العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الغرب وديمقراطيته.. كان صرحًا من خيال فهوى

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٢١ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

بعض‭ ‬منا،‭ ‬يتحدثون‭ ‬بألسنتنا،‭ ‬ويلبسون‭ ‬ملابسنا،‭ ‬ولكنهم‭ ‬عندما‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬الصلاة‭ ‬والسجود‭ ‬فإنهم‭ ‬يدخلون‭ ‬محاريب‭ ‬الشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬فيُصلون‭ ‬ويسجدون‭ ‬هناك،‭ ‬ويطلبون‭ ‬منهم‭ ‬الغفران‭ ‬والمنح‭ ‬والعطايا‭.‬

في‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬وحتى‭ ‬الثمانينيات‭ ‬كانت‭ ‬دول‭ ‬الشرق‭ ‬الاشتراكي‭ ‬تمثل‭ ‬الأيقونة‭ ‬الثورية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فكان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭ ‬‭ ‬من‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬يصلون‭ ‬في‭ ‬محاريبها،‭ ‬حتى‭ ‬هوت‭ ‬الأسطورة‭ ‬وتدمر‭ ‬كل‭ ‬الكيان‭ ‬المادي‭ ‬الهش،‭ ‬ولكن‭ ‬للأسف‭ ‬مازال‭ ‬الكثير‭ ‬منا‭ ‬يرفض‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المعابد‭.‬

حينها،‭ ‬برز‭ ‬الغرب‭ ‬ككيان‭ ‬واحد‭ ‬أوحد‭ ‬يسيطر‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬فانبهر‭ ‬بالغرب‭ ‬وحضارته‭ ‬وعلومه‭ ‬وديمقراطيته‭ ‬سواد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين،‭ ‬فتنادوا‭ ‬إلى‭ ‬محاريب‭ ‬الغرب‭ ‬لأداء‭ ‬الصلاة‭ ‬والسجود‭ ‬وطلب‭ ‬المغفرة،‭ ‬ومنذ‭ ‬سقوط‭ ‬الشرق‭ ‬وانتهاء‭ ‬وجوده‭ ‬أصبح‭ ‬الغرب‭ ‬قبلة‭ ‬لهم‭.‬

ولكن‭ ‬من‭ ‬جهته،‭ ‬كان‭ ‬الغرب‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬بنظرة‭ ‬مختلفة،‭ ‬بنظرة‭ ‬الذئب‭ ‬الذي‭ ‬يراقب‭ ‬الشياه‭ ‬في‭ ‬السهول،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬تحاول‭ ‬إحدى‭ ‬الشياه‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬عن‭ ‬القطيع‭ ‬حتى‭ ‬يهجم‭ ‬عليها،‭ ‬إما‭ ‬أنه‭ ‬يأكلها‭ ‬أو‭ ‬تنتبه‭ ‬إلى‭ ‬نفسها‭ ‬فتعود‭ ‬إلى‭ ‬القطيع،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يسبقها‭ ‬فيقطعها‭ ‬إربًا‭ ‬ويفصل‭ ‬أعضاءها‭ ‬ويفتت‭ ‬جسدها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬القطيع‭ ‬خاضعًا‭ ‬لسلطته‭ ‬ساكنًا‭ ‬يأكل‭ ‬ويشرب‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أي‭ ‬تفكير‭ ‬أو‭ ‬طلب‭ ‬للحرية‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬سلطته‭.‬

ومن‭ ‬أجل‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬تمردت‭ ‬أو‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬التمرد،‭ ‬فإنه‭ ‬يحرك‭ ‬جيوشه‭ ‬ومعداته‭ ‬العسكرية‭ ‬وينادي‭ ‬بأعلى‭ ‬صوته،‭ ‬‮«‬تلك‭ ‬الحكومات‭ ‬دكتاتورية‭ ‬ولا‭ ‬ترغب‭ ‬للشعوب‭ ‬بالحرية،‭ ‬ونحن‭ ‬من‭ ‬سيفك‭ ‬قيد‭ ‬الشعوب‭ ‬ويحررها‭ ‬ويمنحها‭ ‬الحرية‭ ‬والديمقراطية‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬يأتي‭ ‬بأساطيله‭ ‬الجرارة‭ ‬ليدمر‭ ‬ويضع‭ ‬الجميع‭ ‬تحت‭ ‬جناحه،‭ ‬فلا‭ ‬شعب‭ ‬أخذ‭ ‬حرية‭ ‬ولا‭ ‬إنسان‭ ‬شعر‭ ‬بالسعادة،‭ ‬فالجميع‭ ‬ارتبط‭ ‬بالدولار‭ ‬وبالوهم‭.‬

كل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬ورقة‭ ‬التوت،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تُخفي‭ ‬خلفها‭ ‬أبشع‭ ‬صورة‭ ‬لدول‭ ‬ورغبات‭ ‬استعمارية،‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬سيطرتها‭ ‬المادية‭ ‬والدموية‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬سقطت‭ ‬فيه‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‭ ‬تلك،‭ ‬وهو‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬حينما‭ ‬تبين‭ ‬للعالم‭ ‬أجمع‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬حتى‭ ‬ليست‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬تدعي،‭ ‬فالأمور‭ ‬لديها‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬أوراق‭ ‬هشة‭ ‬بالية‭ ‬تخفي‭ ‬تحتها‭ ‬أكواما‭ ‬من‭ ‬الانحطاط‭ ‬والرماد‭ ‬والركام‭ ‬البالي‭.‬

بعد‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬اكتشفت‭ ‬شعوب‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬نفسها،‭ ‬أن‭ ‬دولهم‭ ‬تخدعهم‭ ‬بشأن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬فخرج‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬يطالبون‭ ‬بوقف‭ ‬المجازر‭ ‬والمذابح‭ ‬التي‭ ‬تطول‭ ‬المدنيين‭ ‬العزل،‭ ‬وطالبوا‭ ‬بوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬كانت‭ ‬الجماهير‭ ‬تتدفق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬استثناء،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬الحكومات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ديمقراطية‭ ‬أعلنت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الأمر‭ ‬أنها‭ ‬ستعتقل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تسول‭ ‬له‭ ‬نفسه‭ ‬الخروج‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التظاهرات،‭ ‬ولكن‭ ‬الجماهير‭ ‬لم‭ ‬تسكت،‭ ‬فخرجت‭ ‬في‭ ‬مسيرات‭ ‬ضخمة‭ ‬وكان‭ ‬موقفها‭ ‬واضحًا‭ ‬ولا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مواربة،‭ ‬ويومًا‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬الجماهير‭ ‬يزداد،‭ ‬واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬حوالي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬يوم‭ ‬من‭ (‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الحياة‭) ‬هل‭ ‬استجابت‭ ‬حكومات‭ ‬الغرب‭ ‬لمطالب‭ ‬شعوبها؟‭ ‬ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسمى‭ ‬هذا؟‭  ‬

هل‭ ‬هذه‭ ‬دكتاتورية‭ ‬أم‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬أم‭ ‬ديمقراطية‭ ‬مغلفة‭ ‬بغلاف‭ ‬الدكتاتورية،‭ ‬أم‭ ‬العكس؟‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭.‬

ونحن‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬نتحدث‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬الغرب‭ ‬وأوروبا،‭ ‬وإنما‭ ‬حتى‭ ‬ذلك‭ ‬الكيان‭ ‬المحتل‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬الدولة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬يحدث‭ ‬فيها‭ ‬نفس‭ ‬الأمر،‭ ‬إذ‭ ‬تنقل‭ ‬الينا‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬المختلفة‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المسيرات‭ ‬والتظاهرات‭ ‬التي‭ ‬تطالب‭ ‬قيادة‭ ‬ذلك‭ ‬الاحتلال‭ ‬بإنهاء‭ ‬الاعتداء‭ ‬ووقف‭ ‬الحرب‭ ‬والسعي‭ ‬للمفاوضات‭ ‬لاسترجاع‭ ‬الأسرى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬القيادات‭ ‬الدموية‭ ‬متحجرة‭ ‬القلب‭ ‬تعالت‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأصوات‭ ‬وكل‭ ‬تلك‭ ‬الرغبات،‭ ‬واستمرت‭ ‬في‭ ‬غيها‭ ‬وعنجهيتها‭ ‬وصلفها‭ ‬ودكتاتوريتها‭ ‬ضاربة‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬عرض‭ ‬الحائط،‭ ‬غير‭ ‬عابئة‭ ‬برغبات‭ ‬الشعب‭ ‬والكلام‭ ‬الكثير‭ ‬الذي‭ ‬صدعوا‭ ‬به‭ ‬رؤوسنا‭ ‬طوال‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأعوام‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬فإن‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬بمختلف‭ ‬مستوياته‭ ‬لا‭ ‬يتطرق‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬الحرب‭ ‬والاعتداء‭ ‬والاحتلال‭ ‬وكأن‭ ‬الأمر‭ ‬قضية‭ ‬تافهة،‭ ‬وخلاف‭ ‬يمكن‭ ‬سحقه‭ ‬ببعض‭ ‬الرصاصات‭ ‬والقنابل‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬وإن‭ ‬تطرق‭ ‬إلى‭ ‬الموضوع‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬الإعلام‭ ‬العاهر‭ ‬ينقل‭ ‬الصورة‭ ‬بطريقة‭ ‬مغايرة‭ ‬تمامًا،‭ ‬بطريقة‭ ‬فجة‭ ‬وقحة،‭ ‬ويصور‭ ‬الحدث‭ ‬وكأن‭ ‬هناك‭ ‬جماعة‭ ‬إرهابية‭ ‬ظلامية‭ ‬تحاول‭ ‬المساس‭ ‬بصرح‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وتحاول‭ ‬تلك‭ ‬الجماعة‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬الحضارية‭ ‬إلى‭ ‬عهود‭ ‬الظلام،‭ ‬جماعة‭ ‬إرهابية‭ ‬تحركت‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬‭ ‬فقط‭ ‬‭ ‬لمحاربة‭ ‬التطور‭ ‬والحضارة‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬ذلك‭ ‬الإعلام‭ ‬يتجاهل‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬التاريخ‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬75‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬البطش‭ ‬والإرهاب‭ ‬والاحتلال‭ ‬والقتل‭ ‬وسفك‭ ‬الدماء،‭ ‬تحاول‭ ‬تلك‭ ‬الوسائل‭ ‬أن‭ ‬تطوي‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬التاريخ‭ ‬الدموي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الكم‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬والزيف‭ ‬وتحريف‭ ‬التاريخ‭. ‬

ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬بعض‭ ‬مقدمي‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬يرفضون‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬فإن‭ ‬استضافوا‭ ‬أحد‭ ‬المنصفين‭ ‬‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬مواطني‭ ‬الغرب‭ ‬‭ ‬فإنهم‭ ‬يهاجمونه‭ ‬وبقسوة‭ ‬وكأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يزيف‭ ‬الحقائق،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنهم‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬يزيفون‭ ‬الحقائق‭ ‬بطريقة‭ ‬فجة‭.‬

الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬لا‭ ‬ينقل‭ ‬الحقائق‭ ‬كما‭ ‬هي،‭ ‬ليترك‭ ‬الفرصة‭ ‬للشعوب‭ ‬باتخاذ‭ ‬قرارها‭ ‬وحدها،‭ ‬وإنما‭ ‬ينقل‭ ‬ما‭ ‬يرغب‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬طرحه‭ ‬ومن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬هو‭ ‬فقط،‭ ‬لذلك‭ ‬يغلف‭ ‬الحقائق‭ ‬بغلاف‭ ‬زائف‭ ‬وأباطيل‭ ‬ويدعي‭ ‬أنها‭ ‬حقائق‭. ‬ولكن‭ ‬الشعوب‭ ‬استطاعت‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة‭ ‬أن‭ ‬تخترق‭ ‬هذا‭ ‬الحظر‭ ‬الإعلامي‭ ‬الذي‭ ‬طوقه‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬والاحتلال‭ ‬على‭ ‬عقول‭ ‬الشعوب،‭ ‬فانطلقت‭ ‬لتوعية‭ ‬الشعوب‭ ‬وإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬المجردة،‭ ‬لذلك‭ ‬تحركت‭ ‬الشعوب‭ ‬رافضة‭ ‬هذا‭ ‬الطوق‭ ‬وهذا‭ ‬الزيف‭ ‬الإعلامي‭ ‬وهذه‭ ‬الأوهام‭.  ‬

مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬دكتاتورية‭ ‬أم‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬أم‭ ‬ديمقراطية‭ ‬مغلفة‭ ‬بغلاف‭ ‬الدكتاتورية،‭ ‬أم‭ ‬العكس؟‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭.‬

ثم‭ ‬نأتي‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬إلى‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬كلها‭ ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬استثناء،‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل،‭ ‬حقوق‭ ‬المرأة،‭ ‬حماية‭ ‬البيئة،‭ ‬منظمة‭ ‬الصحة،‭ ‬منظمة‭ ‬الزراعة‭ ‬والغذاء،‭ ‬اليونسكو‭ ‬وغيرها‭ ‬الكثير‭. ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬تعلن‭ ‬أن‭ ‬غزة‭ ‬تواجه‭ (‬خطرًا‭ ‬جسيمًا‭)‬،‭ ‬ولكن‭ ‬ماذا‭ ‬فعلوا‭ ‬لمواجهة‭ ‬ذلك؟

وقفت‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬تتفرج،‭ ‬وتسجل‭ ‬مواقف‭ ‬في‭ ‬ورق‭ ‬وتسرد‭ ‬الأحداث‭ ‬فقط،‭ ‬وتعلن‭ ‬أعداد‭ ‬الوفيات‭ ‬والانتهاكات،‭ ‬والدمار،‭ ‬وكأن‭ ‬الذين‭ ‬يموتون‭ ‬وتصعد‭ ‬أرواحهم‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬مجرد‭ ‬أرقام‭ ‬وليسوا‭ ‬بشرًا‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭. ‬الجدير‭ ‬بالذكر‭ ‬انها‭ ‬كانت‭ ‬تسجل‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الانتهاكات‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬مكيفة‭ ‬مغلقة،‭ ‬ويشاهدون‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الفضائيات،‭ ‬ولم‭ ‬تتجرأ‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬أن‭ ‬تحرك‭ ‬حشودها‭ ‬لتقترب‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬الحدث،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬ميزانياتها‭ ‬كلها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬مساهمات‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭. ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬وقفت‭ ‬تنتظر‭ ‬الإشارة‭ ‬الخضراء‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬استعمارية‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬الإنسان،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تتحرك،‭ ‬ومازالت‭ ‬تنتظر‭.‬

هل‭ ‬هذا‭ ‬التحكم‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬أنها‭ ‬دول‭ ‬عظمى‭ ‬بمصائر‭ ‬البشر،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قطع‭ ‬أذرع‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬أنشئت‭ ‬إلا‭ ‬لمساعدة‭ ‬الشعوب‭ ‬الذين‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬مساعدة،‭ ‬يعتبر‭ ‬منصفًا؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬دورها‭ ‬ووظيفتها‭ ‬أن‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬المكاتب‭ ‬تهدد‭ ‬وتتوعد‭ ‬وتندد،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬يطير‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬كما‭ ‬يطير‭ ‬الدخان‭ ‬عندما‭ ‬تفتح‭ ‬النوافذ؟

مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬دكتاتورية‭ ‬أم‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬أم‭ ‬ديمقراطية‭ ‬مغلفة‭ ‬بغلاف‭ ‬الديكتاتورية،‭ ‬أم‭ ‬العكس؟‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭.‬

والآن،‭ ‬وصل‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬ألا‭ ‬توجد‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬تتحكم‭ ‬فيها‭ ‬وفي‭ ‬قراراتها،‭ ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬سيحدث؟‭ ‬هل‭ ‬ستنصاع‭ ‬هذه‭ ‬المحكمة‭ ‬للقوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الاحتلالية‭ ‬وتلوي‭ ‬عنق‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فيصدر‭ ‬القرار‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الاحتلال‭ ‬لم‭ ‬تقتل‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وفلسطين‭ ‬طيلة‭ ‬العقود‭ ‬الماضية؟‭ ‬أم‭ ‬ستنظر‭ ‬للحقيقة‭ ‬وستصدر‭ ‬القرار‭ ‬العادل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬تتنفس‭ ‬الشعوب‭ ‬الصعداء‭ ‬ولتتأكد‭ ‬هذه‭ ‬الشعوب‭ ‬أنه‭ ‬مازال‭ ‬في‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬مكان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينصف‭ ‬الضعيف‭ ‬مقابل‭ ‬القوة‭ ‬الهمجية‭.‬

ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب،‭ ‬وإنما‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬صدر‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬ينصف‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬وفلسطين‭ ‬هل‭ ‬ستنصاع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬التي‭ ‬يعتبر‭ ‬جيشها‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الجيوش‭ ‬التي‭ ‬تحارب‭ ‬بطريقة‭ ‬أخلاقية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائهم؟‭ ‬هل‭ ‬ستتوقف‭ ‬الحرب‭ ‬والدمار‭ ‬وقتل‭ ‬الحياة؟‭ ‬أم‭ ‬سيستمر‭ ‬المحتل‭ ‬والدول‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬غيها‭ ‬وغطرستها‭ ‬وعنجهيتها‭ ‬وصلفها‭ ‬ووحشيتها‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬أخلاق‭ ‬الحروب؟

وقبل‭ ‬أن‭ ‬أختم‭ ‬مقال‭ ‬اليوم‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أعتذر‭ ‬للشاعر‭ ‬العربي‭ ‬الكبير‭ ‬إبراهيم‭ ‬ناجي‭ ‬لأني‭ ‬استعرت‭ ‬من‭ ‬رائعته‭ (‬قصيدة‭ ‬الأطلال‭) ‬عنوان‭ ‬المقال،‭ ‬وقمت‭ ‬بربطها‭ ‬بالغرب‭ ‬وديمقراطيته‭ ‬المزعومة،‭ ‬ولكني‭ ‬بالفعل‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬أي‭ ‬تعبير‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬البيت‭ ‬الشعري‭ ‬للشاعر‭ ‬ناجي،‭ ‬فكأنه‭ ‬يصف‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الذي‭ ‬يدعي‭ ‬أنه‭ ‬رب‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحريات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الهيمنة‭ ‬مجرد‭ ‬خيال‭ ‬ووهم،‭ ‬وخيوط‭ ‬دخان‭ ‬تتطاير‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬مع‭ ‬رياح‭ ‬الحقائق‭.‬

وأخيرًا‭ ‬نقول‭ ‬للبشر‭ ‬من‭ ‬أمتنا‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يركعون‭ ‬ويسجدون‭ ‬في‭ ‬محاريب‭ ‬الشرق‭ ‬أو‭ ‬الغرب،‭ ‬نقول‭: ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬هذه‭ ‬الغفلة؟‭ ‬متى‭ ‬ستفيقون،‭ ‬وتحولون‭ ‬قبلتكم‭ ‬إلى‭ ‬الوجهة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أن‭ ‬تكون؟‭   ‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا