مثلث عملية إسقاط طائرة النقل الروسية في سماء مدينة بيلغرود الروسية والتي كانت تنقل العشرات من الأسرى الأوكرانيين الذين سبق لهم أن استسلموا للقوات الروسية على الجبهة حدثا لا يمكن وصفه في الحقيقة إلا بكونه جريمة حرب من الدرجة الأولى من قِبل القوات الأوكرانية التي اعترفت في البداية بإسقاط الطائرة وتفاخرت بإسقاطها من قبل قوات الدفاع الأوكرانية، ثم بعد أن تبينت الحقيقة بإسقاط الطائرة بصاروخ أوكراني تراجعت عن ذلك خوفا من اتهامها بعمل إرهابي وجريمة حرب.
لقد أقدمت أوكرانيا أكثر من مرة في السابق على عديد من الأعمال المماثلة سواء ضد المدنيين الروس أو ضد العسكريين الأوكرانيين الأسرى لدى القوات الروسية، بل إنها لم تتورع عن ضرب المدنيين الأوكرانيين مثلما حدث في عام 2022 في قرى أوكرانية لمجرد الرغبة في اتهام روسيا الاتحادية بضربها، وتبين الحقائق والتحقيقات لاحقا أن أوكرانيا هي التي أقدمت على ذلك، ومن هنا لا أحد يستغرب اليوم أن تكون القوات الأوكرانية هي التي أسقطت هذه الطائرة العسكرية المنكوبة التي كانت تنقل الأسرى الأوكرانيين بعد أن تم الاتفاق بين الجانب الروسي والأوكراني على تبادل الأسرى على الحدود بين البلدين، حيث كانت الجهة الأوكرانية على علم بالمعلومات الخاصة بهذه الطائرة ومكان وتاريخ التبادل.
ومن الواضح بحسب عديد من التقارير الروسية والتقارير المستقلة أن الجانب الأوكراني كان يعاقب هؤلاء الأسرى الذين اضطروا إلى الاستسلام على جبهات القتال كرسالة للداخل الأوكراني وللقوات المسلحة الأوكرانية بأن من يستسلم مصيره القتل في جميع الأحوال وأنه لا يخضع إلى مسمى أسير وإنما يعد خائنا يجب قتله.
هذه الحادثة التي أظهرت أن الجيش الأوكراني يعيش مرحلة جديدة من اليأس الواضح بعد انهيار حملاته والفشل الذريع لما يسمى بالهجوم المضاد الممول كلية من دول الناتو، وهذا الفشل وهذه الهزيمة الواضحة رغم عدم إعلان الاستسلام فإنها بطعم اليأس والاستسلام.
إن هذا التطور الجديد المتجدد إذا ما قورن بأداء القوات العسكرية الأوكرانية على الجبهات المختلفة يُعد إشارة من إشارات اليأس تماما مثل المحاولات اليائسة لإطلاق صواريخ «هيمارس» الأمريكية على المجمعات السكنية المدنية في القرى والمدن الروسية المحاذية للحدود الأوكرانية، حيث اتبعت أوكرانيا سياسة واضحة في جعل الحياة في هذه المناطق صعبة أو مستحيلة تماما مثل الضرب المستمر للمدن والبلدات والقرى في إقليم الدونباس الذي التحقت بروسيا، حيث تعد هذه الضربات على المدارس والمستشفيات ومحطات القطارات والمجمعات السكنية والتجارية ورياض الأطفال وغيرها من المنشآت المدنية رسالة لسكان الدونباس الذين صوتوا لصالح الانضمام إلى روسيا الاتحادية كعقاب على ذلك وهو المنهج المنفذ ليس من فبراير 2021 فحسب وإنما منذ عام 2014 و2015 وحتى انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
ولذلك فإن الأحداث الجارية منذ عام 2014 وحتى اليوم تعد مسلسلا متكاملا متصل الحلقات ولا يمكن النظر إلى هذه المواجهة بدءا من العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا فقط وإنما بدءا من التحول السياسي الأوكراني المعادي جملة وتفصيلا لروسيا وللثقافة الروسية إلى درجة اعتبار مجرد التحدث باللغة الروسية في إقليم الدونباس جريمة يعاقب عليها القانون وقد تصادف ذلك مع نمو واضح ولافت للعيان وجود الجماعات والمليشيات القومية المتطرفة التي توصف بكونها نازية مثل مليشيا آزوف وبنديرا وغيرها من الجماعات التي كانت تستهدف المواطنين الأوكرانيين من أصل روسي بالضرب والقتل والتنكيل دون هوادة، وبالرغم من توقيع اتفاقية مينسك 1 ومينسك 2 برعاية ألمانية فرنسية والتي قالت عنها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عنها إنها فرصة مقصودة ومخطط لها لتمكين الجيش الأوكراني من التسلح بشكل كاف لاجتياح الدونباس ومواجهة روسيا.
وبناء عليه فإننا نضع في هذا السياق ما حدث من إسقاط للطائرة الروسية المنكوبة التي قتل فيها حوالي 70 أسيرا أوكرانيا مع طاقم الطائرة الروسية، ولذلك فإن استمرار مثل هذه المواجهة العقيمة من دون حل سلمي يضع حدا لهذه الحرب العبثية سوف يكبد البلدان وخصوصا أوكرانيا المزيد والمزيد من المآسي الذي يذهب ضحيتها أعداد متزايدة من أبناء الشعبين الشقيقين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك