في دورة تدريبية امتدت حوالي ثلاثة أسابيع أو أكثر ببضع أيام في دولة شقيقة، لتدريب وتخريج فوج من المدربين في تعليم وتنمية المهارات الحياتية لدى الأطفال والشباب، اعتمدت بصورة كبيرة على الأنشطة والمعارف وأيضًا تعلم العديد من المهارات حتى يتمكن المدرب من نقلها الى أطفال وشباب المدارس والأندية والجمعيات، وكانت المحصلة دورة رائعة وجميلة، كانت ثرية بالأفكار والأطروحات التي بالفعل أثرت الجميع وجميعنا استفاد منها، ودعوني اليوم استخلص لكم بعضا من تلك المهارات التي تم طرحها.
في البداية قمنا بتقسيم المهارات إلى أربعة أقسام، وذلك بحسب مفهوم التعليم والتعلم، وهي: تعلم أن تعرف، تعلم أن تفعل، تعلم أن تكون، تعلم أن تتعايش، ثم قمنا بوضع تحت كل مفهوم ثلاث مهارات وهي كالتالي:
أولاً - تعلم أن تعرف.. وتشمل:
1. حل المشكلات؛ من المهارات المهمة التي يجب أن يتعلمها الطفل أو الشاب أو أي إنسان هي القدرة على حل المشكلات، فنحن اليوم نعيش في عالم مضطرب يمكن أن تواجهنا أي مشكلة وبأي مستوى وبأي لحظة فتعكر مزاجنا ويومنا وحياتنا، حتى لو كانت تلك المشكلة بسيطة، لذلك نجد أنه من المهم أن يتعرف الطفل على المنهجيات العلمية البسيطة في حل المشكلات، وألا نعطيه الحلول جاهزة.
2. التفكير الناقد؛ ويعني ببساطة مجموعة من المهارات التي يكتسبها الفرد لتساعده على إمكانية التحليل الموضوعي للمعارف، بالشكل الذي يصبح فيه قادرًا على التمييز بين الفرضيات والتعليمات، وبين الحقائق والآراء بطريقة منطقية وواضحة. وهذا الموضوع قادنا كثيرًا إلى القضايا والموضوعات المتعلقة بالتفكير الإبداعي الابتكار، وربما في بعض الأحيان إلى التفكير التصميمي.
3. الابتكار؛ من أوائل الأمور التي يجب أن نعلمها للأطفال والشباب هي أن الابتكار هي البوصلة العملية الإبداعية العلمية، فمن غير ابتكار فإن الإنسان لا يستطيع معرفة الثغرات والخلل في المعلومات أو الأمور المعروضة عليه، ومن ثم فإنه يحتاج إلى منهجية البحث العلمي ليبحث عن الدلالات ويضع الفروض التي يمكن من خلالها سد الثغرات، واختبار هذه الفروض، والربط بين النتائج الظاهرة بعد الاختبار، وأخيرًا يتم تطبيق الفروض، وإجراء التعديلات المناسبة، والمقارنة بين النتائج ونشرها وتبادلها.
ثانيًا - تعلم أن تفعل.. وتتضمن:
1. التعاون؛ وهي مهارة أساسية ليس بين البشر فحسب وإنما بين جميع الكائنات الحية، فاليوم يجب أن يتعلم الإنسان أن يعيش ويتعايش بالتعاون، فلا يمكن أن يعيش الإنسان بمعزل عن بقية البشر، فهو يعيش في منزل ومع أسرة وأفراد، وكذلك يعيش في مجتمع وبشر، لذلك فإن هذه المهارة لا يمكن إغفالها وتغافلها حتى وإن رغبنا في ذلك.
2. التفاوض؛ هو حوار، ويهدف إلى فض النزاعات، والتوصل إلى اتفاق على مسارات العمل، للمساومة من أجل ميزة فردية أو جماعية، أو لصياغة النتائج التي ترضي مختلف المصالح والأطراف من أجل العيش بسلام. وهي من المهارات المهمة، إذ إننا وجدنا أننا – إن لم نقل كلنا فجزء منا – لا يتقن أسلوب الحوار والتفاوض، وإنما نحن نفرض رأينا وقراراتنا سواء كنا نتحدث بين أفراد الأسرة أو في الاجتماعات الإدارية أو في أي مكان، وهذا يعني أننا نحتاج أن نطور هذه المهارة بين أضلعنا وفي عقولنا.
3. صنع القرار؛ عادة الحوار والتفاوض يقودنا إلى المرحلة المتقدمة من هذه السلسلة، وهي صنع القرار الذي يتبنى على المهارات السابقة الذكر، وهي التفكير الإبداعي والتفاوض وما إلى ذلك. ونحن نؤمن ان اتخاذ وصنع القرار مهارة إن رغبنا في امتلاكها فإنه ينبغي أن نتعلمها وأن نحاول تطبيقها مرات ومرات حتى تصبح جزءًا من حياتنا، لأننا – جميعًا – نتخذ القرار وفي كل اللحظات، وحتى إن ذهبنا إلى السوق فإننا نحتاج أن نتخذ القرار.
ثالثًا - تعلم أن تكون.. وتشمل:
1. فن وإدارة التواصل؛ جزء منا يعتقد أن التواصل والاتصال هو مجرد عملية مرسل ومستقبل، وتنفيذ للأوامر، وهذا صحيح في بعض جزئياته، ولكن في الحقيقة ان التواصل فن وإدارة تحتاج من الإنسان أولاً وأخيرًا أن يتقن مهارة (الإصغاء) فلا يمكن أن تستوعب أو أن تدير عملية التواصل من غير هذا الفن، ليس ذلك فحسب وإنما يجب أن يكون هناك تغذية راجعة للعملية وهذه نطلق عليها (الاستجابة)، إذ ان الهدف الأساسي من أي عملية تواصل هي الاستجابة، فإن لم توجد استجابة فإن العملية فاشلة.
2. القدرة على التكيف؛ نتكيف على ماذا ولماذا؟ نحن نعرف أن الإنسان من أكثر الكائنات الحية قدرة على التكيف، إذ يمكن أن يتكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يتكيف مع الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيش، وكذلك أن يتكيف مع ظروف كثيرة، ولكن كثير منا لأنهم لا يرغبون في ذلك فإنه يجدون صعوبة في التكيف والتأقلم مع الحياة، فيواجهون ضغوط الحياة والعمل، ويعانون من العديد من المشاكل، وفي النهاية يعيشون تعساء، وهذه المهارة تبنى على العديد من القناعات التي من المفروض أن يقتنع بها الإنسان قبل أن يصل إلى مرحلة التكيف.
3. التحكم الذاتي؛ يحتاج الإنسان في كثير من مناطق حياته أن يتحكم في ذاته وربما في غضبة وعواطفه ورغباته، وهذا يعني أنه يجب أن يتحكم في أدواته وكل قلبه وعقله، وهذه ربما تُعد من أصعب المهارات التي يمكن أن يتعلمها الإنسان وخاصة في مثل مجتمعاتنا الاستهلاكية، فمن لا يرغب منا في امتلاك (كذا) و(كذا)، مهما كانت تكاليفها، ومن جانب آخر فإن كنا نتحدث عن العواطف أو الغضب وما إلى ذلك فكلها أمور عاطفية تحتاج من المرء أن ينمي هذه المهارة، شئنا ذلك أم لم نشأ.
رابعا- تعلم أن تتعايش.. وتتضمن:
1. احترام التنوع؛ عندما نعيش في مجتمع مختلط سواء من حيث الأفكار والمذاهب والأديان، أو حتى المستويات الاجتماعية أو الاقتصادية، أو من حيث الألوان والأنساب أو أي نوع من الاختلاف، فإنه يجب أن نحترم جميع الأطياف التي تعيش في المجتمع وذلك من مبدأ (كلكم لآدم وآدم من تراب)، وخلاف ذلك فإنها تُعد عنصرية التي تحمل بداخلها النتانة، فإن دخلت العنصرية مجتمعًا دمرته، لذلك فهي بغيضة ومنتنة يجب الابتعاد عنها.
2. التعاطف؛ أن يتعاطف الإنسان مع النقيض، فإن ذلك يُعد قمة الرقي في الأخلاق، فكما أشرنا فإن مجتمعاتنا مجتمعات خليطة بين مختلف الأجناس من البشر، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن نقاطع أو أن نحارب داخل المجتمع الواحد، بل على العكس فإن المجتمع المترابط ليس هو المجتمع المتجانس أي من نفس الفئة أو نفس المستوى أو متشابه، بل على العكس فإن المجتمع المترابط هو المجتمع المختلط ولكنه متعاون متعاطف مع بعضه البعض من أجل رقي المجتمع والدولة، وهذا رقي جميل وارتقاء بالأخلاق والفكر والروح.
3. المشاركة؛ عندما تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمع متعاطف ومتفاهم ومتعايش فإنه من السهل جدًا أن نتشارك وأن نتطوع من أجل أعمال الخير التي تعود على المجتمع بالخير، أيًا كانت الجهة التي دعت إلى هذا التطوع والعمل من أجل المجتمع، والأعمال التطوعية كثيرة ولا يمكن حصرها في عمل صغير، أو دعوة صغيرة، وإنما فكرة المشاركة في حد ذاتها مهارة راقية جدًا، وخلق رفيع، حتى لو كانت المشاركة في فرح أو حزن، ماذا يمنعك من أن تزور صديق يختلف معك في الفكر لتهنئة بزواج ابنه مثلاً؟ أو ما الذي يمنعك من المشاركة في برنامج أقامته الجهة الفلانية التي تختلف معها في منهجك لتنظيف الساحل الفلاني أو لإلقاء المحاضرة الفلانية؟ وأمور كثيرة.
ثم طرحنا فكرة أن تكون في كل دولة شعار بعنوان (ساعة.. اسم الدولة) مثلاً: ساعة للبحرين وهكذا، من أجل أن نعمل جميعًا ولو ساعة واحدة في الشهر أو في الأسبوع من أجل البلد الذي نعيش فيه، فجميعنا مشغول وتقع على عاتقه الكثير من الأعباء، ولكن لو تمكنا أن نحدد ساعة واحدة – فقط ساعة – في الأسبوع أو الشهر من أجل البلاد الذي نعيش فإننا حتمًا سنصبح أفضل، وفي هذه الساعة يمكننا الاتفاق على عمل وننجزه في تلك الساعة فقط، وقبل أن نغادر نتفق على اليوم القادم والفاعلية القادمة، ثم نعلن ومن يرغب في المشاركة فالدعوة مفتوحة، أعتقد أنها فكرة ستلاقي النجاح المناسب.
على ألا ننسى أن نضع لمثل هذه الأنشطة (الساعة) مجموعة من الأهداف، منها خدمة الوطن وربما الهدف الثاني يجب أن يكون تعليم وتنمية مهارة معينة، فلا يكون النشاط لمجرد أنه نشاط فقط، وفعل عفوي، وإنما يفضل أن يكون منظمًا ويستند على فكرة وأهداف حتى يكون العمل مؤسسي ويأتي بثمار تعود بالكثير من الفوائد على الإنسان والوطن.
وهذه هي المهارات التي من الممكن أن نعلمها ونتعلمها وننميها.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك