برغم تعدد مسارات العمل الخليجي المشترك، إلا أن المسار الاقتصادي قد اكتسب قوة دفع كبيرة منذ قيام مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو1981، ليتم إنجاز الاتفاقية الاقتصادية في 11 نوفمبر من العام نفسه، مستهدفة تحقيق التكامل الاقتصادي، ولتبدأ التجارة الحرة بين دوله في1983، والتي أحدثت نقلة كبيرة في التجارة البينية. ولما كان نمو هذه التجارة يتطلب استثمارات داعمة لها، والبناء عليها لتحرير انتقال رؤوس الأموال، وانتقال العمالة، وتنسيق السياسات الجمركية إزاء العالم الخارجي؛ فقد تم الانتقال إلى مرحلة الاتحاد الجمركي في2003، والتوجه إلى السوق الخليجية المشتركة في2008، وإقرار التحول إلى الاتحاد الاقتصادي، والعملة الموحدة في2010.
وفي القمة الـ(40) للمجلس الأعلى لمجلس التعاون في 10 ديسمبر 2019، تم التشديد على ضرورة الانتهاء من تشريع للتكامل الاقتصادي الإقليمي بحلول 2025، بما في ذلك وحدة مالية ونقدية، فيما شددت القمة الـ(41)، على أهمية إنجاز المشاريع الاقتصادية، والدراسات الهادفة إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية بين أعضاء المجلس خلال السنوات المقبلة. وقد جاء ذلك بعد اطلاع قادة المجلس على تقرير متابعة تنفيذ برنامج عمل هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، وتوجيههم بسرعة تنفيذ ما تم الاتفاق بشأنه في خارطة الطريق، حيث أقر التقرير اتفاقية نظام ربط أنظمة المدفوعات، واعتبارها المظلة القانونية لمنظومة المدفوعات والتسوية بين الأعضاء، وأثنى على قيام شركة المدفوعات الخليجية، بعملها، وتنفيذ المرحلة الأولى من تشغيل نظام المدفوعات الخليجي، آفاق، بين مصرف البحرين المركزي، والبنك المركزي السعودي، وانضمام بقية البنوك المركزية الخليجية إلى النظام تباعًا، وفقًا للبرنامج الزمني، ومراحل العمل المتفق عليها، وشدد على ضرورة التركيز على المشاريع ذات البعد الاستراتيجي التكاملي، في المجالين الاقتصادي والتنموي، ورصد عدد بارز منها لضرورة إنهائها، كمتعلقات الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة، ومشروع السكة الحديدية الخليجية.
وفي القمة الخليجية الـ(42) في 14 ديسمبر2021، تم استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية، ووجه قادة المجلس في القمة الـ(43) في 9 ديسمبر2022، بأهمية الإسراع في تحقيق الوحدة الاقتصادية، واستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، ومشروع السكة الحديدية الخليجية، فيما وجهوا في قمة الدوحة الـ(44) في ديسمبر 2023، الأجهزة المختصة في الدول الأعضاء، والأمانة العامة، واللجان الوزارية والفنية، لمتابعة الجهود لاستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي، والانتهاء من تحقيق السوق الخليجية المشتركة، والإسراع في تحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وبحلول ديسمبر 2030، يكون أهم مشروعات البنية التحتية لهذه الوحدة الاقتصادية الخليجية، وهو مشروع السكة الحديدية الخليجية، الرابطة بين الدول الأعضاء، قد تم إنجازه، والذي سيؤدي إلى تحسين الانتقال، وتقليل أوقات النقل وتكاليفه بين المدن والموانئ الرئيسية الخليجية، وتحسين التدفقات التجارية، وجذب الاستثمار، ويعول عليه استراتيجيًا في تعزيز هذه الوحدة الاقتصادية، فيما تصل سرعة قطارات نقل الركاب إلى220 كم في الساعة، ونقل البضائع 120 كم في الساعة، وتبلغ تكلفته الإجمالية 15.4 مليار دولار، ويبلغ طوله 2117كم من الكويت شمالاً، إلى مسقط جنوبًا، مارًا بكل الدول الأعضاء.
وقبل قمة الدوحة، كان وزراء النقل والمواصلات قد اعتمدوا ميزانية الهيئة الخليجية للسكك الحديدية لعام 2024، وأقروا اللوائح الناظمة إداريًا وماليًا، وكانت لجنة التعاون المالي والاقتصادي، بدول المجلس في اجتماعها (120) بمسقط، قد اتخذت عدة قرارات تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي وصولاً إلى الوحدة الاقتصادية في 2025، حيث اعتمدت الجدول الزمني لاستكمال الاتحاد الجمركي قبل نهاية 2024، ووضع الخطة التنفيذية لذلك، والموافقة على الخطوات المتبقية لاستكمال مسارات السوق الخليجية المشتركة، وقبل ذلك عقدت لجنة السوق الخليجية المشتركة اجتماعها (37) بالرياض، حيث بحثت استراتيجية التحول الرقمي، والترويج الإعلامي لإبراز مكتسبات هذه السوق.
وبإنجاز الوحدة الاقتصادية الخليجية في 2025، يكتسب الاقتصاد العالمي قوة اقتصادية بإجمالي ناتج محلي يزيد على 2 تريليون دولار سنويًا، ويمكن مع الاستثمار في المشاريع الخضراء والمستدامة الذي شرعت فيه دول المجلس، تعزيز هذه القوة الاقتصادية عالميًا، وتعزيز قابليتها للاستثمار الأجنبي المباشر، للمشاركة في جني ثمار هذه المشروعات، حيث استقبلت المنظومة الخليجية استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 37.1 مليار دولار في 2022. ووفقًا للبنك الدولي، من المتوقع أن يصل ناتجها المحلي الإجمالي إلى 6 تريليونات دولار بحلول 2050، ويرتفع إلى 13 تريليون دولار في هذا التاريخ مع تبني استراتيجية التحول الأخضر.
وتشكل القوة الاقتصادية الخليجية ضمانًا لأمن الطاقة العالمي، باستحواذها على 32.7% من احتياطي النفط العالمي المؤكد البالغة 1.55 تريليون برميل، لدى دول الخليج منها 510 مليارات برميل، وتحتل هذه القوة الاقتصادية المرتبة الأولى عالميًا، في إنتاج النفط الخام (18 مليون برميل يوميًا بنسبة 19% من إجمالي الطلب العالمي)، وكذلك الأولى عالميًا في احتياطي النفط، والغاز الطبيعي (43.3 تريليون متر مكعب)، حيث تعد قطر، أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال عالميًا (بأكثر من 110 ملايين طن سنويًا، وتستهدف وصولها إلى 127 مليون طن بحلول 2027)، كما تنتج ما يزيد على 205 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا، تشكل 5.34% من الإنتاج العالمي، فيما تعد السعودية، صاحبة ثاني أكبر احتياطي نفط مؤكد عالميًا.
علاوة على ذلك، فإن لدى هذه القوة الاقتصادية عددا من صناديق الثروة السيادية الأكبر عالميًا، في مقدمتها جهاز أبوظبي للاستثمار، الذي بلغت أصوله 993 مليار دولار، ويعد رابع أكبر صندوق سيادي عالمي يسبقه الصندوق التقاعدي الحكومي النرويجي 1.42 تريليون دولار، يليه مؤسسة الاستثمار الصينية، 1.35 تريليون دولار، ثم إدارة الدولة للنقد الأجنبي الصينية 1.03 تريليون دولار. وخليجيًا، جاء صندوق هيئة الاستثمار الكويتية، في المرتبة الثانية بأصول تقدر بـ800 مليار دولار، ثم صندوق الاستثمارات العامة السعودي، بأصول 700 مليار دولار، يليه جهاز قطر للاستثمار، ثم مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، وبعدها صندوق مبادلة للاستثمار الإماراتي، فيما يمثل الإجمالي الخليجي نحو 33% من الإجمالي العالمي.
ومع توجه دول مجلس التعاون الخليجي نحو وحدتها الاقتصادية، أخذت أقطاب العالم الاقتصادية تتسابق إلى الشراكة معها بشكل أو بآخر، ما يزيد من المكاسب التي تحققها الوحدة الاقتصادية الخليجية. ومنذ عام2020، حلت الصين، مكان الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري للمنظومة الخليجية بحجم تجارة بلغ أكثر من 161.4 مليار دولار سنويًا، وأخذت تدلف إلى الفرص الاستثمارية الخليجية الواسعة، مثل استاد لوسيل في قطر، وسكك القطارات السريعة في السعودية، كما كانت الإمارات، مركزًا لإنتاج اللقاح الصيني لفيروس كورونا. وفي يناير 2022، في بيان مشترك، أكد مجلس التعاون الخليجي والصين، ضرورة إقامة شراكة استراتيجية، والتوسع في خطط العمل المشتركة للحوار الاستراتيجي بين عامي 2022–2025، وضرورة إتمام المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة الصينية الخليجية في أسرع وقت ممكن.
وبشكل مستمر، تركز الهند، على تعزيز علاقاتها مع المنظومة الخليجية، بما يتجاوز التعاون التقليدي في مجال الطاقة، وإقامة اتفاقية للتجارة الحرة، مع إعلان السعودية في 2019، نيتها استثمار 100 مليار دولار في الهند. وفي هذا العام، تأسس مجلس الشراكة الاستراتيجية بين الهند والسعودية، فيما تقوم الرياض، بالتعاون مع نيودلهي، بتنفيذ مشروع مصفاة الساحل الغربي في الهند، بطاقة إنتاجية تبلغ 60 مليون طن سنويًا، لتكون أكبر مصفاة متكاملة، ومنتج للبتروكيماويات في العالم.
وقبل أن ينقضي عام 2023، كان التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين مجلس التعاون الخليجي، وكوريا الجنوبية. وفي مساعي زيادة التقارب والتعاون مع المنظومة الخليجية -إدراكًا للمكاسب التي تولدها وحدتها الاقتصادية في2025- يمضي الاتحاد الأوروبي، وكذلك بريطانيا، في مباحثات لتعزيز التعاون الاقتصادي وتحرير التجارة.
على العموم، تعود المكاسب العديدة التي توفرها الوحدة الاقتصادية الخليجية عام 2025 على المواطن الخليجي بالأساس، حيث يتحرر تمامًا انتقال العمالة، ورؤوس الأموال، ومدخلات الإنتاج والسلع، والخدمات؛ ما يعزز اتجاهات توطين العمالة، وتقارب المستويات المعيشية، وتعزيز الأمن الغذائي والمائي، وأمن الطاقة، وتعزيز المواطنة الخليجية، ما يقرب مجلس التعاون، من هدفه الأسمى، وهو الوحدة الخليجية.
وإذا كانت رحلة الوصول إلى الوحدة الاقتصادية، التي كان مقدرًا لها 2010، قد امتدت إلى 2025، فإن توافر الإرادة السياسية لقادة دول الخليج، وتعزيز الثقة، والعمل وفق خارطة طريق واضحة ببرامج زمنية محددة، لدى الأجهزة في كل دولة من الدول الأعضاء، وأجهزة الأمانة العامة، واللجان الوزارية والفنية والهيئات المشتركة؛ ينبئ بأن التنفيذ على مستوى التفاصيل، سيكون بقدر الآمال المعلقة على هذا الهدف المهم في 2025.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك