منذ بدء الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة - منذ 7 أكتوبر الماضي -وسط غياب مفاوضات حقيقية لوقف شلالات الدم المتدفقة- تجاوزت 20 ألف شهيد و55 ألف مصاب وأكثر من مليون ونصف المليون نازح- ولم يعد أي مكان آمنا في غزة.. وصل الأمر اليوم بمعاناة شعب غزة النازف والنازح بين شهيد ومصاب ومشروع شهيد ومصاب.
ويعاني بحسب برنامج الغذاء العالمي 93%- من سكان غزة 2.22 مليون- من فقدان الأمن الغذائي في غزة -المجاعة- لا يتناول حوالي 90% من السكان سوى وجبة واحدة يومياً -و4 من كل 5 جوعى في العالم هم في غزة! تؤكد منظمة الصحة العالمية خروج مستشفيات شمال غزة عن الخدمة. وتبقت مستشفيات قليلة تعمل جزئياً في القطاع. وفي نكبة جديدة نزح 2 مليون شخص.
واتهمت مسؤولة أممية إسرائيل بسعيها لتغيير التركيبة الديموغرافية لسكان غزة بشكل دائم. أمين عام الأمم المتحدة جوتيريش يقول بعجز ان ما يحدث في غزة لا مثيل له! وإسرائيل تعرقل وصول المساعدات إلى داخل غزة. وفقدت الأمم المتحدة في الحرب أكثر مما فقدته في النزاعات والحروب.
فيما تستمر أمريكا باستخدام الفيتو برفض مشاريع قرارات مجلس الأمن بوقف فوري للحرب- وامتنعت عن التصويت على قرار يوسع إرسال المساعدات دون وقف فوري للحرب. وما فائدة إدخال المساعدات مع استمرار الحرب بلا هوادة وهل ستسمح إسرائيل من دون ضغط حقيقي وتصعيد عسكري أرعن من دون تحقيق أي نتائج استراتيجية بعد أكثر من شهرين من الحرب البرية و100 يوم من الحرب الشاملة وجرائم الحرب المتنقلة.
برغم الإصرار على المضي في الحرب من الجناح المتشدد بقيادة نتنياهو المأزوم والمحاصر، الذي سيخضع للجان تحقيق تتهمه بالتقصير وسوء إدارة الحرب لفشله عسكرياً وأمنياً واستخباراتياً وسوء إدارة الحرب، وصل إلى قتل 1200 إسرائيلي في يوم واحد قتلوا بهجوم حماس على المستوطنات وقتل جنوده بنيران صديقة وتخبط عدد كبير منهم يستوجب فتح تحقيق! واحتجاز حماس ونقل 240 أسيرا إسرائيليا إلى غزة ليبادلوهم مع السجناء الفلسطينيين في سجون إسرائيل. ما يجعل أيامه معدودة بعد نهاية الحرب، وتقديم مصلحته على مصلحة الجميع برفضه وقف الحرب قبل تحقيق شروط يؤكد قياديون إسرائيليون ومحللون عسكريون وخبراء استحالة تحقيقها. أبرزها:
1- القضاء على حماس- (لا تزال كتائب القسام يقاتلون ببسالة بعد 100 يوم من الحرب في شمال وجنوب غزة).
2- وإطلاق سراح المحتجزين.
3- وتحييد قطاع غزة بالسيطرة على القطاع وتقسيمه إلى ثلاث مناطق وجعل نصف القطاع منطقة عازلة لا تشكل تهديدا يكرر كارثة 7 أكتوبر الكارثية، لكن بعد 100 يوم فشلت إسرائيل بتحقيق أي من أهدافها-وخاصة بالقضاء على حماس واغتيال قادتها.
ولا تكترث حماس بتهديد نتنياهو ووزير حربه جالانت الجوفاء أن عليها الاستسلام أو القتل-وسخرت حماس من ادعاءات أن يحيى السنوار يسمع أصوات القصف الإسرائيلي وسيرى قريباً بنادق القوات الإسرائيلية!
مع تصاعد الانتقادات والضغط وارتكاب جرائم حرب وإبادة-التي تؤدي إلى عزلة إدارة بايدن وإسرائيل بعد تصويت 153 دولة في الجمعية العامة على قرار لوقف الحرب فوراً عارضته واشنطن وإسرائيل وحفنة من الدول والجزر في المحيط الهادئ تابعة لواشنطن لا يعرف معظم سكان الكرة الأرضية مواقعها على الخريطة.
تنقل صحيفة هآرتس: تستعد مراكز القيادة المختلفة لتغييرات كبيرة وصولاً إلى سحب قوات لإنهاء الحرب البرية في يناير. وتم سحب الكتيبة 13 من لواء النخبة جولاني، بعد مقتل قائدها وتكبد خسائر ومقتل أكثر من 40 ضابطا وجنديا من الكتيبة في دليل على فشل الحرب البرية. وكان ملفتاً مشاهد التلفزة الإسرائيلية لاحتفالات الجنود المنسحبين! وهناك توجه لتسريح عدد كبير من جنود الاحتياط (360,000) بسبب الأعباء والخسائر الكبيرة على الاقتصاد وعلى الجنود وعائلاتهم الذين صنف 3000 منهم معاقون! وهناك الكلفة والاستنزاف المالي الكبير الضاغط على الميزانية عامل ضاغط، بعدما بلغت كلفة الحرب الدموية على غزة في نحو ثلاثة أشهر حوالي 50 مليار دولار أمريكي.
كما شكّل قتل الجيش الإسرائيلي 3 أسرى إسرائيليين في غزة صدمة حقيقية- وكشف حالة الهلع وعدم كفاءة الجنود الإسرائيليين الغازين. ويؤيد ثلثا الإسرائيليين وقف إطلاق النار مقابل إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس والفصائل الفلسطينية.
وكان ملفتاً توجيه الرئيس بايدن الداعم الرئيسي لحرب إبادة إسرائيل على غزة-انتقاد للمرة الأولى- بوصفه الغارات والقصف الإسرائيلي على غزة بالعشوائي. (ترقى لارتكاب جرائم حرب) - وحذر بايدن أن إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي بسبب ارتفاع عدد ضحايا حربها على غزة. وطالب بتغيير الحكومة من عناصرها المتطرفة -في إشارة إلى الوزيرين المتطرفين بن غفير وسموترتش. وتطالب أغلبية الأمريكيين وخاصة الناشطين وشباب الجامعات وحوالي 80% من الديمقراطيين وقف إطلاق النار- ويعارض60% منهم استخدام إسرائيل القوة المفرطة في حربها على غزة.
واضح أن استمرار حرب إبادة إسرائيل ورفض واشنطن استخدام نفوذها أصبح عبئاً مكلفاً وصداعاً مزمناً لبايدن وإدارته في سنة انتخابات حاسمة قادمة قد يتسبب موقفه من رفض وقف الحرب واستمراره تزويد آلة القتل الإسرائيلية بالسلاح المكلفة لتراجع حظوظ فوزه بفترة رئاسة ثانية!
وهناك خشية حقيقية من توسع الحرب في حال لم توقف إسرائيل حربها الشعواء على غزة- أبرزه تصعيد الحوثيين باستهدافهم للسفن وتحويل كبرى شركات الشحن البحري 180 سفينة مسارها باتجاه رأس الرجاء الصالح بدلاً من عبور قناة السويس والبحر الأحمر. وتشكيل واشنطن «عملية حارس الازدهار»- تحالف عسكري من 10 دول لردع الحوثيين عن مهاجمة واستهداف السفن المتجهة إلى موانئ إسرائيل. وهكذا تُفِشل تلك العوامل مجتمعة تحقيق نتنياهو وزمرته أهدافهم، وتعزلهم وتدينهم وتطالب بمحاكمتهم كمجرمي حرب!
{ أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الكويت
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك