نهاية الحرب بالحل السياسي الذي تهدف إليه. وهذا يتوقف على نتيجة الحرب وماهيتها. وترتبط الحرب بدول القوة التي تجعل من قوتها العسكرية الوسيلة لفرض أهدافها على الطرف الآخر وهنا السؤال: ماذا تريد دول القوة من الحرب؟ وبصيغة أكثر وضوحا ماذا تريد إسرائيل من حربها الآن على غزة؟ وقبل ذلك هل حققت حروبها العديدة على غزة وعربيا ما تريد؟ باستقراء تاريخ الحروب السابقة النتيجة الحتمية فشل خيار الحرب في الوصول إلى تسوية سياسية تحقق الأمن والاستقرار والبقاء والعدل.
وفي حالة إسرائيل السؤال ثانية هل حققت أمنها وبقاءها رغم تفوقها العسكري؟ والإجابة بلا، وهذا ما أثبتته الحرب الآن على غزة الصغيرة والأقل قوة رغم ما ألحقته من دمار شامل.
فلا إسرائيل قادرة على محو الشعب الفلسطيني، ومازال يملك القدرة على المقاومة ورفض الاحتلال. الحل السياسي تفرضه وقائع كثيرة على الأرض.. الحقائق الجغرافية ووحدانية الأرض وصعوبة فصلها بحدود واهية ضعيفة وثانيا العوامل السكانية والتداخل غير المسبوق بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وحقيقة ان الفلسطينيين ليسوا مجرد جماعات سكانية بل هم شعب له هويته الوطنية والقومية وتاريخه الطويل على هذه الأرض الذي يسبق الوجود اليهودي.
وحقيقة تاريخية غائبة أن اليهود وحتى الهجرة ألأولى كانوا يعيشون كشعب واحد مع الفلسطينيين ولم تظهر بوادر الصراع إلا مع الهجرة الثانية في عشرينيات القرن الماضي عندما بدأت تظهر سياسات الاقتلاع والقوة والسيطرة على الأرض ومحاولة نفي صاحب الأرض والحيلولة دون قيام الدولة الواحدة، فكان يفترض ان نظام الانتداب البريطاني الذي فرض على فلسطين كما بقية الدول العربية الأخرى أن يكون هدفه العمل على قيام الدولة الواحدة لكل ساكني فلسطين لكن الهدف كان تنفيذ وعد بلفور وتحقيق هدف التحالف الصهيوني الاستعماري بقيام الوطن القومي اليهودي والمقصود من وقتها قيام الدولة اليهودية او دولة الكل اليهودي.
والسؤال هنا كيف يمكن أن تقوم إلا على حساب عدم قيام الدولة الفلسطينية وعلى حساب السيطرة على الأرض وتهجير سكانها. هذا ملخص تاريخ ما حدث، وهذا ما يفسر لنا استمرار الصراع والعنف والحروب بين من له حق في أرضه وبين من يريد ان يفرض دولته بترديد أساطير وسرديات ثبت فشلها كأرض الميعاد وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض والأرض الموعودة.
هذا الفشل تجسده الحرب الآن على غزة. فلا بديل للحرب إلا بالحل السياسي الذي يعترف بالفلسطينيين كشعب له حقوقه الثابتة تاريخيا والمدعومة دوليا، وبقيام دولتهم المعترف بها من قبل 139 دولة ولها صفة المراقب في الأمم المتحدة وحقهم في تقرير مصيرهم. وكما يقول جورج كليمنصو رئيس الوزراء الفرنسي أن صناعة السلام أصعب من صناعة الحرب، فالحرب تقوم بقرار نخبة من العسكر والساسة أما السلام فهو قرار شعب.
وكما يقول الفيلسوف أفيشاي مارجليت: يجب الحكم بتسوياتنا أكثر من أفكارنا ومعاييرنا، الأفكار تخبر عما يجب أن نكون والتسويات تخبرنا من نحن. ولعل ما قاله اللورد البريطاني بيتر هيني وهو وزير سابق للشرق الأوسط: إن المفاوضات الصعبة ستحقق ما لا تستطيع القنابل تحقيقه. فإسرائيل لن تستطيع تدمير «حماس» واقتلاع جذورها فهي حركة أيدولوجية، ومنغرسة في شعبها.
ويضيف أن الدروس المستفادة من جميع الصراعات الحديثة يجب أن يكون هو أن فشل الأقوياء في إنهاء الظلم والتفاوض على حل، يولد التطرف، وعندما لا تنجح السياسة فإن العنف يملأ الفراغ. وعليه لا يوجد حل غير الحل السياسي وأساسه إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية السلمية المدنية والبحث عن صيغ للتعايش تفرضها الأرض الواحدة والتداخل السكاني والاعتماد المتبادل اقتصاديا. لا يمكن تدمير إسرائيل عسكريا، ولا يمكن دفن القضية عسكريا. ولا يمكن لإسرائيل تحقيق الأمن إلا بالأمن الفلسطيني. هذا ما أثبته تاريخ الصراع والحروب، وما أثبتته الحرب الآن على غزة. فالبديل للحل السلمي العنف وانتشار الكراهية والحقد والعنصرية والاستعلاء القومي.
ولعل ما كتبه الفيلسوف الصيني آمارتا صن ينطبق على العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية، حيث يفسر لنا لماذا الحرب والصراع في كتابه الهوية والعنف، بقوله: أن العنف هو نتائج للآثار المروعة لتصغير الناس. هذا الكلام ينطبق على العقلية الصهيونية اليوم من حيث النظر بعدم الاعتراف بالفلسطينيين على انهم شعب وهذا ما يردده نتنياهو نفسه الذي يستخدم بدلا من كلمة شعب كلمة السكان. هذه العقلية تقف وراء أي حل سياسي ونتيجتها الحرب والقتل والتدمير.
ويبقى ان الفلسطينيين كما هم في حاجة للحل السياسي إسرائيل أيضا في حاجة لهذا الحل والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال، ونبذ العنف وإحلال قيم التسامح والتعايش المتبادل. ومسؤولية الحل السياسي مسؤولية دول السلام ومسؤولية الأمم المتحدة.
{ أكاديمي فلسطيني مختص
في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك