في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي إلى تحسين علاقات إيران مع دول الجوار والسعي إلى فتح مجالات التعاون قام الحرس الثوري الإيراني الذي يتبع مباشرة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي خلال الأيام القليلة الماضية بشن ثلاثة اعتداءات عسكرية إيرانية بالصواريخ والمسيرات متزامنة على كل من باكستان وكردستان العراق وشمال وشرق سوريا، وذلك استنادا إلى ادعاءات إيرانية بوجود عناصر معارضة لها بل إنها ادعت بالنسبة إلى كردستان العراق بأنها قصفت مركزا للمخابرات الإسرائيلية «الموساد» حيث شهدت المنطقة نتيجة لهذه الاعتداءات السافرة على سيادة ثلاث دول توترا غير مسبوق.
وإذا كانت الدولتان العربيتان الحليفتان لإيران اكتفيتا بالتنديد الخفيف خوفا من مشاعر الحرس الثوري، فإن القوات المسلحة الباكستانية ردت خلال 24 ساعة من العدوان الإيراني بقصف العمق الإيراني نظرا لأن باكستان استشعرت الإهانة بما أقدمت عليه إيران ولذلك كان الرد فوريا وقويا وعنيفا إلى أبعد الحدود، وخاصة أنه لم يكن هنالك أي مبررات تستدعي لجوء الحرس الثوري الإيراني إلى القوة العسكرية لضرب لما تسميه إيران بالجماعات الإرهابية وكذلك الأمر بالنسبة للاعتداءات على كردستان العراق وسوريا، حيث إنه لم يكن هنالك أي مبرر حقيقي للحرس الثوري الإيراني لاستخدام القوة.
لقد أثارت هجمات الحرس الثوري الإيراني ضد الدول الثلاث الكثير من التساؤلات عن أسبابها وتوقيتها والتأكيد على أن الحرس الثوري الإيراني يعمل خارج سيطرة الحكومة الإيرانية التي تتمتع بعلاقات قوية ومتميزة مع الدول الثلاث التي تم الاعتداء عليها.
وبالرغم من التفسيرات والمبررات الإيرانية الروتينية المتكررة، فإن هذه الهجمات على الدول الثلاث قد أثارت غضبا في باكستان وردا دبلوماسيا في العراق وعدم الرد بأي صورة من الصور في سوريا لأن سيادة هذه الدول العربية الشقيقة منتهكة أصلا من إيران وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية ومع ذلك يبدو أن الصمت السوري غير المبرر يجعل السيادة السورية منتهكة، وخاصة أن كل من إسرائيل وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية يكررون الاعتداءات على السيادة الوطنية السورية بشكل روتيني وشبه يومي وذلك نتيجة للأوضاع الخاصة التي تعيشها الجمهورية العربية السورية الشقيقة.
لقد أثارت الهجمات الإيرانية العديد من التساؤلات حول التصرف الإيراني الجديد في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها المنطقة وما تشهده من توترات في مختلف المناطق من غزة إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن مع وجود الأساطيل الأجنبية في المنطقة، ولكن من الواضح أن هذه الهجمات ليس عفوية أو تستهدف جماعات إرهابية التي تعمل جميع الدول على محاصرتها من خلال التعاون المشترك للحد من تأثيرها من دون اللجوء إلى العنف المسلح أو الاعتداءات على سيادة الدول، وقد يكون للأمر علاقة باستعراض إيران عضلاتها العسكرية كدولة تستطيع أن تضرب في كل الاتجاهات من دون أن تتلقى ردا من الدول التي تم الاعتداء عليها إلا أن إيران لم تتوقع هذا الرد الباكستاني السريع والعنيف والفوري ليكون رسالة واضحة للحرس الثوري الإيراني بأن الاعتداء لا يمكن أن يمر من دون انتقام ورد.
ولعل الرد الباكستاني سوف يشجع الدول الأخرى على الوقوف في وجه إيران التي اعتادت على استخدام المليشيات التابعة لها في الداخل السوري والداخل العراقي واليمن ولبنان وربما حتى في أفغانستان من دون التورط المباشر الذي من شأنه أن يحول الحدود الإيرانية مع باكستان وكردستان العراق وربما حتى مع أفغانستان إلى مناطق صراع ساخنة قد تغرق المنطقة في حروب لا أول لها ولا آخر، كما ان ردة الفعل الباكستانية الفورية قد تضع أمام الحرس الثوري الإيراني خطوطًا حمراء بأنه ليس في منطقة مفتوحة وإن ضرباته سوف يرد عليها بضربات أقوى.
إن إيران التي تخوض معارك وحروبا بالنيابة من خلال مليشياتها العديدة المنتشرة في المنطقة سوف تدخل في المستقبل كما هو واضح في مواجهات مباشرة قد تدخلها في حروب هي في غنى عنها بالنظر إلى ما تعانيه إيران من مشاكل داخلية ومن مشكلات اقتصادية واجتماعية ومن توترات مع العديد من القوميات التي تشكل النظام الاجتماعي الإيراني. كما أن لعبة إيران القديمة المتجددة بالاعتماد على أذرعها المليشياوية قد انكشفت تماما ولم تعد خافية عن أي جهة، ولذلك فإن الردود من هنا فصاعدا قد تكون مباشرة على إيران نفسها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك