بدأت علاقتي بالصحافة عام 1976م، وهو العام نفسه الذي صدرت فيه صحيفة «أخبار الخليج»، وهذا يعني أن تاريخ ميلادي ككاتب هو نفس تاريخ ميلاد صحيفة «أخبار الخليج». ولقد أشار إلى ذلك الأستاذ لطفي نصر (رحمه الله تعالى) في الحوار الذي أجرته معه صحيفة «أخبار الخليج» عام (2019م) حين تحدث فيه عن صدور الصحيفة وعن الأسماء التي أسهمت في العمل والكتابة فيها، وذكر اسمي من بين هذه الأسماء رغم أنني لم أكن منتسبًا وظيفيًا إلى الصحيفة، ولكني من أوائل من أسهم في الكتابة فيها.
كانت البداية الحقيقية لانتسابي إلى صحيفة «أخبار الخليج» من خلال صفحة «بأقلام القراء» التي كان يشرف عليها الأستاذ سيد حجازي (رحمه الله تعالى)، وكنت واحدًا من المداومين على الكتابة حتى أن الأستاذ محمد العزب موسى مدير التحرير (رحمه الله تعالى) لفت نظره تردد اسمي في هذه الصفحة (بأقلام القراء) أكثر من مرة أسبوعيًا، ورأى في إصراري ومداومتي على ذلك مشروعا لكاتب في المستقبل، وهذا ما نقله الأستاذ حسن النعيمي (رحمه الله تعالى) عنه في الكلمة التي كتبها عن الأستاذ محمد العزب موسى عند وفاته رحمه الله تعالى، ولهذا طلب من الأستاذ سيد حجازي أن يراني الأستاذ العزب، فأخبرني بذلك، فلما قابلته وتحدثت إليه، وأثنى على كتاباتي في صفحة «بأقلام القراء» وعلى هذا الإصرار الذي يصدر عن إنسان محب للثقافة وللكتابة وقليل من المهتمين بالشأن الثقافي من يداومون عليه وبإصرار، ولهذا طلب مني أن أشارك في الكتابة في الصفحة الأخيرة من الصحيفة وأن أختار يوما في الأسبوع، فاخترت يوم الجمعة، فبدأت في تحرير صفحة «إسلاميات» وظللت أكتب فيها حتى توقفت بسبب تحول هذه اليوميات إلى خصومات شخصية بين كُتابها، فاضطر الأستاذ محمد العزب موسى إلى إلغاء هذه الصفحة، وطلب مني الأستاذ العزب أن أحرر صفحة إسلامية يوم الجمعة فوافقت وبدأت تحرير صفحة (في رحاب الإسلام)، ثم بعد ذلك تغير اسم الصفحة إلى (الملحق الإسلامي) وظل كذلك حتى طلبت إعفائي من الإشراف على تحرير الملحق، ولكن هذا لا يعني توقفي عن الكتابة في صفحة (قضايا وآراء) التي يشرف عليها الأستاذ عبدالمالك سالمان، وكنت أناقش فيها القضايا السياسية، والاجتماعية والثقافية من وجهة نظر إسلامية، والتي لا يتعرض لها الكثير من الكُتاب الذين يداومون على الكتابة في هذه الصفحة، وشعرت بالمسؤولية عن هذا الجانب، وعزمت على أن أسد ثغرة من ثغرات الإسلام، وأن أحرص ألا يؤتين الإسلام من قبلي، وأسأل الله تعالى أن يعينني على ذلك، وأن يسدد خطاي، إنه ولي ذلك سبحانه والقادر عليه جَل جلاله.
أما الصفحة التي قمت بتحريرها، والإشراف عليها في رمضان المبارك، فكانت صفحة (مع الصائمين) التي حاولت أن أعتذر عن تحريرها لعزوف شيوخ الدين عن المساهمة بكتابة المقالات إلا ما نذر، ومازال الأستاذ العزب يحاول إقناعي حتى قبلت وتوكلت على الله تعالى أن يعينني على هذا العمل، وخاصة حين رأيت من الأستاذ العزب هذا الاهتمام والحرص على ذلك.
هكذا ظللت مواظبًا على هذا حتى آخر يوم لي في الإشراف على الملحق الإسلامي الذي يصدر يوم الجمعة من كل أسبوع، وصفحة مع الصائمين في كل رمضان من كل عام، وتوقف كل ذلك في أواخر شهر أغسطس من عام 2023م.
أما الكتابة في صفحة (قضايا وآراء) فهي باقية، وستظل مستمرة ما دام هناك نَفَسٌ يتردد، وقدرة على الكتابة والإبداع، ولقد وجدت الكثير من الدعم والمساندة من الإخوة في «أخبار الخليج» رغم اختلافي مع الكثيرين منهم حول بعض القضايا، ورُبما هذا بسبب أني كنت متوازنًا في طرح القضايا ومناقشتها، وذلك بسبب الشعار الذي اخترته وهو: الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن انطلاقًا من قول الله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين». (النحل /125) وفي هذه الآية الكريمة الشيء الكثير من السماحة، ولين الجانب، والتغاضي عن الصغائر وألا تكون هذه الصغائر سببًا إلى الشحناء وتفرق الجماعة، وسرت على هذا المنوال حتى رأيت عزوف بعض شيوخ الدين عن المساهمة في الكتابة، والدعوة إلى الإسلام وتعاليمه من خلال المقالات الصحفية، وخاصة في صفحة (قضايا واراء) التي يشرف عليها الأستاذ عبدالمالك سالمان - كما قلت سابقًا - فشعرت بالمسؤولية عن تقصير هؤلاء الشيوخ رغم أني لا أنتمي إليهم من ناحية الدراسة الأكاديمية، ولا أحمل لقبًا علميًا، ولَمْ تكن لي قدم راسخة في العلوم الإسلامية يؤهلني لأن أخوض في بحر لجي لا أقدر على مغالبة أمواجه إلا بصعوبة بالغة، ولكني شعرت بكامل المسؤولية وعدم الاحتجاج بقلة العلم، وقلة حظي منه وأنا أستمع إلى دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم لا أستجيب لها وهو يقول: «بلغوا عني ولو آية..» رواه الإمام البخاري في صحيحه، ثم أتلو في خشوع قول الحق سبحانه وتعالى وهو يحرضنا على تدبر سور القرآن العظيم وآياته، وتلمس أسباب البلاغة والبيان فيه، يقول سبحانه: «ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر». (القمر / 17)، لم يقلها مرة ولا مرتين، بل قالها أربعًا في الآيات: (17، 22، 32، 40) مما يرفع الحرج عن كل من يحاول، ويجتهد في تدبر آيات الله تعالى وسوره سبحانه، وبعد أن كانت الدعوة إلى الإسلام، وبيان عظمته وسمو تعاليمه فرض كفاية إذًا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، صار فرض عين على كل من يقدر عليه ثم يفرط في القيام بما دعانا رسول الله (صلى الله عنه) إلى القيام به، ويسره الله تعالى علينا، ولهذا كنت كلما وجدت تقصيرًا أو قصور في جانب سارعت إلى سده وتلافيه قَدْر استطاعتي، وبقدر ما رزقني الله تعالى من نعمة العلم، ويبقى بعد ذلك واجب النصح والتسديد يقوم به العلماء وأصحاب التخصصات المختلفة، وفِي الإسلام العظيم لا يوجد إنسان فوق النقد والمحاسبة والتسديد إلا رسله الكرام المعصومون (صلوات الله وسلامه عليهم).
ودأبت بعد ذلك على أني كلما وجدت نقصًا أو تهاونًا في مكان سارعت إلى سده أو تلافيه من أجل أن تبرأ ذمتي أمام الله تعالى، وحتى لا يحاسبني الله تعالى يوم القيام على عدم إخراج زكاة ما وهبني سبحانه من علم وإن كان حظي منه قليلا.
وهكذا قضيت ما يربو على الأربعين عامًا من سنوات عمري مدافعًا عن الإسلام متدبرًا آياته وسوره، باحثًا عن غاياته ومقاصده في مظانها، ونعم المظان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك