على الرغم من سيطرة «حزب المحافظين»، على السلطة في «المملكة المتحدة» مدة 14 عاما، فإنه من المتوقع في العام الحالي، أن يواجه أصعب اختبار له من «حزب العمال»، بقيادة «كير ستارمر». وعليه، توقع «جون كريج»، من شبكة «سكاي نيوز»، أن تصبح السياسة البريطانية في «غاية الخطورة»؛ بسبب اقتراب الأحزاب السياسية الأخرى من السلطة.
وفي بداية العام، أشارت استطلاعات الرأي والمعلقون إلى توقع فوز «حزب العمال»، بشكل كبير، حيث سيطيح بسهولة بأغلبية المحافظين التي تبلغ 54 مقعدا وأكثر، وخاصة مع مواجهة رئيس الوزراء «ريشي سوناك»، لـ«حزب برلماني منقسم»، و«اقتصاد متعثر»، و«لامبالاة بين الناخبين»، وفي ضوء مقارنة الوضع بهزيمة «جون ميجور»، أمام «توني بلير» عام 1997، عندما خسر حزب المحافظين 178 مقعدًا، وتم استبعادهم بعد ذلك من الحكومة مدة 13 عامًا أخرى.
ووفقا للعديد من المحللين، فإن تغيير الحكومة من حزب «المحافظين»، إلى «العمال»، بعد سنوات من تولي السلطة؛ سيكون له تأثير على السياسات المحلية المتعلقة؛ بـ«الرعاية الصحية، والسياسة الاقتصادية، والإصلاحات القضائية، والتعليم، وغير ذلك». أما السياسة الخارجية، فمن المتوقع أن تتسم بالاستمرارية، عزز من هذا الاستنتاج، مواقف زعيم حزب العمال «كير ستارمر»، من العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، والتي تتماثل مع مواقف الحكومة الحالية في دعم إسرائيل، ورفض إدانتها على جرائمها بحق المدنيين الفلسطينيين، ومقاومة دعوات وقف إطلاق النار الإنساني.
وفي الانتخابات العامة السابقة عام 2019، تنافس رئيس الوزراء – آنذاك – «بوريس جونسون»، وزعيم حزب العمال «جيريمي كوربين»، حيث حصل المحافظون على 47 مقعدًا ليصبح المجموع 365 مقعدًا، في حين خسر العمال 59 مقعدًا مقابل 262 سابقًا، ليصبح المجموع 203 مقاعد. وكان محور هذا النصر هو سيطرة المحافظين على ما يُسمى بـ«الجدار الأحمر»، لمقاعد حزب العمال الآمنة عبر شمال إنجلترا وويلز، ودعم الناخبين في هذه المناطق لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بعد سنوات من الجمود عقب استفتاء عام 2016.
ومنذ ذلك التاريخ، واجه المحافظون سلسلة من الانتكاسات، مع استقالة «جونسون»، بسبب فضيحة «بارتي جيت»، واستقالة رئيسة الوزراء «ليز تروس»، بعد ستة أسابيع فقط من توليها للمنصب. وأشار «مارك لاندلر»، و«ستيفن كاسل»، في صحيفة «نيويورك تايمز» – آنذاك – أن البلاد انزلقت إلى «الفوضى المالية والسياسية»؛ بسبب خطة الإصلاح الضريبي «الراديكالية»، التي كانت سببا في استقالة «تروس»، ما أفقد الثقة بالمؤسسات المالية، والبرلمان.
علاوة على ذلك، تسببت سلسلة الهزائم المتلاحقة في الانتخابات الفرعية في زيادة معاناة المحافظين، ما أدى إلى فقدانهم لثقة الجمهور، وخسارتهم للمقاعد المضمونة، ومن بين هذه المقاعد دوائر وسط إنجلترا، التي كانت تضم أغلبية تزيد على 20 ألف ناخب. وفي فبراير 2024، من المتوقع أن تزداد معاناتهم، بسبب إيقاف عضو البرلمان السابق عن الحزب «بيتر بون»، بتهمة التنمر وسوء السلوك، والاتجاه إلى إجراء انتخابات فرعية؛ ما سيصب في صالح المعارضة.
وتأكيدًا على هذا التحليل، أشارت أحدث استطلاعات الرأي إلى فارق أصوات كبير وسط الناخبين، بين حزب العمال، والمحافظين، وهي فجوة من المستبعد سَدَّها، إلا إذا طرأت تغيرات كبيرة على السياسة الداخلية البريطانية. ويُظهر استطلاع مؤسسة «يوجوف»، أن الحكومة تحظى بدعم 20% فقط من الناخبين، في حين تحظى المعارضة الأولية بدعم 47%. ووفقًا لـصحيفة «فايننشال تايمز»، «تجاوزت شعبية حزب العمال بين الناخبين، حزب المحافظين في بداية عام 2022، وحصد بعد عامين، ميزة كبيرة بنحو 20 نقطة مئوية (43.7 إلى 25.2).
ودعما لهذا التقييم، من المرجح أن يحتفظ «المحافظون»، بـ169 مقعدًا فقط في مجلس العموم، بانخفاض قدره 196 مقعدًا عن فوزهم في عام 2019، وبالمقارنة، سيتمكن العمال من تحقيق أغلبية واضحة بـ385 مقعدًا. وفي مثل هذه الحالة، سيتم التصويت على خروج كبار المحافظين، بمن فيهم «جيريمي هانت»، وزير الخزانة، و«جرانت شابس»، وزير الدفاع، من البرلمان تمامًا، الأمر الذي وصفه «بيتر ووكر»، في صحيفة «الجارديان»، بأنه يمثل «كارثة» بالنسبة لسوناك والمحافظين؛ لكنه لفت أيضا إلى أن هذا قد يمثل «نظرة متفائلة»، بناءً على ما قاله «روب فورد»، من «جامعة مانشستر»، من أن هذه الاستطلاعات لا تأخذ في الاعتبار أن تفضيل الناخبين للمرشح العمالي، قد يكون بغرض الابتعاد عن المحافظين فقط.
ويبقى واضحًا، أنه في حال نجح «حزب العمال»، بالفعل في الانتخابات الوطنية لعام 2024 -كما يتوقع الكثيرون – فمن الممكن حدوث «تحول واضح»، في السياسة الاجتماعية، والاقتصادية المحلية، حتى لو أصر «ستارمر»، على أن الحكومة تحت سيطرته لن تعزز الإنفاق الحكومي بشكل كبير.
ومع ذلك، أشارت «أوليفيا أوسوليفان»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، إلى أن السياسة الخارجية للعمال في الوقت الحاضر؛ «تتشابه إلى حد كبير مع نظيرتها للمحافظين»؛ حيث يتبنى كلا الحزبين مواقف مماثلة إزاء «حرب أوكرانيا»، و«حلف الناتو»، و«العلاقات مع الصين»، فيما أبدى كل من «سوناك»، و«ستارمر»، دعمهما القوي لإسرائيل في حربها على الفلسطينيين.
وفي الوقت الذي بات لزاما على حزب المعارضة في «مجلس العموم»، محاسبة الحكومة، بشأن دعمها لحكومة أجنبية متهمة بارتكاب «إبادة جماعية»؛ فإن موقف «ستارمر»، من الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة الغربية، لا يختلف كثيرًا عن موقف «سوناك»، ما أثار استياء وغضب العديد من أعضاء حزب العمل والناخبين. وفي منتصف ديسمبر 2023، وعقب دعوة رئيس الوزراء إلى وقف إطلاق النار في غزة؛ وافق «ستارمر»، أيضًا على «وقف إطلاق نار مستدام»، بدلاً من وقف إنساني فوري. ولعل الأمر الأكثر انتقادًا، تصريحه في أكتوبر 2023، أنه من المفترض أن يكون لإسرائيل «الحق الكامل في قطع الكهرباء، والمياه، عمدًا عن المدنيين الفلسطينيين في غزة، وأن هذا الإجراء ينبغي أن يتم في إطار القانون الدولي». ورغم تأكيد «منظمات حقوق الإنسان»، أن هذا العمل هو «جريمة حرب»؛ فإن تصريحه يتناقض مع هذا الاعتراف بشكل واضح.
علاوة على ذلك، وجّه أيضًا حزب العمال إلى اتخاذ ردود فعل وإجراءات أقرب إلى السلبية لخنق الدعم المحتمل من أعضاء حزبه لقيام دولة فلسطينية مستقلة. ووفقًا لموقع «ميدل إيست آي»، مُنعت مكاتب الحزب الفرعية – تحت إشرافه – من مناقشة القضية، وتم «تحذير»، ممثلي الحزب بها لعدم حضور الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين. وفي مؤتمر الحزب في أكتوبر 2023، مُنعت منظمة «حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني»، في كل من «إنجلترا»، و«ويلز»، من الإشارة إلى إسرائيل كدولة فصل عنصري في تظاهراتها.
ووفق هذا المعنى، تخلى «ستارمر»، رسميًا، عن وعد الحزب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب واحد حال الفوز بالانتخابات، وأنه لن يفعل ذلك إلا كجزء من تنفيذ اتفاق حل الدولتين مع إسرائيل. ولعل البيان الصادر عن «واين ديفيد»، وزير حكومة الظل لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الذي رفض سياسة الحزب ووصفها بأنها «معادية» للشعب الفلسطيني، و«ليس لها أهمية»، يعد «دليلا»، آخر على مدى ضعف زعيم حزب العمال، ومساعديه إزاء تحدي ومعارضة كل من الحكومتين الإسرائيلية والبريطانية بشأن العدوان على غزة. وعليه، استنتج «ديفيد هيرست»، من موقع «ميدل إيست آي»، أنه في حال انتخابه ستتواطأ بريطانيا مع إسرائيل في الدمار الذي تلحقه الأخيرة بالفلسطينيين، وإيقاع الآلاف من الضحايا بين المدنيين.
وفي حين أن زعيم حزب العمال جعل ملامح قيادته قريبة من «سوناك»، و«نتنياهو»؛ إلا أنه يجب تسليط الضوء على العديد من الإجراءات التي اتخذها أعضاء الحزب للدفاع عن حقوق الفلسطينيين. وعلى سبيل المثال، عارض عشرة نواب توجيهاته، من خلال التصويت لصالح اقتراح برلماني يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة في منتصف نوفمبر 2023. بالإضافة إلى استقالة ما يقرب من 50 عضوا في المجالس المحلية التابعة للحزب؛ احتجاجا على موقفه مما يحدث في غزة. ومن بين هؤلاء، وصف «أفراسياب أنور»، عمدة مدينة «بيرنلي»، شمالي إنجلترا، موقفه بأنه «لا يمكن الدفاع عنه»، نظرا لرفضه الدعوة إلى وقف إطلاق النار، فيما دعاه – هو وآخرون – إلى الاستقالة؛ لأنه «لا يقدر قاعدة حزبه الداعمة للموقف الفلسطيني». وعلى عكس إصرار «ستارمر»، على أن حزبه «متحد»، بشأن القضية الفلسطينية، أشارت «أماندا أكاس»، من شبكة «سكاي نيوز»، إلى أن كثيرا من أعضاء البرلمان «يتعرضون لضغوط من ناخبيهم»؛ لتغيير سياسة حزب العمال، بشأن الحرب في غزة، ومصير الدولة الفلسطينية.
وعلى النقيض من القيادة الحالية، انتقد «كوربين»، سلف «ستارمر»، بشكل صريح، حرب إسرائيل في غزة، ودعم علنًا دعوى «جنوب إفريقيا»، ضدها أمام «محكمة العدل الدولية»؛ لاتهامها بارتكاب «إبادة جماعية» في القطاع. وخلافًا لـ«قادة الحكومة البريطانية»، و«رموز المعارضة البرلمانية»، علق قائلاً: إنه «لا يمكن لأحد أن يصف استشهاد آلاف الفلسطينيين، وتدمير 70% من مساكنهم، بأنه رد فعل متناسب»، مضيفًا أنه بمثابة «هجوم على الشعب الفلسطيني بأكمله».
على العموم، قبل الانتخابات العامة المقبلة في المملكة المتحدة، توقعت استطلاعات الرأي والمعلقون، فوز «حزب العمال»، على «المحافظين»، بشكل واضح. لكن مع الاستشهاد بتحقق زعيم المحافظين «جون ميجور»، فوزًا مفاجئًا على زعيم العمال «نيل كينوك» في انتخابات عام 1992؛ فإنه لا يزال بإمكان «سوناك»، تحقيق النصر، إذا ما جرت أحداث سياسية واقتصادية لصالحه على مدار العام الجاري.
ومهما كانت النتيجة، وتأثيرها على مجال السياسة الخارجية؛ فإن استمرار موقف «بريطانيا»، الحالي في رفض إدانة إسرائيل؛ بسبب انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، ينبغي توقعه أيضا حال تم انتخاب حكومة جديدة بقيادة «ستارمر»، والذي وصفه «هيرست»، بأنه «متخبط»، في رد فعله تجاه الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة، مؤكدا أنه «فشل في الاختبار الرئيسي لمعالم قيادته الذي أظهرها خلال هذه الأزمة»، وبالتالي إذا تم انتخابه «فإن البريطانيين سوف يشعرون بعواقب هذا الفشل على الأجيال القادمة».
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك