سلط نائب رئيس «مجلس العلاقات الخارجية»، الأمريكي، «جيمس ليندسي»، الضوء على كيف سيشهد عام 2024، «أهم الفترات الانتخابية»، حول العالم، حيث يتوجه أكثر من مليار مواطن من دول متفرقة إلى صناديق الاقتراع الوطنية على مدار السنة. وبالفعل، شهد شهر يناير انتخاب حكومة تايوانية جديدة، الأمر الذي قد يغير الديناميكيات السياسية في شرق آسيا، وفي أماكن أخرى، فيما سيتعين على الأحزاب الحاكمة في المملكة المتحدة، وباكستان، والهند، وإندونيسيا، والمكسيك، وجنوب إفريقيا، أن تدلي بأصواتها في الدوائر الانتخابية المعنية لها.
ومع ذلك، أكد «ليندسي»، أن انتخابات الرئاسة الأمريكية – المقرر إجراؤها في نوفمبر – ستكون «الأهم في 2024»، حيث سيتنافس فيها الرئيس الحالي «جو بايدن»، والسابق «دونالد ترامب»، بالإضافة إلى تحديد السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب، مشيرا في هذا الصدد، إلى تهديد إرث التصويت الفوضوي، والمثير للانقسام عام 2020 بين «بايدن»، و«ترامب»، عندما رفض الأخير قبول النتيجة واقتحم مؤيدوه مبنى «الكابيتول»، ما أدى إلى تقويض سمعة الديمقراطية الأمريكية بشكل كبير.
وعلى الرغم من أن الرئيس السابق لا يزال يواجه تهمًا جنائية متعددة، وشكوكا حول شرعية عودته إلى البيت الأبيض؛ فإنه سيخوض الانتخابات الرئاسية القادمة. ومنذ هزيمته الانتخابية، احتفظ بقاعدة دعم قوية من الحزب الجمهوري، وانعكس ذلك في فوزه الكاسح في أول انتخابات للحزب لعام 2024، في ولاية «أيوا». وأوضح «رونالد براونشتاين»، في مجلة «أتلانتيك»، أنه «سحق» أقرب منافسيه. ووفقاً لـ«أنطوني زورشر»، من شبكة «بي بي سي»، فإن هذا الفوز يجعله مرشح الجمهوريين «بقوة»، ما لم يتم استبعاده قانونيا.
من جانبه، حذر «ليندسي»، من احتمالية إجراء انتخابات رئاسية أخرى مثيرة للانقسام، يمكن أن «تؤدي إلى زوال الديمقراطية الأمريكية، وقلب النظام العالمي رأسا على عقب»، بالإضافة إلى تداعياتها الدولية الواضحة، ليس فقط على حلفاء «واشنطن»، وشركائها، ولكن أيضًا على خصومها، الذين قد يواجهون قريبًا ترامب وشخصيته التي لا يمكن التنبؤ بها مرة أخرى.
ولم يكن فوز الرئيس السابق في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية «أيوا»، «مفاجئًا»، حيث كان يتقدم بفارق كبير في استطلاعات الرأي قبل أشهر من التصويت. ومع ذلك، رأى «أنطوني زورشر»، أن نجاحه كان «تاريخيًا»؛ نظرًا لأن نسبة فوزه التي تقترب من 30% تفوق بكثير نسبة فوز أي مرشح في الولاية من قبل. وحصل المنافسان الرئيسيان «رون ديسانتيس»، و«نيكي هيلي»، على 21% و19% على التوالي من أصوات الناخبين الجمهوريين في الولاية، وهو أقل بكثير من نسبة 51% التي حصل عليها «ترامب»، ما جعل المعلقين يتوقعون وجوده على بطاقة الاقتراع الجمهورية في نوفمبر.
وقيَّم «بنجامين ويلز»، في صحيفة «نيويوركر»، جهود «ترامب»، قبل الانتخابات التمهيدية، مؤكدًا أنه «لم يبذل جهدًا خاصًا من أجل ولاية «أيوا»، غير أنه سعى خلال عام 2023، للتأكد من أن الانتخابات التمهيدية ستكون منظمة حوله»، من خلال رفض حضور المناظرات التلفزيونية، وإقناع المسؤولين الجمهوريين «بتعديل قواعد الانتخابات التمهيدية، والمؤتمرات الحزبية، لجعلها أكثر ملاءمة له»، واستخدام الدعاوى القضائية العديدة التي رفعها «كوسيلة لتضخيم مكانته كضحية». وفي نهاية المطاف، أثبت هذا النهج نجاحه داخل الحزب الجمهوري. وأشار «رونالد براونشتاين»، إلى فوزه «بأصوات الرجال والنساء بشكل مريح»، كذلك «ما يقرب من نصف الناخبين في كل من المناطق الحضرية والضواحي، فضلًا عن الأغلبية في المناطق الريفية». وكما كان الحال في عام 2016، فإنه يواجه «مقاومة كبيرة من الناخبين من خريجي الجامعات».
ومع نجاحه في تجاوز أي منافس جمهوري له بسهولة؛ أشار «ويلز»، إلى الظروف المحيطة بحملة ترامب، حيث «يبدو غارقًا في تفاصيل قضاياه الجنائية»، و«مصرا على أن الفوز عام 2020 سُرق منه»، والدليل على ذلك، إدانته بعد فوزه في ولاية «أيوا»؛ «المتلاعبين الذين يواصلون التآمر ضده»، ما يعد دليلا أيضا على توقع حملة أخرى مثيرة للانقسام.
وعلى الرغم من أن «زورشر»، أوضح أن الديمقراطيين «يرحبون بالمواجهة، والفرصة لاستغلال ما يعتبرونه نقاط ضعف لدى ترامب»؛ فإن أحدث استطلاعات الرأي، يؤكد حدوث منافسة متقاربة أخرى، قد تغير المؤسسة السياسية الأمريكية، مثلما حدث عام 2016. ووفقا لاستطلاع مؤسسة «غالوب»، فإن نسب تأييد «بايدن»، و«ترامب»، «تبدو متساوية»، بين الناخبين، مع تمتع الأخير بميزة تصنيف أفضلية تبلغ 42%، مقابل 41% للأول. وأشارت استطلاعات الرأي، إلى انخفاض تصنيف تأييد «بايدن»، بأكثر من 15% منذ عامه الأول في منصبه، مع انخفاض شعبيته بين الناخبين الأصغر سنا والأقليات. ووجد استطلاع مجلة «الإيكونوميست»، وشركة «يوجوف»، أن المزيد من الأمريكيين يعتقدون حاليًا أن «ترامب»، سينتصر في نوفمبر، حيث يميل بنسبة (44%)، إلى الفوز أكثر من الرئيس الحالي بنسبة (35%)، ومن بين الناخبين المستقلين، يعتقد 53% حاليًا أن فوزه هو النتيجة الأكثر ترجيحًا.
ووفقا للعديد من المحللين، فإنه من المرجح أن تكون انتخابات نوفمبر الرئاسية، «مثيرة للجدال»، في ضوء إصرار «ترامب»، وأنصاره على أن النصر في التصويت عام 2020، سُرق منهم. ووفقا لشبكة «سي بي إس»، فإن أكثر من 90% من ناخبيه مقتنعون بأنه الفائز الفعلي في الانتخابات السابقة. ومع إشارة «مايكل أبراموفيتز»، من منظمة «فريدم هاوس»، إلى كيف عانت «واشنطن»، من «التآكل الديمقراطي»، حيث بات «الاستقطاب الحزبي، وإنكار الانتخابات، وتزايد عدم الثقة في المؤسسات العامة»؛ هي الديناميكيات المهيمنة؛ فإنه لا يمكن التقليل من أهمية استغلال حملة ترامب لهذه العوامل أكثر من حملة بايدن.
وفي ضوء هذه التقييمات، فإن الخطاب المتعلق بالانتخابات الرئاسية لعام 2024، يزداد تعقيدا؛ بسبب احتمالات حرمان «ترامب»، من الترشح للرئاسة مرة أخرى. وأوضحت شبكة «بي بي سي»، أن القضية تتوقف على «ما إذا كان التعديل الدستوري الذي يعود إلى حقبة الحرب الأهلية يجعله غير مؤهل للترشح». وبحسب العديد من المعلقين؛ فإن تحريضه على اقتحام مبنى الكونجرس في يناير2021؛ ينتهك التعديل الرابع عشر للدستور الأمريكي، الذي يحظر على أي شخص تورط في «تمرد أو عصيان مسلح»، من تولي منصب سياسي في المستقبل.
وبالفعل، استبعدت ولايتا؛ «كولورادو»، و«مين»، «ترامب» من الاقتراع الرئاسي القادم؛ بسبب بنودهما الدستورية المتعلقة بالتمرد؛ لكن ولايتي «ميشيغان»، و«مينيسوتا»، رفضتا محاولات عزله. وفي الوقت الحالي، تدخلت «المحكمة العليا»، لتقرر ما إذا كان يمكنه الترشح في نوفمبر. وبالنظر إلى عدم توجيه اتهامات جنائية له تتعلق بأعمال الشغب في الكابيتول وكيف أنه قام شخصيا بتعيين ثلاثة من الأعضاء التسعة في المحكمة «العليا»؛ فمن المتوقع « ألا تقف المحكمة حائلا أمام ترشحه مرة أخرى». ووفقا لـ«براونشتاين»، فإن ما يقرب من ثلثي الناخبين الجمهوريين، عندما سئلوا عما إذا كانوا سيصوتون لصالحه، إذا أدين بارتكاب جريمة جنائية، فقد أكدوا أنهم سيفعلون ذلك، وهو الأمر الذي اعتبره «دليلا على مدى قوته داخل الحزب الجمهوري».
وحتى لو لم تكن الإدانة الجنائية كافية لمنع إعادة انتخاب «ترامب»، فإن تأثيرات عودته ستكون «واضحة» على السمعة الدولية للولايات المتحدة. وأشارت «ليزلي فينجاموري»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، إلى «مدى قلق حلفاء واشنطن وشركائها من احتمال عودته إلى البيت الأبيض. وعلى الرغم من استشهادها باعتقاد العديد من المراقبين، أن الاختلافات في السياسة الخارجية بين «بايدن»، و«ترامب»، «أمر ثانوي»؛ نظرًا لاتباع كل منهما «لأجندة حمائية»؛ فقد أوضحت أن هذه الاختلافات تنحصر فحسب في «أساليبهما المتناقضة في القيادة والأساليب الدبلوماسية».
من جانبه، رأى «غراهام آليسون»، في مجلة «فورين أفيرز»، أن قادة العالم «بدأوا يتفهمون حقيقة أنه بعد عام من الآن»، قد يعود ترامب إلى البيت الأبيض، رغم أن هذا سيؤدي إلى «خطوات واضحة نحو الانعزالية». ومع ذلك أشار «فريدريك كيمبي»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن الدبلوماسيين حول العالم «يتوقون للقاء أي شخص قد يكون الأكثر تأثيرًا في الإدارة الأمريكية الجمهورية المرتقبة»، لحماية مصالحهم السياسية والاقتصادية الوطنية.
وبالنسبة للشرق الأوسط، من المتوقع أن يكون لمسار الانتخابات الرئاسية لعام 2024، «تأثير كبير» على المنطقة. وعلى الرغم من أن «فينجاموري»، رأت أن «نفاق الولايات المتحدة»؛ بسبب «تبنيها مجموعة من المعايير الدولية المزدوجة»، وأبرزها دعمها «القوي لإسرائيل»، قد أدى إلى «تفاقم المشاعر المناهضة لها حول العالم؛ فإنه سيكون هناك حاجة من قبل «بايدن»، و«ترامب»، لجذب الناخبين محليًا عن طريق إطلاق بيانات أكثر انحيازًا لدعم إسرائيل، فضلاً عن تهديدها المتزايد بالقيام بعمل عسكري ضد إيران ووكلائها، حتى على حساب تفاقم الأزمة والاستقرار في المنطقة.
على العموم، على الرغم أن محاولة «ترامب»، لاستعادة البيت الأبيض، لا تزال تعوقها مشاكله القانونية، وسياساته المثيرة للانقسام؛ فقد رأى «براونشتاين»، أن هذه الأمور «قد يتم التغلب عليها في الأيام القادمة». وفي الوقت الحالي «أظهر عرضًا مهيبًا لقوته»، داخل الحزب، الذي أعاد تشكيل آرائه وفق سماته التي تكاد تقترب من نزعاته العدوانية. وفي حين أشار البعض إلى استبعاد فرصه؛ فقد حذر «زورشر»، من أن «سلسلة من الانتصارات المهيمنة» له من جانب أصوات الجمهوريين، ستمنحه «أجواء الانتصار»، مما يعني أنه بحلول نوفمبر القادم، «قد يثبت أنه»، «خصمًا أكثر شراسة»، مما يعتقد خصومه.
وكما أشارت «فينجاموري»، فإن الانتخابات الرئاسية لعام 2024، «يمكن أن تكون واحدة من أكثر الانتخابات أهمية»، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة ومكانتها العالمية؛ ولكن بالنسبة لبقية العالم أيضًا، ووفقًا لما ذكره «كيمبي»، فإن المناورات السياسية التي قد ينتهجها «بايدن»، و«ترامب»، لجذب الناخبين، قد تهدد بتقويض الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وفرض تغييرات كبرى في الدور السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك