تشير التجارب التنموية المعاصرة إلى أن جميع الدول المتقدمة والدول الساعية للنمو لم تحقق نهضتها العلمية والتنموية إلا بعد أن سبقتها باستثمارات طائلة في ثروتها البشرية، فوجهت قسما كبيرا من استثماراتها نحو تنمية التعليم والتدريب والتأهيل والبحث العلمي وتوفير فرص العمل المنتج لثروتها البشرية وتمكينها من استيعاب متطلبات العلوم والتقنية، ما قاد إلى رفع كفاءتها الإنتاجية وبالتالي قدراتها التنافسية في سوق العمل، وتجربتا ألمانيا واليابان اللتان خرجتا من الحرب العالمية الثانية باقتصاد وبنى تحتية مدمرة فإنهما نهضتا من جديد وبسرعة وكفاءة أذهلت العالم، حققا ذلك عبر إدراكهما ان مفتاح النصر هو الانتصار على الذات عبر إعادة النظر ببرامجهما التعليمية والتدريبية وتسخير إمكانات الدولة والمجتمع للنهوض بالموارد البشرية.
لقد كانت هاتان التجربتان المميزتان في سرعة إعادة البناء وتحقيق التنمية وامتلاك ناصية العلم والقوة المعاصرة عبر تنمية الموارد البشرية الوطنية أنموذجا استدعى المحاكاة من العديد من دول العالم.
ولمملكة البحرين عبر مؤسساتها المختلفة تجربة وطنية طيبة في مجال تنمية الموارد البشرية وتأهيلها لأجل تمكينها من التحول إلى الخيار المفضل لسوق العمل، عبر العديد من السياسات والاجراءات والحوافز المالية وتيسير التعليم والتدريب، مدعومة وبقوة وتميز من قيادة البلاد الحكيمة وعلى رأسها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم، وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، اللذان يؤكدان دائما أهمية الاستثمار في المواطن البحريني وبناء قدراته لمواجهة تحديات المستقبل وتمكينه من أجل أن يكون الخيار المفضل لسوق العمل، وكانت توجيهاتهما المتواصلة للإدارات التنفيذية ومنها صندوق العمل تمكين بتأسيس قاعدة متينة لارتقاء دور المواطن البحريني في سوق العمل.
وجاءت حزمة المقترحات الجديدة التي قدمتها الحكومة إلى مجلس النواب وتضمنت زيادة رسوم استقدام العمالة الوافدة لتقليص الأثر المالي المباشر بين كلف توظيف المواطن والوافد، بالإضافة إلى البرامج النوعية الهادفة إلى تعزيز القدرة التنافسية لدى الباحثين عن العمل، لتمثل عنصرا جديدا في إطار سياسات تعزيز البحرنة في سوق العمل وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة، إلا في الحالات التي لا يتوافر فيها البديل المواطن بشكل كاف، والتي سوف تشمل إلى جانب زيادة رسوم استقدام العمالة الوافدة مزيدا من البرامج التي تهدف إلى تعزيز القدرة التنافسية لدى الباحثين عن العمل بين البحرينيين، ويعبر ذلك بصدق عن المستوى الراقي من الايمان بأن المواطنين هم الثروة الحقيقية للبلاد، وأن الحفاظ عليهم وتنمية إمكاناتهم، عن طريق التأهيل والتدريب المستمر بإكسابهم القدرات على التعامل مع مستجدات العلم والتقنية التي تعج بها الساحة الدولية ومن خلالها تتنافس الدول وتتبارى الشعوب هو طريق تقدم البلاد وخيارها الذي لا حياد عنه، وبما يخلق بيئة أكثر فاعلية وإنتاجية وبأداء متميز بما تمنحه التنافسية من عامل تحفيز مستمر، والذي سيجعل من المواطن البحريني الخيار المفضل في سوق العمل.
ذلك أن التنمية البشرية تقود إلى توسيع مدارك الفرد، وفتح المزيد من الخيارات المتاحة أمامه، نتيجة تحسن مستوياته المعرفية والمهنية والمهارية، والثقافية، والاجتماعية، فضلاً على توفير فرص الإبداع وضمان مشاركاته الإيجابية في مختلف مناحي العملية الإنتاجية، وفقا لتخصصه ومجالات تدريبه.
وقد أثبتت التجارب التنموية المعاصرة ومنها تجربة دول مجلس التعاون الخليجي أن الموارد المالية والمادية المتوافرة لدولة ما - رغم أهميتهما وضرورتهما - لا تغنيان عن العنصر البشري الكفء، والماهر، والفعال، والمدرَّب، والمعد إعداداً جيداً مبنياً على أسس تعليمية وعلمية رصينة، إلى جانب تنمية الإحساس والولاء الوطني باعتباره حجر الزاوية في أي نهضة تنموية وما نضح عن التجربتين التنمويتين الألمانية واليابانية من تعزيز روح المواطنة كجزء مهم من برامج التنمية البشرية أمر ينبغي عدم التغاضي عنه في مختلف الظروف، فالعزة والتنمية والتعليم والتطوير للمواطن الذي ينهل من حب وطنه ويضحي من أجله ويلتف حول قيادة بلاده ويسعى إلى خدمة شعبه.
فحب الوطن والحرص على وحدته عماد التقدم وعربون النهضة، كما أكد ذلك جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى في كلمة سامية سابقة لجلالته حينما قال: «ينبغي علينا جميعاً أن نحرص في هذا الوطن العزيز على وحدة الكلمة، ورَصِّ الصفوف، والتكاتف والتآخي والمحبة، ونشر ثقافة التسامح والتعايش، والمحافظة على الأصول الدينية والثوابت الوطنية، والتلاحم الصادق بين أبناء شعبنا الوفي على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وتوجهاتهم».
ولا شك فإن هذه الرؤية تعمق روح الأسرة الواحدة، وتعزز المسيرة الإصلاحية، ومكتسباتها الوطنية التي حققتها المملكة بقيادة جلالة الملك المعظم.. حفظ البحرين وأعز قيادتها وأعانها لخدمة شعبها الوفي وأمتها العربية.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك