في العاشر من يناير الجاري أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2722 بشأن تهديدات الملاحة البحرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وبعد ديباجة مطولة حول ضرورة احترام الإطار القانوني الدولي الذي ارتضته دول العالم كافة لتنظيم الحقوق البحرية للدول وهو اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 والإشارة الى تهديدات الحوثيين للملاحة البحرية، فقد تضمن القرار إحدى عشرة فقرة دارت حول إدانة هجمات الحوثيين على السفن التجارية والمطالبة باحترام حرية الملاحة البحرية ومعالجة أسباب التوترات الإقليمية التي انعكست على الأمن البحري، فضلاً عن دعم القدرات البحرية للدول الساحلية في تلك المنطقة بما يمكنها من المساهمة في الحفاظ على الأمن البحري، وقد أيد القرار 11 عضواً فيما امتنع 4 عن التصويت وهم روسيا والصين والجزائر وموزمبيق.
ومع أن إصدار مجلس الأمن قرارات لحفظ الأمن والسلم الدوليين هو اختصاص أصيل للمجلس، فإن حالة من الجدل قد أثيرت حول ثلاثة تساؤلات أولها: هل يعتبر ذلك القرار أساساً قانونياً لتحالف حارس الازدهار؟ وثانيها: هل يشمل القرار كافة القوى الدولية التي يمكن أن تشارك في حماية الملاحة البحرية على غرار القرارات الأممية لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال والقرن الإفريقي عام 2008؟ وثالثها: هل يعد القرار ملزماً لكافة الدول للمشاركة في جهود حماية الملاحة البحرية؟
وواقع الأمر أن تلك التساؤلات لها ما يبررها في ضوء امتناع دولتان دائمتا العضوية في المجلس عن التصويت وهما روسيا والصين، فضلاً عن تحديد بعض المنظمات الدولية مثل الناتو أسساً للمشاركة في أي عمليات عسكرية ومنها أن تكون هناك قرارات أممية تشير الى ذلك.
ومن دون الدخول في جدل قانوني كبير، وللإجابة عن التساؤل الأول عما إذا كان القرار يعتبر أساساً قانونياً لتحالف حارس الازدهار فقد استرعى انتباهي الفقرة الثالثة من ديباجة القرار، والتي نصت على «يؤكد مجلس الأمن وجوب احترام ممارسة السفن التجارية وسفن النقل للحقوق والحريات الملاحية وفقاً للقانون الدولي، ويحيط علماً بحق الدول الأعضاء وفقاً للقانون الدولي في الدفاع عن سفنها ضد الهجمات بما في ذلك الهجمات التي تقوض الحقوق والحريات الملاحية»، هذه الفقرة لم تشر صراحة إلى أن القرار مرتكز للتحالف وهذه هي طبيعة القرارات الأممية التي تتسم بالمرونة، ولكن الصياغة لم تكن بذات الوضوح في بعض القرارات التي أشارت الى ذلك الحق في أزمات سابقة من قبل ومنها على سبيل المثال حالة أزمة الغزو العراقي لدولة الكويت التي شهدت انعقاداً دائماً لمجلس الأمن على مدى ستة أشهر متصلة أصدر خلالها اثني عشر قراراً كانت جميعها بموجب الفصل السابع من الميثاق الذي يجيز استخدام القوة العسكرية حال عدم امتثال الطرف المتسبب في تهديد الأمن والسلم الدوليين إلى تلك القرارات، ومنها القرار 678 الذي أذن للكويت والدول المتحالفة معها باستخدام الوسائل اللازمة لإعادة الأمن والسلم الدوليين إلى نصابهما في المنطقة، صحيح أنه لم يشر صراحة الى تأسيس تحالف تقوده الولايات المتحدة مكون من 34 دولة لذلك الغرض، ولكن تفسير القرار وهدفه هو إعادة الأمن والسلم الدوليين في المنطقة إلى ما كان عليه قبل الثاني من أغسطس عام 1990 تاريخ الغزو العراقي لدولة الكويت.
وللإجابة عن التساؤل الثاني عند مقارنة مضمون القرار بقرارات مماثلة ذات صلة بالأمن البحري ومنها قرارات مواجهة تهديد القرصنة قبالة سواحل الصومال والقرن الإفريقي عام 2008 وخاصة القرار رقم 1816 الذي حث وللمرة الأولى (الدول والمنظمات الإقليمية لإرسال قوات بحرية إلى قبالة سواحل الصومال وامتداد تلك المياه غرب المحيط الهندي لمواجهة تهديدات القرصنة)، نجد هوة شاسعة بين مضمون القرارين، وخاصة من زاويتين الأولى: أن قرار مكافحة القرصنة أشار تحديداً الى المنظمات الإقليمية وكان ذلك المرتكز القانوني لقرار حلف (الناتو) لإرسال قوات تحت مسمى (عملية درع المحيط) بدأت عملها في 17 أغسطس 2009، أما الاختلاف الثاني فهو أن قرار مواجهة القرصنة تضمن الطلب من الدول إرسال قوات بحرية، بينما القرار الأممي بشأن تهديدات الحوثيين تضمن حق الدول الدفاع عن سفنها دون تحديد سبل تحقيق ذلك.
ونأتي إلى إجابة التساؤل الثالث، تأسيساً على ما سبق فإن النتيجة المنطقية هي أن القرار الأممي بشأن مواجهة التهديدات الحوثية للملاحة البحرية ليس ملزماً للدول كافة أن تشارك في أي ترتيبات بحرية لمواجهة تلك التهديدات، بل إن الناتو حال قرر المشاركة كمنظمة، فإنه يحتاج إلى قرار أممي جديد أكثر وضوحاً وإلا فالبديل هو مشاركة دوله الأعضاء إما بشكل فردي ضمن الجهود الأمريكية وإما تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.
وفي تقديري أن متابعة وتحليل مضامين القرارات الأممية بشأن الأزمات التي تمثل تهديداً للأمن والسلم الدوليين تعد مهمة للغاية لأنه في بعض الأزمات كانت تلك القرارات حاسمة في إنهاء الصراعات ومنها على سبيل المثال القرارات التي أصدرها مجلس الأمن حول تهديد الملاحة البحرية في الخليج العربي خلال الحرب العراقية- الإيرانية وبعضها أفضى إلى إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار وهو القرار رقم 598 في 20 يوليو عام 1987، إلا أنه في الوقت ذاته يجب الانتباه إلى ثلاثة أمور أولها: أنه في بعض الحالات لم تكن معارضة بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن أو الامتناع عن التصويت عائقاً أمام جهود الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ومن ذلك على سبيل المثال أن الولايات المتحدة قامت بغزو العراق عام 2003 بدون قرار أممي، ولكن صدرت قرارات لاحقة تضفي الشرعية على ذلك الغزو والإجراءات اللاحقة التي اتخذتها في العراق، وثانيها: أنه دائماً لا بد من المقارنة بين المضامين القانونية والواقع، فبغض النظر عن مضامين القرارات، ولكن التساؤل: من يضعها موضع التنفيذ؟ الإجابة جاءت ببساطة على لسان مسؤول من الناتو أجاب عن تساؤل لماذا يتدخل الحلف في بعض الأزمات مع أن الأمر منوط بالأمم المتحدة وترتيبات إرسال قوات وغيرها؟ فقال ببساطة المنظمة الأممية ليس لديها جيش ولكن الحلف لديه ذلك الجيش، وثالثها: أن كافة القرارات الأممية لا تنص صراحة على مشاركة أطراف بعينها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ولكن تترك الفقرات بشكل عام وهو ما يعطي تفسيرات مختلفة للأطراف الدولية.
وعود على ذي بدء وبغض النظر عن مضمون القرار 2722 لحماية الملاحة البحرية في باب المندب والبحر الأحمر، فإنه يعد آلية دولية مهمة يمكن البناء عليها مستقبلاً من جانب المنظمة الأممية ذاتها لإصدار قرارات أكثر وضوحاً وصرامة لمواجهة تهديد يطول كافة الدول ويستدعي تحركاً دولياً منظماً على غرار أزمات أخرى.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك