العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حرب الإبادة والحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف

بقلم: زياد غصن {

الجمعة ١٩ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

فيما‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬مشغولة‭ ‬بالتوافق‭ ‬داخلياً‭ ‬على‭ ‬ماهية‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يبدو‭ ‬واضحاً‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬سكان‭ ‬القطاع،‭ ‬ويمكن‭ ‬اختزاله‭ ‬بثلاثة‭ ‬حقوق‭ ‬رئيسية‭: ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مناطقهم‭ ‬ومنازلهم‭ ‬التي‭ ‬هجروا‭ ‬منها‭ ‬بفعل‭ ‬القصف‭ ‬الصهيوني‭ ‬الممنهج‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬الثلاثة‭ ‬الماضية،‭ ‬ورفع‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬والسماح‭ ‬بدخول‭ ‬المساعدات‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وبكميات‭ ‬كافية،‭ ‬وثالثاً‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬ما‭ ‬هدمته‭ ‬آلية‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬من‭ ‬تخاذل‭ ‬عالمي‭ ‬وتواطؤ‭ ‬غربي‭ ‬يطرح‭ ‬عدة‭ ‬تساؤلات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاوزها،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬قبيل‭: ‬من‭ ‬هي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ستضمن‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق؟‭ ‬وما‭ ‬موقف‭ ‬‮«‬تل‭ ‬أبيب»؟

بعد‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬100‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تضيف‭ ‬إليها‭ ‬يومياً‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الأبرياء،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬صورة‭ ‬الأطراف‭ ‬الفاعلة‭ ‬أو‭ ‬المؤثرة‭ ‬أو‭ ‬المعنية‭ ‬بتداعيات‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬باتت‭ ‬جلية‭:‬

‭-‬عجز‭ ‬عربي‭ ‬رسمي‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬العدوان،‭ ‬سواء‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التي‭ ‬تعدّ‭ ‬بمنزلة‭ ‬الشريك‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭.‬

‭-‬انحياز‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬وتأييدها‭ ‬المعلن‭ ‬لتل‭ ‬أبيب‭ ‬لم‭ ‬يمنع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬من‭ ‬إبداء‭ ‬مواقف‭ ‬لافتة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬قيام‭ ‬بعضها‭ ‬بقطع‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وسحب‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭ ‬لسفرائها،‭ ‬وتوجيه‭ ‬ثالثة‭ ‬انتقادات‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬ومطالبته‭ ‬بوقف‭ ‬عدوانه‭ ‬على‭ ‬غزة‭.‬

ولعل‭ ‬تحرك‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬الأخير‭ ‬نحو‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬متهمة‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬القيام‭ ‬بأعمال‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬يمثل‭ ‬أحدث‭ ‬تطور‭ ‬في‭ ‬المواقف‭ ‬الدولية‭ ‬المعارضة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭.‬

‭-‬تشكل‭ ‬رأي‭ ‬عالمي‭ ‬مطالب‭ ‬بوقف‭ ‬العدوان‭ ‬الحالي،‭ ‬وأيضاً‭ ‬مساند‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬رغم‭ ‬الانحياز‭ ‬والتأييد‭ ‬الإعلامي‭ ‬والسياسي‭ ‬الغربي‭ ‬للعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬وقد‭ ‬تبلور‭ ‬هذا‭ ‬الرأي‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تظاهرات‭ ‬التأييد‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬جابت‭ ‬معظم‭ ‬العواصم‭ ‬والمدن‭ ‬العالمية،‭ ‬وكذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومنصاتها،‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬معظمها،‭ ‬رغم‭ ‬القيود‭ ‬التي‭ ‬فرضتها‭ ‬بعض‭ ‬الشركات‭ ‬المالكة‭ ‬لها،‭ ‬وبفضل‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الناشطين‭ ‬وقادة‭ ‬الرأي،‭ ‬من‭ ‬مساندة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتعريف‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬بالمجازر‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

‭-‬فشل‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬للعدوان‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬رغم‭ ‬ارتكاب‭ ‬جيشها‭ ‬آلاف‭ ‬المجازر‭ ‬والدمار‭ ‬الهائل‭. ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الجيش‮»‬‭ ‬الصهيوني‭ ‬تكبد‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬تفوق‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التحمل‭ ‬والاستمرار‭ ‬لعدة‭ ‬أسابيع‭ ‬أو‭ ‬أشهر،‭ ‬كما‭ ‬يطرح‭ ‬مسؤولو‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭. ‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬يصبح‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬احتمال‭ ‬تحقق‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬الذي‭ ‬ينتظره‭ ‬سكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬أكثر‭ ‬ضرورة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬القطاع‭ ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬تلتها‭ ‬أي‭ ‬انفراجات‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬رفع‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬ما‭ ‬دمرته‭ ‬تلك‭ ‬الحروب؟

تختلف‭ ‬التوقعات‭ ‬حيال‭ ‬إمكانية‭ ‬استعادة‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬للعدوان‭ ‬حقوقهم‭ ‬الأساسية،‭ ‬والسبب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وجود‭ ‬عدة‭ ‬اعتبارات‭ ‬متعلقة‭ ‬جميعها‭ ‬بالعامل‭ ‬الخارجي‭:‬

أولاً،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المخطط‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬منذ‭ ‬اللحظات‭ ‬الأولى‭ ‬للعدوان‭ ‬كان‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تهجير‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬الأراضي‭ ‬العربية‭ ‬المحتلة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬صراحة‭ ‬وزراء‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬فإن‭ ‬صمود‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬ورفض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬نكبة‭ ‬جديدة‭ ‬أفشلا‭ ‬المخطط،‭ ‬بحيث‭ ‬إن‭ ‬مسألة‭ ‬السماح‭ ‬بعودة‭ ‬المهجرين‭ ‬إلى‭ ‬مناطقهم‭ ‬ومنازلهم‭ ‬باتت‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬الحراك‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أفصح‭ ‬عنه‭ ‬بوضوح‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬جولته‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

وأياً‭ ‬كانت‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬دعته‭ ‬إلى‭ ‬قول‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬حق‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬مناطقهم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قراراً‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬بحتاً،‭ ‬كما‭ ‬حاولت‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬فرضه‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬العدوان‭.‬

ثانياً،‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬مسألة‭ ‬رفع‭ ‬الحصار‭ ‬سهلة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬العدوان،‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬تدرك‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬الإجراء‭ ‬ستكون‭ ‬له‭ ‬تداعيات‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬القطاع‭ ‬اقتصادياً‭ ‬وديمغرافياً،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تخشاه‭ ‬وتعتبره‭ ‬تهديداً‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وإلا‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬جعلها‭ ‬تفرض‭ ‬ذلك‭ ‬الحصار‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2007؟‭ ‬وما‭ ‬الذي‭ ‬يجعلها‭ ‬اليوم‭ ‬تقبل‭ ‬تحمل‭ ‬فاتورة‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية‭ ‬والمادية؟

ثالثاً،‭ ‬توقف‭ ‬العدوان‭ ‬يشكل‭ ‬أولوية‭ ‬فلسطينية‭ ‬وإقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬إنما‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬تحديات‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬بشرية‭ ‬ومادية‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬تحدي‭ ‬تأمين‭ ‬التمويل‭ ‬اللازم‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬القطاع‭ ‬المدمر‭ ‬بنسبة‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬كاملة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المرافق‭ ‬الخدمية‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية،‭ ‬وبنسبة‭ ‬تتجاوز‭ ‬70%‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأبنية‭ ‬السكنية،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتوافر‭ ‬ما‭ ‬تتطلبه‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬من‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات؟

وكما‭ ‬هو‭ ‬متوقع،‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬ستربط،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أدنى‭ ‬شك،‭ ‬أي‭ ‬مساعدات‭ ‬تمويلية‭ ‬لإعادة‭ ‬الإعمار‭ ‬بالمسار‭ ‬السياسي‭ ‬ومستقبل‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬المؤهلة‭ ‬للتمويل‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬يرتبط‭ ‬بعلاقات‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬وبعلاقات‭ ‬متميزة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬

هنا،‭ ‬تبدو‭ ‬المشكلة‭ ‬الأبرز‭ ‬وهي‭ ‬ان‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬إعمار‭ ‬غزة‭ ‬يشترط‭ ‬إنهاء‭ ‬دور‭ ‬او‭ ‬وجود‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وتلبية‭ ‬الشروط‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬أي‭ ‬تشكيل‭ ‬خيارات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وفق‭ ‬الأجندات‭ ‬الغربية‭ ‬وحتى‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬الأوضاع‭ ‬تعقيدا‭.‬

{ كاتب‭ ‬صحفي‭ ‬سوري

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا