العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حسابات الربح والخسارة في حرب غزة

بقلم: رانيا مصطفى {

السبت ٢٧ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

تغيَّر‭ ‬الهدف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬مراراً،‭ ‬مع‭ ‬تخبّط‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬ورغبتها‭ ‬في‭ ‬إطالة‭ ‬أمد‭ ‬الحرب‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬إنجازات‭ ‬تخفّف‭ ‬وطأة‭ ‬النقمة‭ ‬الداخلية‭ ‬على‭ ‬زعيم‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرّف،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدرك‭ ‬انتهاء‭ ‬مسيرته‭ ‬السياسية‭. ‬أخيرا،‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬تقسيم‭ ‬القطاع‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬نصفه‭ ‬الشمالي‭ ‬ومدينة‭ ‬غزّة‭ ‬وتهجير‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬نصفه‭ ‬الجنوبي‭. ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬قالوا‭ ‬تهجير‭ ‬سكّان‭ ‬غزّة‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬والقضاء‭ ‬الكلي‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭. ‬مضى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الوحشي،‭ ‬ولم‭ ‬يتمكّن‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حركتي‭ ‬حماس‭ ‬والجهاد‭ ‬الإسلامي،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الدعم‭ ‬المادي‭ ‬والعسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬الذي‭ ‬يتلقّاه‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭.‬

وبالتالي،‭ ‬تراجعت‭ ‬احتمالات‭ ‬معاقبة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬على‭ ‬تجرؤها‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬والقضاء‭ ‬عليها‭ ‬واقعيا،‭ ‬فيما‭ ‬أُسقِط‭ ‬حالياً‭ ‬الطرح‭ ‬بتهجير‭ ‬أهالي‭ ‬غزّة‭ ‬خارج‭ ‬فلسطين،‭ ‬بسبب‭ ‬رفض‭ ‬شعبي‭ ‬داخلي‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬وإدراك‭ ‬الناس‭ ‬أهمية‭ ‬الصمود‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬القتل‭ ‬والتدمير‭ ‬الذي‭ ‬يلحق‭ ‬بهم،‭ ‬وكذلك‭ ‬الرفض‭ ‬العربي،‭ ‬المصري‭ ‬والأردني‭ ‬خصوصا،‭ ‬للفكرة،‭ ‬تجنّباً‭ ‬لالتزاماتٍ‭ ‬ومسؤولياتٍ‭ ‬ستلحق‭ ‬بالحكومات‭ ‬إذا‭ ‬قبلت‭ ‬باتفاق‭ ‬للتهجير‭.‬

لن‭ ‬يحلّ‭ ‬مخطّط‭ ‬تقسيم‭ ‬القطاع،‭ ‬وإفراغ‭ ‬نصفه‭ ‬الشمالي،‭ ‬المشكلة‭ ‬‮«‬الأمنية‮»‬‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬لأن‭ ‬المقاومة‭ ‬باقية،‭ ‬وأثبتت‭ ‬معركة‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬أنها‭ ‬تملك‭ ‬قدرات‭ ‬متطوّرة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التدريب‭ ‬والتخطيط‭ ‬والمعلومات‭. ‬إذاً‭ ‬عملياً،‭ ‬ليس‭ ‬بمقدور‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬إسرائيلي‭ ‬استراتيجي،‭ ‬يحقّق‭ ‬الأمان‭ ‬للمستوطنين،‭ ‬بل‭ ‬لقرار‭ ‬الحرب‭ ‬العدمية‭ ‬على‭ ‬غزّة‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬وستمتدّ‭ ‬آثارها‭ ‬سنوات‭.‬

كشفت‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬نقاط‭ ‬ضعف‭ ‬عسكرية‭ ‬واستخباراتية‭ ‬لدى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬ومدى‭ ‬تأثير‭ ‬الخلافات‭ ‬الداخلية،‭ ‬وتولّي‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬بما‭ ‬تضمّه‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬خارجين‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬أو‭ ‬بلا‭ ‬خبرة‭ ‬سياسية،‭ ‬تدفعهم‭ ‬عقلية‭ ‬موغلة‭ ‬في‭ ‬التطرّف‭ ‬والعدمية،‭ ‬تجاه‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬عدا‭ ‬عن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬تجاه‭ ‬المصلين‭ ‬في‭ ‬الأقصى‭.‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ارتفاع‭ ‬عدد‭ ‬القتلى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ (‬يفوق‭ ‬الـ1500‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬وهناك‭ ‬مشكلة‭ ‬تحرير‭ ‬الأسرى‭ ‬والرهائن‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬محتجزين‭.‬

لقد‭ ‬أحدث‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬جدالاً‭ ‬حادّاً‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وصوّب‭ ‬نحو‭ ‬فشل‭ ‬سياسات‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرّف،‭ ‬حيث‭ ‬انخفضت‭ ‬شعبية‭ ‬نتنياهو‭ ‬إلى‭ ‬الحضيض،‭ ‬وهي‭ ‬أصلاً‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬مع‭ ‬نية‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬إجراء‭ ‬تعديلاتٍ‭ ‬قضائية‭ ‬تحول‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬ديكتاتورية‭. ‬وهناك‭ ‬عودة‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬نقاش‭ ‬الطروحات‭ ‬اليسارية‭ ‬بإعطاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬استقلالاً‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬أراضيهم‭ ‬وفق‭ ‬‮«‬أوسلو‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬2002؛‭ ‬وقد‭ ‬نشهد‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬القريب‭ ‬صعوداً‭ ‬لليسار‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

أياً‭ ‬كانت‭ ‬نتيجة‭ ‬الحرب،‭ ‬سيكون‭ ‬هناك‭ ‬عرقلة‭ ‬كاملة‭ ‬لتطبيع‭ ‬وضع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬اظهرته‭ ‬من‭ ‬عدوانية‭ ‬متأصلة‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والعرب،‭ ‬لقد‭ ‬ظنّوا‭ ‬أن‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬استكانة،‭ ‬لكن‭  ‬الظرف‭ ‬العربي‭ ‬قد‭ ‬تغير،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬تجاهل‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬يتعرّض‭ ‬لها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

يُضاف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الرواية‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬مظلومية‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحقها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬‮«‬إرهاب‮»‬‭ ‬حركات‭ ‬المقاومة،‭ ‬وهي‭ ‬رواية‭ ‬صهيونية‭ ‬بامتياز،‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تعمل‭ ‬بعد‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للحملة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬غزّة،‭ ‬والتي‭ ‬استهدفت‭ ‬المدنيين‭ ‬والمرافق‭ ‬الحيوية،‭ ‬وخصوصا‭ ‬المشافي،‭ ‬وأمام‭ ‬مرأى‭ ‬العالم،‭ ‬وقد‭ ‬أوقعت‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬حرج،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬تقارير‭ ‬لمنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬تقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬طفلاً‭ ‬يقتل‭ ‬كل‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭ ‬في‭ ‬غزّة‮»‬‭.‬

واضطرت‭ ‬عدة‭ ‬حكومات‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬مواقفها،‭ ‬وإدانة‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬وذلك‭ ‬بتأثير‭ ‬تظاهرات‭ ‬تضامن‭ ‬عالمية،‭ ‬خصوصا‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬حركات‭ ‬يهودية،‭ ‬ترفض‭ ‬الاعتداء‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬والفلسطينيين،‭ ‬جزء‭ ‬منهم‭ ‬يرى،‭ ‬ومن‭ ‬موقع‭ ‬عقلاني،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتداء‭ ‬وسياسات‭ ‬الاستيطان‭ ‬يضران‭ ‬بمستقبل‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وجزء‭ ‬آخر،‭ ‬كحركة‭ ‬ناطوري‭ ‬كارتا،‭ ‬لا‭ ‬تعترف‭ ‬بدولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالأصل‭.‬

في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬حسابات‭ ‬الربح‭ ‬والخسارة،‭ ‬استغلّت‭ ‬إيران،‭ ‬المأزومة‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬بعملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬وفق‭ ‬خطاب‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬استغلّت‭ ‬العدوان،‭ ‬ورقة‭ ‬تفاوض،‭ ‬مع‭ ‬الأمريكان،‭ ‬وأعلنت‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬نصر‭ ‬الله‭ ‬انتهاء‭ ‬فكرة‭ ‬توحيد‭ ‬ساحات‭ ‬المقاومة،‭ ‬وتخليها‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬معركتها‭ ‬في‭ ‬غزّة،‭ ‬في‭ ‬توافق‭ ‬مع‭ ‬الرغبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بحصر‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬غزّة،‭ ‬وتحجيم‭ ‬قدرات‭ ‬حركة‭ ‬‮«‬حماس‮»‬‭ ‬في‭ ‬المعركة،‭ ‬وقد‭ ‬استقدمت‭ ‬بارجتين‭ ‬إلى‭ ‬المتوسّط‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭. ‬وتزعّمت‭ ‬روسيا‭ ‬دعم‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سياسياً‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬لربط‭ ‬المعركة‭ ‬في‭ ‬غزّة‭ ‬بمعركتها‭ ‬ضد‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا؛‭ ‬لكنها‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬العسكري،‭ ‬وخصوصا‭ ‬أن‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬مازالت‭ ‬تربط‭ ‬موسكو‭ ‬بإسرائيل‭.‬

خلاصة‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬صمود‭ ‬أهالي‭ ‬غزّة،‭ ‬وآلامهم‭ ‬وتضحياتهم،‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬نضال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حقوقه‭ ‬واستقلاله،‭ ‬وضد‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭. ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬والتوقيت،‭ ‬هناك‭ ‬تحرّكات‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬مدني،‭ ‬وهناك‭ ‬قتل‭ ‬واعتقال‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬ولن‭ ‬تتوقّف‭ ‬حركات‭ ‬المقاومة‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬هناك‭ ‬احتلال‭ ‬وانتهاكات‭ ‬وسياسات‭ ‬استيطانية،‭ ‬وهذا‭ ‬يعيد‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭. ‬وخاصة‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭.‬

 

{‭ ‬كاتبة‭ ‬صحفية‭ ‬من‭ ‬سوريا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا