والمعلومات الصحيحة، مما يسهم في اكتساب وتكوين الرأي الصحيح حول المشكلات البيئية ومعرفة الحلول البديلة واللازمة، إن ما تقدمه وسائل الإعلام داعم مهم لتنفيذ الخطط البيئية الوطنية، وتعزيز لفكرة الاحتفال بالمناسبات البيئية التي أقرتها المنظمات الدولية، مثل اليوم العالمي للبيئة، ومناسبات وطنية وعلمية أو تنظيم مسابقات ومنح جوائز متعلقة بـ البحوث والمشاريع البيئية المختلفة، وبهذا تكون وسائل الإعلام ذات أثر فعال في حال مساهمتها في جعل الفرد مثقفًا بيئيًا، ولديه اهتمام كبير بالقضايا البيئية، لترسيخ الوعي الوطني والمسؤولية الأخلاقية تجاه المحافظة على البيئة وتوجيه السلوك السليم ، وبناء الأفكار البيئية، واكتساب المزيد من العادات البيئية السليمة.
كذلك تسعى الشراكة المجتمعية مع الجمعيات الأهلية والمهنية والثقافية في العمل على تبني ووضع وتطوير برامج تعليمية وتربوية لحماية البيئة، ونشر الثقافة البيئية والسلوك البيئي السليم والواعي. فإذا تربى الجيل منذ صغره على معرفة البيئة وأصولها وأهميتها، فإنه من دون شك ينمو ويترعرع على احترام البيئة وحبها، والعمل على المحافظة عليها وصيانتها، وهذا هو السلوك الحضاري الذي ترنو إليه جميع دول العالم بلا استثناء، ومنها مملكة البحرين، وتعمل على تحقيقه، والتنسيق مع مختلف المؤسسات المعنية بالبيئة، والعمل على تكامل الأنشطة والمهام من أجل توعية بيئية فعّالة. رغم التحديات والمسؤوليات الكبيرة، والتي تتطلب المتابعة والتنسيق، خاصة مع بروز مستجدات القرن الحادي والعشرين، ومنطق العصر الرقمي الذي نعيش فيه.
وختامًا يمكن القول إن الجهود التي تبذلها المؤسسات الإعلامية في المملكة أصبح لها دور محرك لنشر الثقافة البيئية وتوعية المجتمع بضرورة الحفاظ على البيئة، نظرًا لأهميتها وارتباطها بجميع الأمراض الناجمة عن التدهور الحاصل في البيئة، وهذا فقد أصبح الإعلام البيئي المحرك الأساسي لجميع المهتمين بالبيئة. والكثير من الأفراد في المجتمع بشكل عام يعتقد أن نشر القضايا البيئية من اختصاص وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية التي تشرف على قضايا البيئة دون غيرها، وهذا توجه خاطئ، لأن البيئة هي مسؤولية المجتمع بأكمله، ولبيان جهود المؤسسات الإعلامية في المملكة التي بدأت بالفعل في التركيز على القضايا البيئية، فإنه يلزم الاهتمام الفعلي بتفعيل القنوات المؤثرة في المجتمع سواء المجتمع المدني ومؤسساته لخدمة القضايا البيئية.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك