بالرغم من أن قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي لم ينص صراحة على إلزام الكيان الصهيوني بوقف فوري لإطلاق النار في غزة كما كانت تتوقع جمهورية جنوب إفريقيا التي تقدمت بقضية ضد الكيان الصهيوني وكما كان يتوقع المتابعون في مختلف أرجاء العالم الذين آلمتهم الإبادة اليومية التي يتعرض لها الفلسطينيون خلال أكثر من 3 أشهر متواصلة ليلا نهارا، فإن القرار الصادر عن هذه المحكمة الدولية العليا في حد ذاته وفي بنوده المختلفة يعد صفعة في وجه الكيان الصهيوني وفي وجه أعمال العدوان المتواصلة على غزة والذي أتى على الأخضر واليابس بلا شفقة أو رحمة وبلا أدنى مراعاة للإنسان طفلا كان أم امرأة أم شيخا.
إن أهمية ما حدث في محكمة لاهاي خلال جلسة قصيرة لم تتجاوز ساعة واحدة يمكن اعتباره سابقة دولية ذات أهمية كبيرة للقضية الفلسطينية اجمالا ولشعب غزة الصمود خاصة وذلك من خلال 4 جوانب:
الأول: أن المحكمة اعتبرت أن القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد الكيان الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية هي من اختصاص المحكمة بغض النظر عن الفصل فيها وفي تفاصيلها وحيثياتها المختلفة وهذا في حد ذاته يؤشر إلى ان شبهة الإبادة الجماعية ثابتة على إسرائيل لأنها باختصار موثقة وشاهدة على الهواء مباشرة كل يوم وقضية الإبادة الجماعية اذن ذات مصداقية من خلال قرار المحكمة التي سوف تنظر لاحقا في هذه القضية بتفاصيلها. وقد يستمر ذلك أشهرا أو سنوات، ولكن حجز هذه القضية للتداول فيها هو في الحقيقة اتهام مباشر وواضح للكيان الصهيوني.
ثانيا: إن المحكمة قد أمرت إسرائيل باتخاذ كل التدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة بما في ذلك القصف والقتل وتدمير المباني والمستشفيات والمدارس والمرافق والبنية التحتية، وكان واضحا من خلال ما ذكرته المتحدثة الرسمية باسم محكمة العدل الدولية في قرارها أن المحكمة على يقين بأن إسرائيل قد باشرت بالفعل في تدمير القطاع بشرا وحجرا وشجرا مستندة في ذلك ليس إلى ما رفعته جمهورية جنوب إفريقيا، فقط بل إلى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بمختلف مستوياتهم العليا، والتي تعتبر الفلسطينيين في غزة وحوشا وحيوانات ويجوز قتلهم وسحقهم وتهجيرهم ومنع الماء والكهرباء والأغذية والدواء عنهم. كما استدلت المحكمة بتصريحات العديد من كبار المسؤولين بمنظمة الأمم المتحدة من بينهم الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو جوتيريش ذاته والمبعوث الخاص ومسؤولي منظمة إغاثة وتشغيل الفلسطينيين (الأونروا) ومنظمة الصحة العالمية وجميعهم أكدوا دون تردد أن ما فعلته إسرائيل هو قتل ممنهج وإبادة للحياة جعلت من غزة مكانا غير قابل للعيش فيه وهذا ما يريده الكيان الصهيوني.
ثالثا: إن المحكمة التي لم تصل إلى حد الأمر بوقف اطلاق النار في غزة كما طلبت جمهورية جنوب إفريقيا في دعواها لكنها طالبت إسرائيل بوقف أعمال الإبادة الناجمة عن هجومها العسكري الكاسح وأصدرت 6 إجراءات مؤقتة طلبت من إسرائيل اتخاذها وجميعها تتعلق بمنع القتل الجماعي وإلزام إسرائيل بتوفير الغذاء وعدم المساس بالمدنيين اطلاقا بما في ذلك محاسبة المسؤولين الذين يحرضون صراحة على القتل والإبادة وهذا في الحقيقة لا يختلف كثيرا عن الأمر بوقف إطلاق النار لأن قرار المحكمة واجب التنفيذ، حيث دعا إسرائيل إلى اتخاذ جميع الخطوات لمنع وقوع الإبادة الجماعية، والتأكد من عدم تدمير الأدلة التي تشير إلى وجود إبادة جماعية أو تحريض مباشر على ذلك.
رابعا: اللافت في هذا القرار بالرغم من أنه لم يصل إلى الدرجة التي توقعها العالم أنه صدر بشبه إجماع بأغلبية ساحقة من بين 17 قاضيا صوت، فإن جميع القرارات صدرت بأغلبية 16 من بين 17 و15 من بين 17 قاضيا وهذا أمر لافت بأن المجتمع الدولي قد ضاق ذرعا بما يقوم به الكيان الصهيوني من أفعال إجرامية وعدوانية في تدمير مختلف أوجه الحياة في غزة.
ومن المؤسف أن العرب وهم المعنيون بالدرجة الأولى بالدفاع عن القضية الفلسطينية وعن الشعب الفلسطيني كانوا غائبين تقريبا عن هذه القضية التاريخية التي هزم فيها الكيان الصهيوني هزيمة كبرى وتعرى أمام العالم وتبين كذبه وادعاءاته وطبيعته العدوانية التي كان يحاول التستر عليها من خلال شعار الدفاع عن النفس.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك