العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تنمية مـهارات الـمـوارد الـبشـريـة بوابة الدخول إلى سوق العمل

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الأربعاء ١٧ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

تشير‭ ‬التجارب‭ ‬التنموية‭ ‬المعاصرة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬والدول‭ ‬الساعية‭ ‬للنمو‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬نهضتها‭ ‬العلمية‭ ‬والتنموية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سبقتها‭ ‬باستثمارات‭ ‬طائلة‭ ‬في‭ ‬ثروتها‭ ‬البشرية،‭ ‬فوجهت‭ ‬قسما‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬استثماراتها‭ ‬نحو‭ ‬تنمية‭ ‬التعليم‭ ‬والتدريب‭ ‬والتأهيل‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬وتوفير‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬المنتج‭ ‬لثروتها‭ ‬البشرية‭ ‬وتمكينها‭ ‬من‭ ‬استيعاب‭ ‬متطلبات‭ ‬العلوم‭ ‬والتقنية،‭ ‬ما‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬كفاءتها‭ ‬الإنتاجية‭ ‬وبالتالي‭ ‬قدراتها‭ ‬التنافسية‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل،‭ ‬وتجربتا‭ ‬ألمانيا‭ ‬واليابان‭ ‬اللتان‭ ‬خرجتا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬باقتصاد‭ ‬وبنى‭ ‬تحتية‭ ‬مدمرة‭ ‬فإنهما‭ ‬نهضتا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وبسرعة‭ ‬وكفاءة‭ ‬أذهلت‭ ‬العالم،‭ ‬حققا‭ ‬ذلك‭ ‬عبر‭ ‬إدراكهما‭ ‬ان‭ ‬مفتاح‭ ‬النصر‭ ‬هو‭ ‬الانتصار‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬عبر‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬ببرامجهما‭ ‬التعليمية‭ ‬والتدريبية‭ ‬وتسخير‭ ‬إمكانات‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬للنهوض‭ ‬بالموارد‭ ‬البشرية‭. ‬

لقد‭ ‬كانت‭ ‬هاتان‭ ‬التجربتان‭ ‬المميزتان‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬إعادة‭ ‬البناء‭ ‬وتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬وامتلاك‭ ‬ناصية‭ ‬العلم‭ ‬والقوة‭ ‬المعاصرة‭ ‬عبر‭ ‬تنمية‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬الوطنية‭ ‬أنموذجا‭ ‬استدعى‭ ‬المحاكاة‭ ‬من‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭. ‬

ولمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬مؤسساتها‭ ‬المختلفة‭ ‬تجربة‭ ‬وطنية‭ ‬طيبة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬تنمية‭ ‬الموارد‭ ‬البشرية‭ ‬وتأهيلها‭ ‬لأجل‭ ‬تمكينها‭ ‬من‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬الخيار‭ ‬المفضل‭ ‬لسوق‭ ‬العمل،‭ ‬عبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السياسات‭ ‬والاجراءات‭ ‬والحوافز‭ ‬المالية‭ ‬وتيسير‭ ‬التعليم‭ ‬والتدريب،‭ ‬مدعومة‭ ‬وبقوة‭ ‬وتميز‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬البلاد‭ ‬الحكيمة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬المعظم،‭ ‬وولي‭ ‬عهده‭ ‬الأمين‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬سلمان‭ ‬بن‭ ‬حمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬اللذان‭ ‬يؤكدان‭ ‬دائما‭ ‬أهمية‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬وبناء‭ ‬قدراته‭ ‬لمواجهة‭ ‬تحديات‭ ‬المستقبل‭ ‬وتمكينه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخيار‭ ‬المفضل‭ ‬لسوق‭ ‬العمل،‭ ‬وكانت‭ ‬توجيهاتهما‭ ‬المتواصلة‭ ‬للإدارات‭ ‬التنفيذية‭ ‬ومنها‭ ‬صندوق‭ ‬العمل‭ ‬تمكين‭ ‬بتأسيس‭ ‬قاعدة‭ ‬متينة‭ ‬لارتقاء‭ ‬دور‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

وجاءت‭ ‬حزمة‭ ‬المقترحات‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬الحكومة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وتضمنت‭ ‬زيادة‭ ‬رسوم‭ ‬استقدام‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬لتقليص‭ ‬الأثر‭ ‬المالي‭ ‬المباشر‭ ‬بين‭ ‬كلف‭ ‬توظيف‭ ‬المواطن‭ ‬والوافد،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬البرامج‭ ‬النوعية‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬لدى‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬لتمثل‭ ‬عنصرا‭ ‬جديدا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سياسات‭ ‬تعزيز‭ ‬البحرنة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬وتقليص‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يتوافر‭ ‬فيها‭ ‬البديل‭ ‬المواطن‭ ‬بشكل‭ ‬كاف،‭ ‬والتي‭ ‬سوف‭ ‬تشمل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬زيادة‭ ‬رسوم‭ ‬استقدام‭ ‬العمالة‭ ‬الوافدة‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬البرامج‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرة‭ ‬التنافسية‭ ‬لدى‭ ‬الباحثين‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬بين‭ ‬البحرينيين،‭ ‬ويعبر‭ ‬ذلك‭ ‬بصدق‭ ‬عن‭ ‬المستوى‭ ‬الراقي‭ ‬من‭ ‬الايمان‭ ‬بأن‭ ‬المواطنين‭ ‬هم‭ ‬الثروة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للبلاد،‭ ‬وأن‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليهم‭ ‬وتنمية‭ ‬إمكاناتهم،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التأهيل‭ ‬والتدريب‭ ‬المستمر‭ ‬بإكسابهم‭ ‬القدرات‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مستجدات‭ ‬العلم‭ ‬والتقنية‭ ‬التي‭ ‬تعج‭ ‬بها‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭ ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬تتنافس‭ ‬الدول‭ ‬وتتبارى‭ ‬الشعوب‭ ‬هو‭ ‬طريق‭ ‬تقدم‭ ‬البلاد‭ ‬وخيارها‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬حياد‭ ‬عنه،‭ ‬وبما‭ ‬يخلق‭ ‬بيئة‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬وإنتاجية‭ ‬وبأداء‭ ‬متميز‭ ‬بما‭ ‬تمنحه‭ ‬التنافسية‭ ‬من‭ ‬عامل‭ ‬تحفيز‭ ‬مستمر،‭ ‬والذي‭ ‬سيجعل‭ ‬من‭ ‬المواطن‭ ‬البحريني‭ ‬الخيار‭ ‬المفضل‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬مدارك‭ ‬الفرد،‭ ‬وفتح‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الخيارات‭ ‬المتاحة‭ ‬أمامه،‭ ‬نتيجة‭ ‬تحسن‭ ‬مستوياته‭ ‬المعرفية‭ ‬والمهنية‭ ‬والمهارية،‭ ‬والثقافية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬فضلاً‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬فرص‭ ‬الإبداع‭ ‬وضمان‭ ‬مشاركاته‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناحي‭ ‬العملية‭ ‬الإنتاجية،‭ ‬وفقا‭ ‬لتخصصه‭ ‬ومجالات‭ ‬تدريبه‭.‬

وقد‭ ‬أثبتت‭ ‬التجارب‭ ‬التنموية‭ ‬المعاصرة‭ ‬ومنها‭ ‬تجربة‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬أن‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬والمادية‭ ‬المتوافرة‭ ‬لدولة‭ ‬ما‭ - ‬رغم‭ ‬أهميتهما‭ ‬وضرورتهما‭ - ‬لا‭ ‬تغنيان‭ ‬عن‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬الكفء،‭ ‬والماهر،‭ ‬والفعال،‭ ‬والمدرَّب،‭ ‬والمعد‭ ‬إعداداً‭ ‬جيداً‭ ‬مبنياً‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬تعليمية‭ ‬وعلمية‭ ‬رصينة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تنمية‭ ‬الإحساس‭ ‬والولاء‭ ‬الوطني‭ ‬باعتباره‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬نهضة‭ ‬تنموية‭ ‬وما‭ ‬نضح‭ ‬عن‭ ‬التجربتين‭ ‬التنمويتين‭ ‬الألمانية‭ ‬واليابانية‭ ‬من‭ ‬تعزيز‭ ‬روح‭ ‬المواطنة‭ ‬كجزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬أمر‭ ‬ينبغي‭ ‬عدم‭ ‬التغاضي‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الظروف،‭ ‬فالعزة‭ ‬والتنمية‭ ‬والتعليم‭ ‬والتطوير‭ ‬للمواطن‭ ‬الذي‭ ‬ينهل‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬وطنه‭ ‬ويضحي‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬ويلتف‭ ‬حول‭ ‬قيادة‭ ‬بلاده‭ ‬ويسعى‭ ‬إلى‭ ‬خدمة‭ ‬شعبه‭.‬

فحب‭ ‬الوطن‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬وحدته‭ ‬عماد‭ ‬التقدم‭ ‬وعربون‭ ‬النهضة،‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬ذلك‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المفدى‭ ‬في‭ ‬كلمة‭ ‬سامية‭ ‬سابقة‭ ‬لجلالته‭ ‬حينما‭ ‬قال‭: ‬‮«‬ينبغي‭ ‬علينا‭ ‬جميعاً‭ ‬أن‭ ‬نحرص‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬العزيز‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬الكلمة،‭ ‬ورَصِّ‭ ‬الصفوف،‭ ‬والتكاتف‭ ‬والتآخي‭ ‬والمحبة،‭ ‬ونشر‭ ‬ثقافة‭ ‬التسامح‭ ‬والتعايش،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬الأصول‭ ‬الدينية‭ ‬والثوابت‭ ‬الوطنية،‭ ‬والتلاحم‭ ‬الصادق‭ ‬بين‭ ‬أبناء‭ ‬شعبنا‭ ‬الوفي‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مذاهبهم‭ ‬وطوائفهم‭ ‬وتوجهاتهم‮»‬‭. ‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الرؤية‭ ‬تعمق‭ ‬روح‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة،‭ ‬وتعزز‭ ‬المسيرة‭ ‬الإصلاحية،‭ ‬ومكتسباتها‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬المملكة‭ ‬بقيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬المعظم‭.. ‬حفظ‭ ‬البحرين‭ ‬وأعز‭ ‬قيادتها‭ ‬وأعانها‭ ‬لخدمة‭ ‬شعبها‭ ‬الوفي‭ ‬وأمتها‭ ‬العربية‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا