يُعد موقع البحرين كجزيرة وسط الخليج العربي حافزا وداعما لنشاطات تنموية عديدة، فالبحر نعمة وهبها الله لنا، وفي ذلك يقول جل من قال في سورة الأعراف: «واسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ». وقوله في سورة البقرة: «وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ». وقوله جل من قال في سورة إبراهيم: «وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ». وقوله تعالى في سورة الإسراء: «رَّبكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ». إذ تتجلى رؤية الباري عز وجل لمكانة البحر في حياتنا وضرورة استثماره بما ينفعنا وفقا لما هو متاح لنا من إمكانات واستجابة لما تفرضه علينا متطلبات الحياة من تحديات. لذا فإن من مجالات تنمية الاقتصاد البحري المهمة تنمية قطاع الصيد البحري، الذي يعد في أغلب البلدان الساحلية قطاعا مؤثرا من قطاعاتها الاقتصادية، من خلال إسهامه بنسبة كبيرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، كما هو الحال في تونس، حيث يعتبر إنتاج وتصنيع وتسويق الأسماك من الأنشطة الحيوية ضمـن قطاعاتها الاقتصادية، إذ يشـغل حولـي (60) ألـف بحـار بشكل مباشـر وأكثـر مـن (100) ألـف مواطن بشكل غير مباشر. فضلا عن إسهامه الكبير في سلة واسعة من الصناعات الغذائية. كما سعت المملكة العربية السعودية منذ سبعينيات القرن الماضي الى النهوض بقطاع الصيد البحري وتنمية الثروة السمكية والتوسع في مجال الاستزراع السمكي، وانشأت مركزا متخصصا في أبحاث الاستزراع السمكي في جدة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة الدولية، يهدف إلى توظيف التقنية والتدريب الخاص بالاستزراع ودراسة أنواع الأسماك المحلية وتقديم الخدمات للقطاع، واحتل قطاع استزراع الروبيان موقعا مهما فيها لتصبح أكبر منتج للروبيان المستزرع في العالم.
أما مملكة البحرين فمن الممكن لقطاع الصيد البحري أن يكون قطاعا مهما وواعدا للأمن الغذائي الوطني، لاسيما أنها تمتلك إرثا حافزا في هذا القطاع، فقد كان الصيد البحري أحد القطاعات الاقتصادية القيادية في مرحلة ما قبل ارتفاع أسعار النفط قبيل منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، وقد آن الأوان لتفعيله من جديد وحل تعقيداته ومواجهة مشكلاته وبناء قاعدة متينة لانطلاقته، ويتجلى ذلك بتوجيهات صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل الخليفة المعظم إلى سمو الشيخ عبدالله بن حمد آل خليفة الممثل الشخصي لجلالة الملك المعظم رئيس المجلس الأعلى للبيئة في الثامن والعشرين من شهر يناير 2024، حيث أكد جلالة الملك ضرورة «عمل ضوابط لتنمية الثروة السمكية وحمايتها والاستمرار في عملية الاستزراع السمكي بما يفي متطلبات واحتياجات السوق المحلي، بالإضافة إلى وضع الإجراءات التي من شأنها المحافظة على الثروة السمكية باعتبارها من الموارد المهمة للمواطنين».
كما أكد جلالته «أن المملكة تولي اهتمامًا كبيرًا بتنمية الثروة البحرية وضمان استدامتها وحماية مواردها باعتبارها ثروة وطنية وإحدى ركائز تعزيز الأمن الغذائي في البلاد».
إن هذه التوجيهات السامية السديدة تمثل دفعا جديدا لتنمية وتطوير الاستثمار في القطاع البحري، وخاصة أن مملكة البحرين من اسبق دول مجلس التعاون الخليجي التي أدركت أهمية الاقتصاد البحري وقدرته على الإسهام الفاعل في تنويع مصادر دخلها وتشغيل مواطنيها.
وهي أيضا من أسبق دول المجلس في توطين الصناعة البحرية، حيث أنشأت عدة ورش ومعامل لتصنيع وصيانة سفن الصيد منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي. وبمرور الزمن توافرت فيها اغلب متطلبات البنية التحتية للصناعة والصيد البحري كالمراسي والموانئ الحديثة المزودة بخدمات متكاملة وغيرها.
ويأتي الاقتراح بقانون بتعديل بعض أحكام المرسوم رقم (20) لسنة 2002م بشأن تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية، ليصب باتجاه جهود المملكة المتواصلة في تعزيز المحافظة على الثروة السمكية وتنميتها وصولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، وذلك يمكن أن يتحقق عبر دعم وتشجيع إنشاء مزارع الأسماك والأحياء البحرية والإشراف عليها، وتقديم الخبرة والإرشادات الفنية والمنح والتمويل المناسب للصيادين.
فضلا عن جهود وزارة البلديات والزراعة في دعم وتطوير الاستزراع السمكي في المملكة، وتوفير الاصبعيات السمكية لمزارع الأسماك من خلال مركز الاستزراع السمكي بمنطقة رأس حيان، ونشاطاتها الاخرى المتعددة.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك