العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هزيمة الكيان الصهيوني في «لاهاي»

بقلم: د. نبيل العسومي

الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭ ‬لم‭ ‬ينص‭ ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬إلزام‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بوقف‭ ‬فوري‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تتوقع‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬التي‭ ‬تقدمت‭ ‬بقضية‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وكما‭ ‬كان‭ ‬يتوقع‭ ‬المتابعون‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬الذين‭ ‬آلمتهم‭ ‬الإبادة‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬خلال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬أشهر‭ ‬متواصلة‭ ‬ليلا‭ ‬نهارا،‭ ‬فإن‭ ‬القرار‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬وفي‭ ‬بنوده‭ ‬المختلفة‭ ‬يعد‭ ‬صفعة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وفي‭ ‬وجه‭ ‬أعمال‭ ‬العدوان‭ ‬المتواصلة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والذي‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬الأخضر‭ ‬واليابس‭ ‬بلا‭ ‬شفقة‭ ‬أو‭ ‬رحمة‭ ‬وبلا‭ ‬أدنى‭ ‬مراعاة‭ ‬للإنسان‭ ‬طفلا‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬امرأة‭ ‬أم‭ ‬شيخا‭.‬

إن‭ ‬أهمية‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬لاهاي‭ ‬خلال‭ ‬جلسة‭ ‬قصيرة‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬سابقة‭ ‬دولية‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬كبيرة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬اجمالا‭ ‬ولشعب‭ ‬غزة‭ ‬الصمود‭ ‬خاصة‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬4‭ ‬جوانب‭:‬

الأول‭: ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬رفعتها‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬بتهمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الفصل‭ ‬فيها‭ ‬وفي‭ ‬تفاصيلها‭ ‬وحيثياتها‭ ‬المختلفة‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬شبهة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ثابتة‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأنها‭ ‬باختصار‭ ‬موثقة‭ ‬وشاهدة‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬مباشرة‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬وقضية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬اذن‭ ‬ذات‭ ‬مصداقية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬تنظر‭ ‬لاحقا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬بتفاصيلها‭. ‬وقد‭ ‬يستمر‭ ‬ذلك‭ ‬أشهرا‭ ‬أو‭ ‬سنوات،‭ ‬ولكن‭ ‬حجز‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬للتداول‭ ‬فيها‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬اتهام‭ ‬مباشر‭ ‬وواضح‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

ثانيا‭: ‬إن‭ ‬المحكمة‭ ‬قد‭ ‬أمرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬باتخاذ‭ ‬كل‭ ‬التدابير‭ ‬لمنع‭ ‬أعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القصف‭ ‬والقتل‭ ‬وتدمير‭ ‬المباني‭ ‬والمستشفيات‭ ‬والمدارس‭ ‬والمرافق‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وكان‭ ‬واضحا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬ذكرته‭ ‬المتحدثة‭ ‬الرسمية‭ ‬باسم‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬قرارها‭ ‬أن‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬باشرت‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬القطاع‭ ‬بشرا‭ ‬وحجرا‭ ‬وشجرا‭ ‬مستندة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬رفعته‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬تصريحات‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بمختلف‭ ‬مستوياتهم‭ ‬العليا،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وحوشا‭ ‬وحيوانات‭ ‬ويجوز‭ ‬قتلهم‭ ‬وسحقهم‭ ‬وتهجيرهم‭ ‬ومنع‭ ‬الماء‭ ‬والكهرباء‭ ‬والأغذية‭ ‬والدواء‭ ‬عنهم‭. ‬كما‭ ‬استدلت‭ ‬المحكمة‭ ‬بتصريحات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬بمنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬أنطونيو‭ ‬جوتيريش‭ ‬ذاته‭ ‬والمبعوث‭ ‬الخاص‭ ‬ومسؤولي‭ ‬منظمة‭ ‬إغاثة‭ ‬وتشغيل‭ ‬الفلسطينيين‭ (‬الأونروا‭) ‬ومنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬وجميعهم‭ ‬أكدوا‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬إسرائيل‭ ‬هو‭ ‬قتل‭ ‬ممنهج‭ ‬وإبادة‭ ‬للحياة‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬غزة‭ ‬مكانا‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للعيش‭ ‬فيه‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

ثالثا‭: ‬إن‭ ‬المحكمة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الأمر‭ ‬بوقف‭ ‬اطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬كما‭ ‬طلبت‭ ‬جمهورية‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬دعواها‭ ‬لكنها‭ ‬طالبت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بوقف‭ ‬أعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬هجومها‭ ‬العسكري‭ ‬الكاسح‭ ‬وأصدرت‭ ‬6‭ ‬إجراءات‭ ‬مؤقتة‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬اتخاذها‭ ‬وجميعها‭ ‬تتعلق‭ ‬بمنع‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬وإلزام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بتوفير‭ ‬الغذاء‭ ‬وعدم‭ ‬المساس‭ ‬بالمدنيين‭ ‬اطلاقا‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬محاسبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬الذين‭ ‬يحرضون‭ ‬صراحة‭ ‬على‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬الأمر‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬لأن‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬واجب‭ ‬التنفيذ،‭ ‬حيث‭ ‬دعا‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬جميع‭ ‬الخطوات‭ ‬لمنع‭ ‬وقوع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬تدمير‭ ‬الأدلة‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬أو‭ ‬تحريض‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

رابعا‭: ‬اللافت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬توقعها‭ ‬العالم‭ ‬أنه‭ ‬صدر‭ ‬بشبه‭ ‬إجماع‭ ‬بأغلبية‭ ‬ساحقة‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬17‭ ‬قاضيا‭ ‬صوت،‭ ‬فإن‭ ‬جميع‭ ‬القرارات‭ ‬صدرت‭ ‬بأغلبية‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬17‭ ‬و15‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬17‭ ‬قاضيا‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لافت‭ ‬بأن‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬قد‭ ‬ضاق‭ ‬ذرعا‭ ‬بما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬أفعال‭ ‬إجرامية‭ ‬وعدوانية‭ ‬في‭ ‬تدمير‭ ‬مختلف‭ ‬أوجه‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬وهم‭ ‬المعنيون‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كانوا‭ ‬غائبين‭ ‬تقريبا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬هزم‭ ‬فيها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬هزيمة‭ ‬كبرى‭ ‬وتعرى‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬وتبين‭ ‬كذبه‭ ‬وادعاءاته‭ ‬وطبيعته‭ ‬العدوانية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يحاول‭ ‬التستر‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شعار‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا