أصدرت المؤسسات الاقتصادية، ووسائل الإعلام الرائدة في العالم تقديراتها وتوقعاتها المستقبلية بشأن الاقتصاد العالمي في عام 2024. وقَيّم والتر فريك، في مجلة هارفارد بزنس ريفيو، الأوضاع المالية الدولية، بقوله: يجري الأداء أفضل من المتوقع، ولكن تظل التوقعات الاقتصادية غير مؤكدة إلى حد كبير. في ظل أن العام الماضي، سيطرت محاولات التعافي من آثار جائحة كورونا، ومواجهة الحرب على أوكرانيا، فيما اندلعت حرب أخرى في الشرق الأوسط، والتي رأى روبن رايت، من مركز ويلسون، أن آثارها ستمتد على مستوى العالم.
وفي يناير 2024، أصدر البنك الدولي، تقريره الآفاق الاقتصادية العالمية، والذي حذر فيه من أن التوقعات الاقتصادية العالمية على المدى الطويل قاتمة، في ظل أن السنوات الخمس السابقة، سجلت أضعف أداء للنمو العالمي منذ التسعينيات، حيث سيكون هناك شخص من بين أربعة أشخاص في البلدان النامية أفقر مما كان عليه في عام 2020. فيما تنبأ بتأثر النمو المطرد لإجمالي الناتج المحلي في الشرق الأوسط؛ نتيجة الحرب المستمرة في غزة، وتصعيدها في أماكن أخرى؛ وتأثير ذلك على اقتصاد المنطقة على المدى الطويل بما فيها دول الخليج.
وبشكل عام، تعكس النتائج التي توصل إليها التقرير، حول المسار الاقتصادي المتوقع لعام 2024، نفس ما توصلت إليه تقديرات المؤسسات الأخرى، حيث توقع للاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء النمو بشكل أبطأ في عامي 2024 و2025، مما كانت عليه في العِقد الذي سبق جائحة كوفيد-19، مع انخفاض معدل النمو العالمي للعام الثالث على التوالي إلى 2.4%، بسبب الآثار المتأخرة والمستمرة للسياسة النقدية المتشددة، والظروف المالية المقيدة، وضعف التجارة والاستثمار العالميين. فيما توقع ارتفاعا في نمو الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات ذات الدخل المرتفع، بنسبة 1.3% فقط في عام 2024، أي أقل من الزيادات المتوقعة البالغة 4.0% و5.5% للبلدان المتوسطة والمنخفضة الدخل.
وتم إجراء تقييمات مماثلة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي توقعت نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.7% في عام 2024، ونمو بنسبة 3.0% في عام 2025. فيما توقعت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، التابعة للأمم المتحدة، أن يبلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي 2.4% في عام 2024.
ومن جانب مشابه، أفصحت بعض المؤسسات المالية عن مؤشرات أكثر إيجابية قليلا. وتوقع صندوق النقد الدولي، وصول النمو العالمي إلى 2.9% في عام 2024، وتحقيق زيادة بنسبة 2.6% في قيمة الاقتصاد العالمي. وذكر بنك جولدمان ساكس، أنه من المرجح أن يتفوق أداء الاقتصاد العالمي على التوقعات في عام 2024، فيما تسود حالة من التفاؤل بإمكانية أن تتجنب الاقتصادات الرائدة في العالم الركود؛ بفضل نمو الدخل الحقيقي وانخفاض التضخم.
ومع ذلك، أكد آخرون على التهديدات ونقاط الضعف على المدى الطويل. وحذرت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، من أن فترة طويلة من النمو المنخفض تلوح في الأفق، وأنه بالنسبة إلى البلدان المنخفضة الدخل؛ فإن التعافي الكامل من الخسائر الوبائية، يبقى بعيد المنال. وبالمثل، قدّر هنري كور، في صحيفة الإيكونوميست، أن الاقتصاد العالمي سيظل هشًا في عام 2024، حيث يواجه صناع السياسات الاقتصادية في كل من البلدان ذات الدخل المرتفع والمنخفض، عملية توازن مؤلمة لمواصلة تجنب مخاطر الركود، وتخفيف مستويات التضخم التي لا تزال مرتفعة. وفي حين وصف إندرميت جيل، من البنك الدولي، تقييم منظمته بأنه محبط، إلا أنه أكد أنه لا يزال هناك وقت قبل نهاية العِقد أمام الاقتصادات الناشئة، لتعويض بعض ما خسرته؛ وللقيام بذلك، يتحتم التحرك الآن.
وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أشارت المؤسسات المالية، إلى نمو اقتصادي مطرد بجميع أنحاء المنطقة، لكنها حذرت من تأثير التصعيد الإقليمي المستمر على المستقبل الاقتصادي للمنطقة. وتوقع البنك الدولي، أن ينمو اقتصاد المنطقة بنسبة 3.5% في عام 2024، وبنفس الهامش في عام 2025، بزيادة عن نموها المسجل بنسبة 1.9% عن عام 2023، ولكن أقل من 3.8 و5.8% المسجلة في عامي 2021 و2022. وفي حين أنه من المتوقع أن تستفيد البلدان المصدرة للنفط، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، من إنهاء تخفيضات إنتاجه، فإن البلدان المستوردة له ستواجه، تضخماً مرتفعاً بشكل مستمر. وبالمثل، توقع صندوق النقد الدولي، نمو الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بنسبة 3.4% هذا العام، مقارنة بنسبة 2% التي سجلها لعام 2023.
ومتطرقًا إلى دول مجلس التعاون، أشار البنك الدولي، إلى كيفية تباطؤ معدل النمو الاقتصادي بشكل حاد في عام 2023؛ بسبب انخفاض إنتاج النفط؛ لكن بما أن التهديدات الناجمة عن التضخم تم احتواؤها جيدًا، فقد توقع نموًا مشتركًا للناتج المحلي الإجمالي بمعدل 3.6% في عام 2024. وهو نفس ما توصلت إليه مؤسسة أكسفورد إيكونوميكس، بتوقعها معدل نمو أعلى قليلاً بنسبة 3.9%.
وعلى وجه الخصوص، تقود السعودية، النمو الاقتصادي الإقليمي، حيث توقع البنك، أن ينمو اقتصادها بنسبة 4.1% هذا العام، ثم بنسبة 4.2% في عام 2025، مع الاستثمارات غير المرتبطة بالنفط والمتعلقة بـ«رؤية 2030»، باعتبارها المحرك الرئيسي للنمو في المستقبل. فيما توقع أن ينمو اقتصاد الإمارات، بنسبة 3.7%؛ وقطر، بنسبة 2.5%، والكويت، بنسبة 2.6%؛ وسلطنة عُمان، بنسبة 2.7%، وقد صدرت أرقام مشابهة من قبل أكسفورد إيكونوميكس، ومن صندوق النقد الدولي.
وفي حالة البحرين، توقع البنك الدولي، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.3% في عام 2024، و3.2% في عام 2025، بزيادة عن نسبة 2.8% المسجلة عام 2023. وتوقع صندوق النقد الدولي، زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.6% في عام 2024. وسجلت وكالة فيتش سوليوشنز، آفاقًا مشرقة، لاقتصاد المملكة مع زيادة الإنفاق الاستهلاكي؛ جراء تنامي الصادرات وزيادة الاستثمارات.
علاوة على ذلك، توقعت المؤسسات الاقتصادية، أيضًا مستقبل سوق الطاقة العالمية. وأشار البنك الدولي، إلى العديد من التحديات خلال العام الجديد. فعلى الرغم من أن (أوبك+)، لديها حاليًا قدرة إنتاجية احتياطية تبلغ 5 ملايين برميل يوميًا، فإن لدى المصدرين الأخرين، مثل الولايات المتحدة، وإيران، قدرة على تعويض تخفيضات الإنتاج المطولة، ومع توقع أن يشهد الاقتصاد الصيني تباطؤًا، العام الجاري؛ فإنه يمكن اعتبار كل ذلك عوامل تتضافر لتوقع انخفاض أسعار النفط. وفيما يتعلق بأسعار الغاز الطبيعي، من المتوقع أيضًا أن تشهد انخفاضا. وأشار البنك، إلى كيف انخفضت الأسعار في عام 2023، بعد أن خفضت أوروبا طلبها على الطاقة التقليدية، ودعمت مخزوناتها، وعليه، من المتوقع أن تنخفض أسعاره مرة أخرى في عامي 2024 و2025.
ورغم تقدير معهد المحاسبين القانونيين، أن القطاعات غير النفطية ستستمر في دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي، في دول الخليج؛ فقد رأى تيم كالين، من معهد دول الخليج العربية، أنه سيتعين على الخبراء الاقتصاديين وصانعي السياسات في هذه الدول تقييم، ما إذا كان التباطؤ في نمو القطاعات غير النفطية وانخفاض الإنفاق الاستثماري، سيكون أمرا مؤقتًا، أم ذا أمد أطول، بالإضافة إلى ضرورة النظر في الآثار الاقتصادية للحرب في غزة، وتداعيات السياسة النقدية الأمريكية، وتأثير الإصلاحات المحلية بتلك الدول على مدار العام الجاري.
وفيما يتعلق أيضًا بسوق النفط العالمية؛ تم الاستشهاد بتصاعد التوترات في البحر الأحمر، كمصدر لعدم اليقين. وأكد البنك الدولي، أن الهجمات على السفن التجارية بدأت بالفعل في تعطيل طرق الشحن الرئيسية، وزادت من احتمال حدوث اختناقات تضخمية في التجارة العالمية. وحذر سايمون آدم، وليلي ميلارد، من شركة كابيتال إيكونوميكس، من أن التصعيد الملحوظ للصراع العسكري يمكن أن يعزز أسعار الطاقة نحو الارتفاع.
وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، توقع البنك، أن تشهد اقتصادات الجزائر، والأردن، ومصر، وليبيا، وتونس، والعراق، نموا في الناتج المحلي الإجمالي يتراوح بين 2.5 و4.2%، مع توقع نمو الاقتصاد الإيراني أيضا بنسبة 3.7%. ومع ذلك، توقع انهيار الناتج المحلي الإجمالي في كل من الضفة الغربية، وقطاع غزة بنسبة 6.0% على الأقل.
ومع ذلك، فإنه في ضوء إشارة البنك الدولي، إلى التهديدات الاقتصادية المتمثلة في الكيفية التي من المرجح أن تؤدي بها حرب طويلة الأمد، وواسعة النطاق إلى تقليل العائدات من السياحة، بالنسبة إلى البلدان التي تعتمد على هذا القطاع، فضلاً عن انخفاض مستويات رأس المال في المنطقة، وتقليل حجم الاستثمار، ومعدل الإنتاج، والتحدي المتمثل في موجة اللاجئين، التي تنتقل من مناطق الصراع إلى اقتصادات هشة بالفعل.
وبالإضافة إلى العوامل الأخرى التي قد تؤثر على دول الشرق الأوسط، والاقتصاد العالمي، مثل تراجع النمو بالتجارة العالمية، والصراعات الدولية، واستمرار حالة انعدام الأمن الغذائي؛ أشار البنك الدولي، إلى كيف كان نمو التجارة العالمية عام 2023، هو الأبطأ بالمقارنة مع فترات الركود العالمي على مدى الخمسين عامًا الماضية. ومع إلقاء اللوم على مستويات الإنتاج الصناعي العالمي الضعيفة، وتباطؤ نمو الخدمات التجارية العالمية؛ فإنه وفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، تقلصت التجارة العالمية بنسبة 5% في 2023، بقيمة 2 تريليون دولار. وعلى الرغم من أن البنك، قدر أن التجارة العالمية، سوف تنتعش بمعدل 2.3% هذا العام، ما زال الأونكتاد، يعتبر أن آفاقها أكثر تشاؤمية.
من ناحية أخرى، تظل قدرة الاقتصاد العالمي على الصمود في مواجهة المزيد من الصدمات أمرا مشكوكا فيه أيضًا. وعلى الرغم من أن البنك، قد سجل أنه خلال السنوات الماضية صمد العالم أمام وابل من الصدمات، وأن الاقتصادات الرائدة أثبتت مرونتها بشكل مدهش؛ إلا أن إدارة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية؛ حذرت من الكيفية التي يمكن بها لهذه المرونة الظاهرية، أن تخفي الكثير من المخاطر قصيرة المدى، ونقاط الضعف الهيكلية.
علاوة على ذلك، يشكل الأمن الغذائي أيضًا مصدر قلق مستمر بالنسبة للدول النامية والفقيرة، وتلك التي تعتمد على الواردات. وحذر البنك الدولي، من أن انعدام الأمن الغذائي لا يزال يشكل تحديا رئيسيا، وسط ارتفاع مستويات التضخم. ومع تزايد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في العالم، بنحو 300 مليون شخصًا بين عامي 2017 و2022، قدّر أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية الأساسية، من المرجح أن يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي. فيما حذر من أن المزيد من التصعيد في الشرق الأوسط، وما يقابله من عدم استقرار في قطاع الطاقة العالمي؛ يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج الغذاء، وبالتالي تفاقم حالة انعدام الأمن الغذائي أيضا.
على العموم، تشير تقييمات المؤسسات المالية الغربية، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومؤسسة أوكسفورد إيكونوميكس، إلى أنه في حين أن منطقة الشرق الأوسط، قد تشهد زيادة طفيفة في نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، فإن الشكوك حول احتمال نشوب حرب واسعة النطاق في المنطقة يمكن أن تقوض جميع التوقعات المحتملة.
وبالنسبة إلى دول الخليج، تشير التوقعات إلى حالة من الاستقرار الاقتصادي، رغم أن التحديات الماثلة أمام إدارة سوق النفط من قِبل تحالف (أوبك+)، والإشراف على تعزيز القطاعات غير النفطية، ستستمر كما هي مثلما حدث في عام 2023، بما في ذلك نمو الاقتصاد غير النفطي بالسعودية. وأشار كالين، إلى أنه في حين أن عام 2024 من غير المرجح أن يشهد نموًا مرتفعًا، في ضوء السعي لتنفيذ رؤية 2030، سيظل معدل النمو بنسبة تتراوح بين 3-4%، نتيجة إيجابية قائمة، وخاصة عند الأخذ في الاعتبار الأوضاع والتحديات العالمية الصعبة، التي تواجهها المنطقة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك