منذ أيام دار حوار بيني وبين بعض الأصدقاء حول ذكريات الطفولة، فبدأ كلّ منا يتذكر تفاصيل صغيرة تعود لماضي طفولته، ذكريات ارتبطت بالأشخاص كالوالدين والجدّين والإخوة، وبالأماكن والأكلات والروائح، فتذكرنا رائحة شهر رمضان ورائحة المأكولات الشعبية الشتوية، أحاديث وذكريات لا تنضب ذاكرتنا منها.
وقد أخذني هذا الحديث إلى محطات عدّة، أهمهما فكرة لطالما ناقشتها حول أثر العولمة على خصوصية الدول المختلفة، وأثر ذلك على احدى فوائد السفر السبع، إذ قبل العولمة والقرية الصغيرة، كان السفر يعني أن تزور مناطق مختلفة تماماً عن وطنك، وتذهب إلى أسواق تختلف عن أسواقك وبضاعة غير بضاعة بلدك، وتأكل طعاما محلّيا فلا خيار لك سواه ولا تنوّع غذائي، فلكل دولة رائحتها وأماكنها الخاصة وخصوصيتها، أما الآن فالأماكن تكاد تكون متشابهة، والمطاعم مكررة، وتراجعت خصوصية الدول في مواجهة العولمة.
وأما المحطة الأخرى فهي ذاكرة الأبناء التي تُسهم الأسرة إسهاماً كبيراً في صناعتها، فالتربية في المراحل الأولى وجميع اللقاءات حول مائدة الأكل في الوجبات اليومية الثلاث وجلسات الشاي والقهوة واجتماعات العائلة الكبيرة والرحلات العائلية جميعها وغيرها تصنع ذكريات الأطفال وتبقى منقوشة فيها حتى يُقال إن أقرب لحظات الانسان لذاكرته قبل رحيله عن هذه الحياة هي تلك الذكريات المرتبطة بطفولته وشبابه، كما أن تلك الذكريات هي التي تربط الانسان بالأماكن والاشخاص وتشدّه للعودة إليها.
لذا في ظل التطور التكنولوجي والإلكتروني الذي طالت موجته الاطفال، بحيث لا يكاد الطفل الرضيع يُحرّك أنامله الصغيرة حتى يبادر والداه إلى تسليمه هاتفا أو لوحا ذكيا لإلهائه والتخلص من مشاغبته، ثم يكون هذا الجهاز هو مُعلّمه ومُربّيه، ورفيقة الذي لا يفارقه طوال اليوم حتى إنه يُصاحبه وقت الأكل، فيكون المشهد كالاتي: (طفل، صحن الأكل واللوح الذكيّ)، فيأكل الطفل من دون أن ينظر في طبق الأكل وملعقة الأكل تدخل تارة في فمه وتخطئه تارة أخرى، وتانك العينان الصغيرتان مسمّرتان في الشاشة، فتسقط هنا فضيلة احترام الطعام وتقدير هذا الرزق وبركته، ومن ثم تنحصر ذكريات الطفل فيما يشاهده على شاشته من دون إحساس بما يحيط به، فيُحرم الطفل صناعة ذكريات مع العائلة والمكان والطعام وربما الزمان أيضاً.
وفي رأيي أن هذا السلوك الاجتماعي الشائع من دون ضوابط ورقابة يعتبر من قبيل الإساءة إلى الأطفال والإضرار بمصلحتهم الفضلى التي حرص على تعزيزها وكفالتها قانون الطفل البحريني وقانون العدالة الإصلاحية للأطفال، الذي وضع ضمن أهدافه رعاية الأطفال وحمايتهم من سوء المعاملة.
وكفل لمصالح الطفل الفضلى الأولوية في جميع الأحكام والقرارات والإجراءات المتعلقة بإنفاذ القانون، أياً كانت الجهة التي تصدرها أو تباشرها.
وأقترح أن تتبنى الوزارات المعنية بإنفاذ هذه القوانين وضع قرارات وآليات رقابية تكفل حماية أطفال هذا الجيل من الأضرار النفسية والجسدية والاجتماعية المرتبطة بعدم تقنين ووضع ضوابط تتعلق باستخدام الأطفال دون سن السابعة للأجهزة الإلكترونية والألواح الذكية لحمايتهم من التعرض للإصابة بأمراض البصر أو بمرض التوحد، وحمايتهم من الأمراض النفسية والاستغلال الجنسي وغيرها من المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل إذا ترك من دون رقابة وتقنين ورعاية من الأولياء عليه لمدد غير محددة، وقد تنامى إلى علمي منذ فترة من إحدى الغيورات على براءة الطفولة أن أحد الأطفال الذي لم يتجاوز السنوات الأربع كان لا ينام ويبقى ساهراً بصحبة (آيباده) لوحه الإلكتروني ويعلم الله كم طفل هناك مثله!
فاتقوا الله في أطفالكم ولا تحرموهم طفولتهم وحصيلتها من المخزون الإنساني.
layalialshoug@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك