تولت محكمة العدل الدولية عقد جلسات استماع على مدى يومي الخميس والجمعة (11 و12 يناير) بشأن القضية التي رفعتها جمهورية جنوب إفريقيا والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية في حربها على غزة. وتسعى القضية إلى تعليق الحرب الإسرائيلية على غزة بشكل طارئ.
نحن الفلسطينيون نقدر تقديرًا عاليًا رمزية جنوب إفريقيا، الدولة التي عانت أيضًا من الفصل العنصري والتمييز والإبادة الجماعية، ونقدر قيامها برفع هذه الشكوى إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. إنها خطوة تاريخية، وهي المرة الأولى التي ترفع فيها دولة قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل أمام المحكمة الدولية.
فهل تنجح هذه المحكمة الدولية في تحقيق ما فشل المجتمع الدولي برمته في تحقيقه: وقف إطلاق النار في قطاع غزة بشكل عاجل ومحاسبة المجرمين الإسرائيليين؟
من المؤكد أن الحجج المقدمة ضد إسرائيل في قضية الإبادة الجماعية ذات مصداقية. لقد عاش الفلسطينيون وعانوا من هذه الجرائم المروعة على مدى عقود من الاحتلال، وخاصة في الحرب الحالية، التي يتم بثها على الهواء مباشرة ليراها العالم.
وقد قُتل في هذه الحرب منذ يوم أكتوبر الماضي أكثر من 23 ألف فلسطيني وجُرح حوالي 60 ألفًا. لقد تضررت عشرات الآلاف من المباني أو دمرت، في حين يعاني غالبية سكان غزة من الجوع والتشريد من منازلهم على مدى أكثر من ثلاثة أشهر.
ورغم أن الشعب الفلسطيني يؤمن بعدالة قضيته ويدرك تماما المظالم والجرائم المرتكبة بحقه، فإنه لا يزال يحمل مخاوف مشروعة، نظرا لتجاربه المريرة مع المجتمع الدولي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
لدى الكثير منا شكوك حول جدية المجتمع الدولي - وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية- عندما يتعلق الأمر بإنهاء، أو حتى تخفيف، حجم جرائم إسرائيل ضدنا.
ورغم أن الحكم النهائي لمحكمة العدل الدولية من المرجح أن يستغرق سنوات، فإننا نأمل أن تتخذ المحكمة قراراً سريعاً بشأن وقف إطلاق النار. لكن هذا الأمل يتضاءل عندما ندرك أن تنفيذ الحكم يعتمد على مجلس الأمن، حيث تستطيع الولايات المتحدة استخدام حق النقض ضد أي قرار ضد إسرائيل. وقد سمح هذا لإسرائيل بالتصرف لفترة طويلة مع الإفلات من العقاب وتجاهل اتفاقيات جنيف.
ازدواجية المعايير
وفي الوقت نفسه نتساءل: أين دول ما يسمى بالعالم الحر التي طالما تحدثت عن العدالة وحقوق الإنسان؟
نحن ننظر بعين الشك إلى المعايير المزدوجة التي يطبقها نظام العدالة الدولي، الذي تمكن بسرعة نسبيا من إصدار مذكرة اعتقال ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسبب جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا من خلال المحكمة الجنائية الدولية في مارس الماضي.
ليس هذا فحسب، ففي شهر مارس 2022، بعد أسبوعين من اندلاع الصراع، أمرت محكمة العدل الدولية روسيا بـ«التعليق الفوري» لعملياتها العسكرية بعد أن رفعت أوكرانيا شكوى بشأن الإبادة الجماعية.
يشير مصطلح «الإبادة الجماعية» إلى التدمير المتعمد، كليًا أو جزئيًا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية. ويقول بعض الخبراء إن أصعب شيء يمكن إثباته هو نية الإبادة الجماعية. لكن المسؤولين الإسرائيليين على أعلى المستويات أوضحوا نواياهم.
وقد أعلنت مرارا وتكرارا عن هدفها المتمثل في فرض عقوبات جماعية على المدنيين في غزة بسبب الهجوم الذي وقع في 7 أكتوبر. وفي إعلانه عن فرض حصار كامل على المنطقة، وقطع الكهرباء والماء، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية».
وقال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ إنه لا يوجد تمييز بين المقاتلين المسلحين والمدنيين في غزة، مشيراً إلى أن «أمة بأكملها هناك هي المسؤولة. ليس صحيحا هذا الخطاب عن مدنيين غير مطلعين وغير متورطين.. وسنقاتل حتى نكسر عمودهم الفقري».
وقد تزعم إسرائيل أن سلطة محكمة العدل الدولية في البت في التدابير المؤقتة مقيدة بالحق في الدفاع عن النفس المعترف به في ميثاق منظمة الأمم المتحدة. لكن ما تفعله إسرائيل ليس دفاعاً عن النفس؛ ومن الواضح أنها في حالة هجوم.
فمن يستطيع أن يزعم بشكل واقعي أن الدفاع عن النفس يعني تشريد وتجويع مليوني إنسان؟ ومحاصرة المستشفيات وتدميرها؛ وقتل الأطفال الخدج والأطفال والنساء؟ فهل قطع المياه والكهرباء والوقود والغذاء عن شعب بأكمله هو عمل من أعمال الدفاع عن النفس؟
وفي حين أن محكمة العدل الدولية لا تتمتع بسلطة إنفاذ قراراتها، فإن أحكامها ملزمة بموجب القانون الدولي، وقد تؤدي النتيجة إلى المزيد من تآكل سمعة إسرائيل العالمية وعلاقاتها مع الدول الأخرى.
وبينما نواصل معاناة ويلات الحرب، تتجه أعيننا نحو لاهاي، على أمل أن تنتصر صرخات الأطفال والنساء الفلسطينيين على سوط الجلاد. وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة للفلسطينيين لاستعادة الثقة في المجتمع الدولي، الذي لم ينجح قط في وقف الاحتلال والظلم الإسرائيلي.
ونأمل أن تبدأ قضية جنوب إفريقيا فصلاً جديداً لشعبنا المضطهد - وأن تنتهي أيام الإفلات الإسرائيلي من العقاب مرة واحدة وإلى الأبد.
{ صحفي فلسطيني
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك