تُسارع دول الخليج الخطى للتحول إلى الطاقة النظيفة، مدفوعة بالضغوط المناخية التي أسفرت عن تبني «كوب 28»، تجاه التخفيض التدريجي لاستهلاك الوقود الأحفوري، ومواجهة مسؤوليته عن تزايد انبعاثات الغازات الدفيئة، ومن ثمّ، الاحتباس الحراري؛ وتمضي هذه الخطى في مسارين، الأول تحرير إنتاجها النفطي من الكربون، عن طريق تقنيات التقاطه وتخزينه، وإعادة استعماله، والثاني، زيادة إنتاجها من مصادر الطاقة الأخرى النظيفة؛ الغاز، الطاقة النووية، وطاقتي الشمس والرياح، والهيدروجين الأزرق والأخضر، والأمونيا.
وفي الإطار ذاته، تصدرت كل من السعودية، والإمارات، وقطر في مستهل 2024، قائمة دول العالم في احتياطيات الغاز الطبيعي، الذي يزداد الاهتمام به عالميًا، بصفته أقل انبعاثًا من بين أنواع الوقود الأحفوري الأخرى، باحتياطي في الأخيرة يبلغ 841.6 تريليون قدم مكعبة، وهي الرابعة عالميًا في الإنتاج، وثاني دول العالم في الاحتياطيات والتصدير. أما السعودية، فيبلغ احتياطيها 335.9 تريليون قدم مكعبة، وهي السادسة عالميًا من حيث الإنتاج. ويبلغ احتياطي الإمارات، 289.9 تريليون قدم مكعبة، بينما يبلغ احتياطي الكويت 63 تريليون قدم مكعبة، وسلطنة عُمان 24 تريليون قدم مكعبة، أما في مملكة البحرين فتتراوح ما بين 10 – 20 تريليون قدم مكعبة.
وتعمل كل دول الخليج على زيادة نصيب الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة، حتى تتمكن من تصدير أكبر كمية ممكنة من النفط، خاصة بعد أن تزايد الاستهلاك المحلي منه لدرجة كبيرة تجور على هذه الصادرات. ولا يظهر الغاز في الصادرات السعودية، لتغطية إنتاجه للاستهلاك المحلي، حتى غدت المملكة، على رأس قائمة الدول العربية استهلاكًا له، سواء لمحطات الكهرباء، أو لصناعة البتروكيماويات (السعودية الرابعة عالميًا في إنتاج البتروكيماويات). فيما تستهدف الاعتماد عليه في توليد الكهرباء بنسبة 50% في عام 2030، أما النصف الآخر، فيأتي من الطاقة المتجددة. وتستهدف الإمارات، تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز بحلول 2030، ورفع حصته في مزيج الطاقة إلى 38% بحلول 2050، فيما لا يزال إنتاج الكويت، والبحرين دون الاستهلاك، بينما نما استهلاك سلطنة عُمان، وقطر كما زادت صادراتهما.
وفي الطاقة المتجددة -التي يُنظر إليها على أنها العنصر الرئيسي في عالم خالي من الكربون- فإن دول الخليج قد قادت التحركات العربية فيها. وفي عام 2024، يدخل الاتفاق الذي وقعته شركة أكوا باور، السعودية مع شركة المياه والكهرباء بديل، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي في 2023، حيز التنفيذ، بـ3 محطات لإنتاج الطاقة الشمسية الكهروضوئية (الرس 2، سعد 2، الكهفة)، بطاقة 4.55 آلاف ميجاوات بكلفة استثمارية 3.25 مليارات دولار. وتسهم الكهرباء المولدة من تلك المحطات في تزويد نحو 750 ألف وحدة سكنية تقريبًا بالطاقة، يضاف إلى ذلك أكبر مشروعين للطاقة الشمسية الكهروضوئية (الشعيبة 1، والشعيبة 2)، باستثمارات 2.37 مليار دولار، ويبدأ التشغيل التجاري لهما في 2025، بسعة 2060 ميجاوات، وتوفر الكهرباء لنحو 350 ألف منزل، و4 مشروعات جديدة أخرى بطاقة إجمالية 3.7 آلاف ميجاوات (الصداوي، الحناكية، رابغ، المصنع)،
بالإضافة إلى ذلك، هناك اتفاقية تطوير موقعة بين شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، مصدر، وشركة آي دي أف رينو ويلز، وشركة نسما السعودية، لمحطة طاقة شمسية 1100 ميجاوات في السعودية، بمبلغ مليار دولار، توفر الكهرباء لأكثر من 190 ألف منزل، وتفادي انبعاثات كربونية 1.8 مليون طن سنويًا. وتقوم شركة تويوتا تسوشو، بالتعاون مع شركة توتال إنرجي، الفرنسية لبناء محطة طاقة شمسية بكلفة 100 مليون دولار، وبطاقة 119 ميجاوات، وتبدأ التشغيل التجاري في مارس 2025.
أما مشروعات طاقة الرياح، فقد طرحت السعودية، ثلاثة مشروعات تستهدف قدرة إنتاجية 1800 ميجاوات (700 في مدينة ينبع، 600 في محطة الغاط، و500 في مدينة وعد في الشمال). وفي الهيدروجين الأخضر، أعلنت في مايو 2023، عن بدء تنفيذ أكبر مصنع لإنتاجه في العالم، بكلفة 8.4 مليارات دولار، ويبدأ العمل به في 2024، من قبل شركة نيوم للهيدروجين الأخضر، بإنتاج يومي يصل إلى نحو 600 طن متري، يلبي الطلب المحلي في قطاع النقل، ويعزز صادراتها بـ2.9 مليون طن شهريًا بحلول 2030. وقبل أن ينتهي عام 2023، أعلن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان اعتزام المملكة بناء أول محطة للطاقة النووية، فيما تمتلك كمية هائلة من موارد اليورانيوم.
ومن خلال الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين، تستهدف الإمارات، تحقيق الريادة العالمية في إنتاج ذلك الوقود بحلول 2031، والاستحواذ على 25% من السوق العالمي. وفي نوفمبر الماضي، أعلنت السياسة العامة للهيدروجين الأخضر، مستهدفة واحتين إنتاج بحلول 2031، ترتفع إلى 5 في 2050، مع وصول الإنتاج السنوي إلى 1.4 مليون طن في 2031، فيما وقعت شركة أدنوك، مع شركاء أجانب عدة اتفاقات للتنفيذ. فيما تسعى إلى زيادة نسبة الطاقة النظيفة في إجمالي مزيج الطاقة إلى 30% بحلول 2030، بمقدار 19.8 جيجاوات، وتنفيذ مشروعات بقيمة 54.4 مليار دولار حتى ذلك العام. وفي العام الماضي، تم إطلاق برنامج طاقة الرياح في 4 مناطق، مستهدفة توليد 103.5 ميجاوات كهرباء، توفرها لأكثر من 23 ألف منزل. أما مجمع بن راشد للطاقة الشمسية، فيضيف عند اكتماله 5 آلاف ميجاوات في 2030، من وضعه الحالي 2627 ميجاوات.
واستمرارا لهذه الجهود، تم افتتاح محطة الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في عام 2023، بطاقة إنتاجية 2 جيجاوات، وهي أكبر محطة طاقة شمسية في موقع واحد عالميًا، هذا إضافة لمشروع الطاقة الشمسية المركزة في دبي بقدرة 1000 ميجاوات حتى عام 2030، ويتألف من آلاف المرايا العاكسة المرتبة في خطوط دائرية حول برج مركزي يستقبل ما تعكسه هذه المرايا، ويتتبع حركة الشمس، ويساهم عند اكتماله بخفض أكثر من 6.5 ملايين طن انبعاثات سنويًا.
وتعد شركة أبوظبي لطاقة المستقبل، مصدر، واحدة من أسرع شركات الطاقة المتجددة نموًا في العالم، وتنشط في أكثر من 40 دولة على 6 قارات، وتستثمر في مشروعات حول العالم، تبلغ قيمتها الإجمالية 30 مليار دولار. وكانت الإمارات قد أعلنت عن توفير 60% من احتياجات البلاد من الكهرباء من مصادر الطاقة النظيفة، وقبل أن ينتهي عام 2023 وقعت مع شركة تيرا باور، المملوكة لبيل جيتس، اتفاقًا لدراسة تطوير المفاعلات النووية، فيما تملك حاليًا محطة واحدة للطاقة النووية قرب أبوظبي، وبدأت في إنتاج الكهرباء في عام 2020 (محطة براكة)، ومن المقدر أن توفر 25% من احتياجاتها من الكهرباء.
وتدخل سلطنة عُمان، في سباق الريادة العالمية في الهيدروجين الأخضر. وخلال عام 2023، وقعت عددا من اتفاقيات الإنتاج والتصدير، حيث وقعت شركة أوكيو العُمانية، اتفاقًا مع شركة شل في تحالف مشروع عُمان للطاقة الخضراء. ويهدف المشروع عند اكتماله إلى إنتاج 1.8 مليون طن سنويًا. وفي مارس الماضي، نجحت في جذب 20 مليار دولار استثمارات في إنتاج الهيدروجين الأخضر على مدى 7 سنوات، من خلال توقيع 6 اتفاقات مع مطورين من 9 دول؛ منها الكويت والإمارات. وتمتد هذه الاتفاقات إلى 47 عاما، منها 7 سنوات للإنشاء والتطوير، و40 سنة للتشغيل. وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن تصبح السلطنة، سادس أكبر مصدر للهيدروجين عالميًا بحلول 2030، مع توجهها لإنتاج مليون طن سنويًا بحلول 2030، ترتفع إلى 8.5 ملايين طن بحلول 2050.
أما أبرز مشاريع الطاقة المتجددة في قطر، فهو مشروع محطة الخرسعة للطاقة الشمسية، وهي من أكبر محطات المنطقة بقيمة 1.7 مليار ريال قطري، وبسعة كلية 1.6 جيجاوات، وتسهم في خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار مليون طن سنويًا، يُضاف إليها محطتان للطاقة الشمسية أيضًا، تنفيذ شركة سامسونج الكورية، باستثمارات 2.3 مليار ريال قطري، وتدخل الإنتاج هذا العام 2024، وتستهدف استراتيجية قطر للطاقة، توليد 5 جيجاوات من الطاقة الشمسية بحلول 2035.
وفي الكويت، مازالت الطاقة الشمسية في مراحلها المبكرة برغم الإمكانات المالية، وطول فترة السطوع، ومساحة البلاد، وإعلانها تحقيق الحياد الكربوني بحلول 2050. ويعد مشروع الشقايا للطاقة المتجددة، من أبرز مشروعات الطاقة الشمسية في الكويت، ويولد في المرحلة الأولى 3.2 جيجاوات كهرباء، وتتضمن هذه المرحلة مزرعة طاقة رياح بطاقة إنتاجية 10 ميجاوات، وقد أخذت وزارة الكهرباء والماء والطاقة في إصدار طلبات التأهيل للمراحل التالية من المشروع بقدرة 4500 ميجاوات.
وفي عام 2023، أعلنت البحرين توقيع اتفاق مشروع جديد للطاقة الشمسية؛ يهدف إلى توليد 72 ميجاوات، ويندرج ضمن مبادرات الخطة الوطنية للطاقة المتجددة، ويؤكد أهمية التوسع في استخدام الطاقة الشمسية، ويساهم بنسبة 28% من إجمالي الطاقة المتجددة المستهدفة في 2025 التي تبلغ 250 ميجاوات، والوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060. وقد شملت مبادرات الطاقة المتجددة؛ (إنشاء مصانع للألواح الشمسية، وتركيب أنظمة الطاقة الشمسية في حلبة البحرين الدولية، والاعتماد على الطاقة الشمسية في إنارة الحدائق والسواحل والملاعب، ومشروع تركيب أنظمة الطاقة الشمسية على الجسر الرابع المزمع تشييده لربط جزيرة المحرق بالمنامة، واستخدام طاقة الرياح في مركز البحرين التجاري العالمي)، فيما تستهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة في إجمالي توليد الكهرباء إلى 5% بحلول 2025.
على العموم، تبوأت مشاريع الطاقة المتجددة صدارة أجندة سياسات دول مجلس التعاون الخليجي، في إطلاق خططها لتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي، وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، وضمان الاستقرار الاقتصادي، فيما يحتاج الأمر إلى التنسيق بين هذه المشروعات، وتحقيق التكامل فيما بينها، بما يخفض التكلفة، ويرفع العائد، ويتجنب المضاربة على الأسعار في الأسواق الخارجية، وكما حدث في مشروع الربط الكهربائي الخليجي، تبدو الحاجة إلى مبادرات مماثلة في قطاعات الطاقة المتجددة، سواء من حيث مدخلات هذه القطاعات أو مخرجاتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك