مع حرب غزة اشتدت الهجمات التي يُقال إنها تستهدف القواعد العسكرية في العراق، وذلك تنفيذا لأجندة المقاومة الإسلامية الهادفة إلى إنهاء الاحتلال الأمريكي.
وعن طريق تلك المحاولة تزعم المقاومة انها تسعى إلى معاقبة الولايات المتحدة بسبب موقفها الداعم للوحشية الإسرائيلية في غزة. ومن الواجب أن أؤكد أن تعبيري «إنهاء الاحتلال الأمريكي» و«معاقبة الولايات المتحدة» هما ليسا من اختراعي، بل هما التعبيران الرسميان اللذان تستعملهما المليشيات بعد كل عملية قصف تنفذها ولا تنتج عنها أضرار بشرية في صفوف القوات الأمريكية.
قد لا يكون صادما إذا ما عرفنا أن هناك خسائر بشرية عراقية في بعض عمليات القصف التي لا تذهب بالخطأ في اتجاه معسكرات عراقية. وبما أن الحكومة العراقية هي التي تزود المليشيات بالسلاح فقد أصبح للمأساة وجهها الضاحك.
لقد رفع البعض في مواقع التواصل الاجتماعي شعارا يقول «الحكومة تقصف الحكومة». تلك المهزلة لن يتمكن أحد من إيقافها. حتى زعماء الأحزاب الشيعية الكبيرة الموالية لإيران لا يملكون سلطة اتخاذ القرار. أما رئيس الحكومة التي يقصف بعضها البعض الآخر فعمله الوحيد ينصب على إصدار البيانات من غير أن يجرؤ على استدعاء واحد من «جنرالات» الحشد الشعبي.
السفيرة الأمريكية وحدها قادرة على وضع حد للمسرحية السمجة التي تضيف إلى العدوان الإسرائيلي حيلة جديدة هي في جوهرها محاولة لتضليل أهل غزة وخداعهم. هناك مَن يقامر بهم ويدخل قضيتهم الإنسانية في سباق، تسعى من خلاله إيران إلى تسجيل نقاط في معركتها الوهمية مع الولايات المتحدة.
لا تجرؤ المؤسسة العسكرية العراقية على إعلان قتلاها جراء القصف الذي تقوم به مؤسسة عسكرية مستقلة بقراراتها يُفترض أنها تابعة لها، هي مؤسسة الحشد الشعبي التي ينص قانونها على أنها تتلقى أوامرها من القائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الحكومة. وتلك واحدة من أكثر أكاذيب العراق الجديدة مدعاة للسخرية. فرئيس الحكومة الذي هو محمد شياع السوداني لم تستدعه السفيرة الأمريكية للتشاور في الموضوع، بل اكتفت باستدعاء نوري المالكي وحيدر العبادي وكلاهما من غير منصب رسمي. ترى ما الحكمة من وراء ذلك؟
تعرف السفيرة الأمريكية في بغداد أن الرجلين هما مجرد مشجعين لما يُسمى بالمقاومة الإسلامية وهما أيضا لا يملكان سلطة القرار الحقيقي فيما يتعلق بالمليشيات. غير أنها من موقعها تتحاشى اللقاء بزعماء المليشيات الذين تضعهم الولايات المتحدة في مكانهم الحقيقي إرهابيين وجنودا إيرانيين مباشرين كما هو الحال مع حسن نصر الله في لبنان والحوثي في اليمن. ربما توهمت السفيرة الأمريكية بأن في إمكان الرجلين أن ينقلا رسائلها إلى زعماء المليشيات، ولكن ما الفائدة من ذلك والمليشيات تُدار من قبل الحرس الثوري الإيراني. ولكن ما الطريق إلى ذلك؟
ولكن في مساحة الحوار الملغوم بين إيران والولايات المتحدة لا وجود لغزة. لا ينفع أن نبحث عنها بين التفاصيل. فلا إيران حين تستعرض عضلاتها في العراق ولا تقتل سوى عراقيين ستكون قادرة على منع حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة ولا الولايات المتحدة تفكر في غزة حين تقتل زعماء مليشيات، تقول إنها متأكدة من تورطهم في قصف قواعدها العسكرية.
غزة تقع خارج المعادلة وقد لا يكون مفاجئا إذا ما قلت إن العراق يقع هو الآخر خارج المعادلة. ذلك لأن الولايات المتحدة قد أنهت احتلالها للعراق عام 2011 حين سحبت آخر قطعاتها العسكرية أما أن يكون العراق محتلا فذلك صحيح إذا ما أخذنا الهيمنة الإيرانية بالاعتبار. والحشد الشعبي الذي يقاوم الاحتلال الأمريكي هو الممثل الرسمي الوحيد للاحتلال الإيراني. ما من ملـمح وطني في تلك المقاومة في العراق. فهي لا تدعو إلى تحرير العراق من الاحتلال الأمريكي المزعوم إلا من أجل فتح الأبواب كلها للاحتلال الإيراني.
منذ الأيام الأولى للجمهورية الإيرانية كانت فلسطين حاضرة في فكر مؤسسها. حاول ياسر عرفات أن يفهم أيّ فلسطين هي تلك التي يفكر فيها ذلك الرجل الغامض، ولكنه فشل في الوصول إلى جواب على سؤاله. ولا يزال الفشل هو مصير كل محاولة من ذلك النوع. فهل يفكر الإيرانيون بفلسطين شبيهة بالعراق أو اليمن أو لبنان. فلسطين التابعة والخالية من الإرادة والشعور الوطني؟ ذلك ما يحارب من أجله مقاومو إيران في العراق. ليست غزة سوى عنوان جديد لخديعة إيرانية لطالما رعتها الولايات المتحدة بدعاياتها المضللة.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك