العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

السياق المأساوي لإسقاط طائرة الأسرى الأوكرانيين

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٠٢ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

مثلث‭ ‬عملية‭ ‬إسقاط‭ ‬طائرة‭ ‬النقل‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬مدينة‭ ‬بيلغرود‭ ‬الروسية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تنقل‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬الذين‭ ‬سبق‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬استسلموا‭ ‬للقوات‭ ‬الروسية‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬حدثا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬إلا‭ ‬بكونه‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬الدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬اعترفت‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بإسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬وتفاخرت‭ ‬بإسقاطها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوات‭ ‬الدفاع‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬ثم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تبينت‭ ‬الحقيقة‭ ‬بإسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬بصاروخ‭ ‬أوكراني‭ ‬تراجعت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬اتهامها‭ ‬بعمل‭ ‬إرهابي‭ ‬وجريمة‭ ‬حرب‭.‬

لقد‭ ‬أقدمت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬المماثلة‭ ‬سواء‭ ‬ضد‭ ‬المدنيين‭ ‬الروس‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬العسكريين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬الأسرى‭ ‬لدى‭ ‬القوات‭ ‬الروسية،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬لم‭ ‬تتورع‭ ‬عن‭ ‬ضرب‭ ‬المدنيين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬في‭ ‬قرى‭ ‬أوكرانية‭ ‬لمجرد‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬اتهام‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بضربها،‭ ‬وتبين‭ ‬الحقائق‭ ‬والتحقيقات‭ ‬لاحقا‭ ‬أن‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أقدمت‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستغرب‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬أسقطت‭ ‬هذه‭ ‬الطائرة‭ ‬العسكرية‭ ‬المنكوبة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تنقل‭ ‬الأسرى‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬بين‭ ‬الجانب‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬على‭ ‬تبادل‭ ‬الأسرى‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬الجهة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بالمعلومات‭ ‬الخاصة‭ ‬بهذه‭ ‬الطائرة‭ ‬ومكان‭ ‬وتاريخ‭ ‬التبادل‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬بحسب‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬التقارير‭ ‬الروسية‭ ‬والتقارير‭ ‬المستقلة‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الأوكراني‭ ‬كان‭ ‬يعاقب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأسرى‭ ‬الذين‭ ‬اضطروا‭ ‬إلى‭ ‬الاستسلام‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬القتال‭ ‬كرسالة‭ ‬للداخل‭ ‬الأوكراني‭ ‬وللقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بأن‭ ‬من‭ ‬يستسلم‭ ‬مصيره‭ ‬القتل‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأحوال‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬إلى‭ ‬مسمى‭ ‬أسير‭ ‬وإنما‭ ‬يعد‭ ‬خائنا‭ ‬يجب‭ ‬قتله‭.‬

هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬التي‭ ‬أظهرت‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬يعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬الواضح‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬حملاته‭ ‬والفشل‭ ‬الذريع‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬بالهجوم‭ ‬المضاد‭ ‬الممول‭ ‬كلية‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الناتو،‭ ‬وهذا‭ ‬الفشل‭ ‬وهذه‭ ‬الهزيمة‭ ‬الواضحة‭ ‬رغم‭ ‬عدم‭ ‬إعلان‭ ‬الاستسلام‭ ‬فإنها‭ ‬بطعم‭ ‬اليأس‭ ‬والاستسلام‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬التطور‭ ‬الجديد‭ ‬المتجدد‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قورن‭ ‬بأداء‭ ‬القوات‭ ‬العسكرية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬على‭ ‬الجبهات‭ ‬المختلفة‭ ‬يُعد‭ ‬إشارة‭ ‬من‭ ‬إشارات‭ ‬اليأس‭ ‬تماما‭ ‬مثل‭ ‬المحاولات‭ ‬اليائسة‭ ‬لإطلاق‭ ‬صواريخ‭ ‬‮«‬هيمارس‮»‬‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المجمعات‭ ‬السكنية‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬القرى‭ ‬والمدن‭ ‬الروسية‭ ‬المحاذية‭ ‬للحدود‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬حيث‭ ‬اتبعت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬سياسة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناطق‭ ‬صعبة‭ ‬أو‭ ‬مستحيلة‭ ‬تماما‭ ‬مثل‭ ‬الضرب‭ ‬المستمر‭ ‬للمدن‭ ‬والبلدات‭ ‬والقرى‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬الذي‭ ‬التحقت‭ ‬بروسيا،‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬هذه‭ ‬الضربات‭ ‬على‭ ‬المدارس‭ ‬والمستشفيات‭ ‬ومحطات‭ ‬القطارات‭ ‬والمجمعات‭ ‬السكنية‭ ‬والتجارية‭ ‬ورياض‭ ‬الأطفال‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المنشآت‭ ‬المدنية‭ ‬رسالة‭ ‬لسكان‭ ‬الدونباس‭ ‬الذين‭ ‬صوتوا‭ ‬لصالح‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬كعقاب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬المنهج‭ ‬المنفذ‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2021‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬و2015‭ ‬وحتى‭ ‬انطلاق‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭.‬

ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الأحداث‭ ‬الجارية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬وحتى‭ ‬اليوم‭ ‬تعد‭ ‬مسلسلا‭ ‬متكاملا‭ ‬متصل‭ ‬الحلقات‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬التحول‭ ‬السياسي‭ ‬الأوكراني‭ ‬المعادي‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا‭ ‬لروسيا‭ ‬وللثقافة‭ ‬الروسية‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬اعتبار‭ ‬مجرد‭ ‬التحدث‭ ‬باللغة‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬جريمة‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬وقد‭ ‬تصادف‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬نمو‭ ‬واضح‭ ‬ولافت‭ ‬للعيان‭ ‬وجود‭ ‬الجماعات‭ ‬والمليشيات‭ ‬القومية‭ ‬المتطرفة‭ ‬التي‭ ‬توصف‭ ‬بكونها‭ ‬نازية‭ ‬مثل‭ ‬مليشيا‭ ‬آزوف‭ ‬وبنديرا‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تستهدف‭ ‬المواطنين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬روسي‭ ‬بالضرب‭ ‬والقتل‭ ‬والتنكيل‭ ‬دون‭ ‬هوادة،‭ ‬وبالرغم‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬مينسك‭ ‬1‭ ‬ومينسك‭ ‬2‭ ‬برعاية‭ ‬ألمانية‭ ‬فرنسية‭ ‬والتي‭ ‬قالت‭ ‬عنها‭ ‬المستشارة‭ ‬الألمانية‭ ‬السابقة‭ ‬أنجيلا‭ ‬ميركل‭ ‬عنها‭ ‬إنها‭ ‬فرصة‭ ‬مقصودة‭ ‬ومخطط‭ ‬لها‭ ‬لتمكين‭ ‬الجيش‭ ‬الأوكراني‭ ‬من‭ ‬التسلح‭ ‬بشكل‭ ‬كاف‭ ‬لاجتياح‭ ‬الدونباس‭ ‬ومواجهة‭ ‬روسيا‭.‬

وبناء‭ ‬عليه‭ ‬فإننا‭ ‬نضع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬إسقاط‭ ‬للطائرة‭ ‬الروسية‭ ‬المنكوبة‭ ‬التي‭ ‬قتل‭ ‬فيها‭ ‬حوالي‭ ‬70‭ ‬أسيرا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬مع‭ ‬طاقم‭ ‬الطائرة‭ ‬الروسية،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬استمرار‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواجهة‭ ‬العقيمة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حل‭ ‬سلمي‭ ‬يضع‭ ‬حدا‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬العبثية‭ ‬سوف‭ ‬يكبد‭ ‬البلدان‭ ‬وخصوصا‭ ‬أوكرانيا‭ ‬المزيد‭ ‬والمزيد‭ ‬من‭ ‬المآسي‭ ‬الذي‭ ‬يذهب‭ ‬ضحيتها‭ ‬أعداد‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الشعبين‭ ‬الشقيقين‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا