العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

السياسات المتوقعة للقوى الكبرى تجاه المنطقة العربية عام 2024

بقلم: د. علي الدين هلال {

الأربعاء ١٧ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬المعلقون‭ ‬باستخلاص‭ ‬أهم‭ ‬أحداث‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬واستشراف‭ ‬أحداث‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يوشك‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭. ‬وهناك‭ ‬صلة‭ ‬مؤكدة‭ ‬بين‭ ‬الأمرين،‭ ‬فالسياسات‭ ‬المتوقعة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬تتأثر‭ ‬بموقفها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬مُتأثرة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بما‭ ‬حققته‭ ‬من‭ ‬مكاسب‭ ‬أو‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬خسائر‭. ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬منذ‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬والعدوان‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المُدمر‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬والاقتحامات‭ ‬العسكرية‭ ‬اليومية‭ ‬لمدن‭ ‬ومخيمات‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والمواقف‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬عاملاً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬مكانة‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ودورها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭. ‬فالحروب‭ ‬عادةً‭ ‬ما‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬العلاقات‭ ‬والأدوار‭.‬

وينبني‭ ‬هذا‭ ‬التحليل‭ ‬على‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬الآن‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬مع‭ ‬الأسابيع‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬حدتها‭ ‬قد‭ ‬انخفضت‭ ‬بشكل‭ ‬محسوس‭. ‬

الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭:‬

إذا‭ ‬بدأنا‭ ‬بالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فمن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث‭ ‬أعادتها‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وأسقطت‭ ‬أي‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬الانسحاب‭ ‬الأمريكي‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭. ‬وظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬العسكري‭ ‬والسياسي‭ ‬اللامحدود‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وفي‭ ‬استخدامها‭ ‬المتكرر‭ ‬لـ«الفيتو‮»‬‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭. ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬دعمها‭ ‬الوساطة‭ ‬المصرية‭ ‬القطرية‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬هدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬مؤقتة،‭ ‬وفي‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لزيادة‭ ‬حجم‭ ‬المعونات‭ ‬الإغاثية‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬وفي‭ ‬إدراج‭ ‬الوقود‭ ‬ضمنها‭.‬

ورافق‭ ‬التأييد‭ ‬الأمريكي‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬حدوث‭ ‬اختلافات‭ ‬وتباينات‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭. ‬ومن‭ ‬أبرزها،‭ ‬رفض‭ ‬واشنطن‭ ‬تهجير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬قسرياً‭ ‬خارج‭ ‬أراضيهم،‭ ‬ورفض‭ ‬عودة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ورفض‭ ‬تقليص‭ ‬مساحته‭ ‬أو‭ ‬اقتطاع‭ ‬أجزاء‭ ‬منه،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭. ‬وأدى‭ ‬تدمير‭ ‬المنازل‭ ‬والمدارس‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬وتهجير‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬أبسط‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة،‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬غضب‭ ‬عارمة‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي؛‭ ‬بسبب‭ ‬تغاضي‭ ‬واشنطن‭ ‬عن‭ ‬انتهاك‭ ‬إسرائيل‭ ‬لقواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬وتجددت‭ ‬مشاعر‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وفي‭ ‬التعهدات‭ ‬التي‭ ‬تُقدمها‭ ‬للعرب‭.‬

ومن‭ ‬الأرجح،‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬اتباع‭ ‬دبلوماسية‭ ‬نشطة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬تسعى‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬صورتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وذلك‭ ‬بإحياء‭ ‬مسار‭ ‬تسوية‭ ‬الصراع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬التذكير‭ ‬بأن‭ ‬التعهد‭ ‬الأمريكي‭ ‬بإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬فهمها‭ ‬لهذا‭ ‬الحل‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬الفهم‭ ‬العربي‭ ‬لهذه‭ ‬الدولة‭.‬

وظهر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬الوفد‭ ‬العربي‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬لقائهم‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن،‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬ديسمبر‭ ‬2023،‭ ‬مناقشة‭ ‬شكل‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬ويزداد‭ ‬الأمر‭ ‬صعوبة‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬وعلى‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬طرح‭ ‬مُبادرات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬مع‭ ‬اقتراب‭ ‬موعد‭ ‬انتخابات‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المُقرر‭ ‬إجرائها‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬5‭ ‬نوفمبر‭ ‬2024‭. ‬وبالعكس،‭ ‬فإذا‭ ‬نجحت‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬مسيرة‭ ‬لتحقيق‭ ‬السلام،‭ ‬فإنها‭ ‬سوف‭ ‬توظف‭ ‬ذلك‭ ‬لإحياء‭ ‬وتنشيط‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭.‬

إن‭ ‬مهمة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬2024‭ ‬هي‭ ‬ترميم‭ ‬العلاقات،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ولكن‭ ‬أيضاً‭ ‬مع‭ ‬تركيا،‭ ‬التي‭ ‬انتقد‭ ‬رئيسها‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوغان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لأنها‭ ‬أعطت‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬شيكاً‭ ‬على‭ ‬بياض‮»‬،‭ ‬وأدان‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬بعبارات‭ ‬نارية،‭ ‬مُتعهداً‭ ‬بالعمل‭ ‬على‭ ‬محاكمة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬دولياً‭ ‬على‭ ‬‮«‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‮»‬‭.‬

وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إيران،‭ ‬سوف‭ ‬تعمل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬التفاهمات‭ ‬معها‭ ‬بشأن‭ ‬قواعد‭ ‬الاشتباك‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وردع‭ ‬المليشيات‭ ‬العراقية‭ ‬الموالية‭ ‬لطهران‭ ‬لمنعها‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬على‭ ‬الأهداف‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وسوريا،‭ ‬وتأمين‭ ‬حرية‭ ‬الملاحة‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬للحيلولة‭ ‬دون‭ ‬تكرار‭ ‬الهجمات‭ ‬الحوثية‭ ‬على‭ ‬السفن‭.‬

وسوف‭ ‬تستمر‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬اتصالاتها‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬مع‭ ‬شركائها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬يحدث‭ ‬اختلاف‭ ‬في‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬معهم،‭ ‬وحتى‭ ‬مع‭ ‬ذات‭ ‬العلاقات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬القوية‭ ‬لدول‭ ‬مثل‭ ‬الجزائر‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭.‬

الموقف‭ ‬الأوروبي‭:‬

يرتبط‭ ‬موقف‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬بنظيره‭ ‬الأمريكي‭. ‬فقد‭ ‬تقلصت‭ ‬مساحة‭ ‬الاستقلالية‭ ‬التي‭ ‬تمتع‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة،‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬تماماً‭. ‬فظهرت،‭ ‬مثلاً،‭ ‬في‭ ‬تصويت‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬والبرتغال‭ ‬والنرويج‭ ‬في‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬القرار‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بتاريخ‭ ‬27‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭. ‬كذلك،‭ ‬في‭ ‬تصويت‭ ‬فرنسا‭ ‬لصالح‭ ‬مشروع‭ ‬القرار‭ ‬الإماراتي‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬ديسمبر،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬اعتراض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬القرارين‭. ‬وتكرر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬تصويت‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬12‭ ‬ديسمبر‭. ‬

ومن‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬دعمه‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لتصفية‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وفي‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬المُستوطنين‭ ‬المُتورطين‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وفي‭ ‬دوره‭ ‬كأكبر‭ ‬مُموِل‭ ‬لموازنة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬والتي‭ ‬بلغت‭ ‬294‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬ورُبما‭ ‬يزداد‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تأهيل‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتطوير‭ ‬مؤسساتها‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬غزة‭. ‬وسوف‭ ‬يستمر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لمصر‭ ‬والأردن‭ ‬باعتبارهما‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬الجغرافي‭ ‬المباشر،‭ ‬فتم‭ ‬إعلان‭ ‬خطة‭ ‬مساعدات‭ ‬مالية‭ ‬واستثمارية‭ ‬لمصر‭ ‬بمبلغ‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬يورو،‭ ‬والأردن‭ ‬بمبلغ‭ ‬900‭ ‬مليون‭ ‬يورو‭. ‬ومن‭ ‬المُتوقع‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬تزداد‭ ‬المخاوف‭ ‬الأوروبية‭ ‬من‭ ‬احتمالات‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬النظامية‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬المُتوسط‭. ‬

النفوذ‭ ‬الروسي‭:‬

انتهزت‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬مرحلة‭ ‬عدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬الأمريكي‭ ‬بمنطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأطروحة‭ ‬تحولها‭ ‬إلى‭ ‬آسيا،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬خلال‭ ‬الولاية‭ ‬الثانية‭ ‬للرئيس‭ ‬الأسبق،‭ ‬باراك‭ ‬أوباما،‭ ‬لتعزيز‭ ‬مواقعهما‭ ‬والتوسع‭ ‬في‭ ‬نفوذهما‭ ‬فيها،‭ ‬واتبع‭ ‬البلدان‭ ‬سياسة‭ ‬براجماتية‭ ‬تقوم‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بالدول‭ ‬الأخرى‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬والمنافع‭ ‬المتبادلة‭. ‬وأبرمت‭ ‬روسيا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬توثيق‭ ‬علاقاتها‭ ‬معها‭ ‬وتجاوز‭ ‬العقوبات‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬موسكو‭. ‬واستفادت‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬صرف‭ ‬انتباه‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وتعطيل‭ ‬المساعدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬إلى‭ ‬كييف،‭ ‬وإتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬لتوجيه‭ ‬انتقادات‭ ‬لاذعة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬بـ‮«‬بيت‭ ‬العنكبوت‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬امتدت‭ ‬أطرافه‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬شبر‭ ‬من‭ ‬أقاليم‭ ‬العالم‭ ‬مُهدداً‭ ‬السلم‭ ‬والأمن‭ ‬الدوليين‭.‬

ومن‭ ‬الأرجح‭ ‬أن‭ ‬تستثمر‭ ‬موسكو‭ ‬صورتها‭ ‬الإيجابية‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬نتيجة‭ ‬إدانتها‭ ‬للعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬والدعوة‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار؛‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تكريس‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬وسوف‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬تعاونها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬أوبك‭-‬بلس‮»‬،‭ ‬وبيع‭ ‬الأسلحة‭ ‬ونقل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬المُتقدمة‭ ‬لدول‭ ‬المنطقة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تسمح‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ببيعها‭ ‬لها،‭ ‬وطرح‭ ‬نفسها‭ ‬كلاعب‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬

الاستفادة‭ ‬الصينية‭:‬

تبدو‭ ‬الصين‭ ‬أيضاً‭ ‬مستفيدة‭ ‬مما‭ ‬حدث،‭ ‬فقد‭ ‬أدت‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬انشغال‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬اهتمامها‭ ‬بموضوع‭ ‬تايوان،‭ ‬وأيضاً‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬إدارتها‭ ‬للصراع‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الإندو‭-‬باسيفيك‭. ‬

وتبنت‭ ‬الصين،‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬سياسة‭ ‬حذرة‭ ‬ومتوازنة،‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬الأحداث‭ ‬أدانت‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وانتقدت‭ ‬الموقف‭ ‬الغربي‭ ‬المؤيد‭ ‬لتل‭ ‬أبيب‭. ‬وظهر‭ ‬الموقف‭ ‬الصيني‭ ‬في‭ ‬التصويت‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لصالح‭ ‬مشروعات‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬إلى‭ ‬الوقف‭ ‬الفوري‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وفي‭ ‬استخدامها‭ ‬حق‭ ‬‮«‬الفيتو‮»‬‭ ‬‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭- ‬لوقف‭ ‬قرار‭ ‬أمريكي‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬أدان‭ ‬حماس‭ ‬ولم‭ ‬يطالب‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وفي‭ ‬تحركات‭ ‬المبعوث‭ ‬الصيني‭ ‬الخاص‭ ‬بالشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وزياراته‭ ‬لمصر‭ ‬وقطر‭ ‬والسعودية‭ ‬والإمارات‭.‬

وتتمتع‭ ‬بكين‭ ‬بعلاقات‭ ‬طيبة‭ ‬مع‭ ‬الأطراف‭ ‬المباشرة‭ ‬للأزمة‭ ‬والأطراف‭ ‬العربية‭ ‬المؤثرة،‭ ‬كما‭ ‬تحتفظ‭ ‬بعلاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬وطهران‭ ‬وأنقرة‭. ‬وفي‭ ‬مارس‭ ‬الماضي،‭ ‬حققت‭ ‬الصين‭ ‬انتصاراً‭ ‬دبلوماسياً‭ ‬بنجاح‭ ‬وساطتها‭ ‬بين‭ ‬السعودية‭ ‬وإيران،‭ ‬والاتفاق‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬بينهما‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬مبادرة‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي،‭ ‬تطرح‭ ‬الصين‭ ‬نفسها‭ ‬كوسيط‭ ‬لحل‭ ‬النزاعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬فدعت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬محمود‭ ‬عباس،‭ ‬لزيارتها‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬أنه‭ ‬يتبعه‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬نتيجة‭ ‬نشوب‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬

فهل‭ ‬من‭ ‬المتصور‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬الصين‭ ‬لإحياء‭ ‬هذه‭ ‬المحاولة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬توتر‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬يضعف‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاحتمال؟‭ ‬سوف‭ ‬تستمر‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬العلاقات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬وألا‭ ‬تؤدي‭ ‬الصراعات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬مصالحها‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬وخاصةً‭ ‬أنها‭ ‬الشريك‭ ‬التجاري‭ ‬الأول‭ ‬لكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬واعتمادها‭ ‬في‭ ‬استيراد‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وإيران‭. ‬

ختاماً،‭ ‬لا‭ ‬تُغير‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬سياساتها‭ ‬بين‭ ‬عام‭ ‬وآخر‭ ‬فجأة‭ ‬أو‭ ‬بدون‭ ‬مقدمات،‭ ‬وإنما‭ ‬تسعى‭ ‬للتعامل‭ ‬والتكيف‭ ‬مع‭ ‬الظروف‭ ‬المُتغيرة‭ ‬والاستفادة‭ ‬منها‭. ‬وسياسات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024،‭ ‬سوف‭ ‬تكون‭ ‬نتاج‭ ‬تقييم‭ ‬ما‭ ‬حققته،‭ ‬مكسباً‭ ‬أو‭ ‬خسارة،‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬السابق‭. ‬وكما‭ ‬يشير‭ ‬هذا‭ ‬التحليل،‭ ‬فإن‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬يسمح‭ ‬لهما‭ ‬بتطوير‭ ‬أدوارهما‭ ‬وتوسيع‭ ‬نفوذيهما‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬أما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فسوف‭ ‬تبذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهدها‭ ‬لمنع‭ ‬موسكو‭ ‬وبكين‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭. ‬وتظل‭ ‬واشنطن‭ ‬هي‭ ‬اللاعب‭ ‬الرئيسي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وسوف‭ ‬تسعى‭ ‬لتعويض‭ ‬ما‭ ‬أصاب‭ ‬صورتها‭ ‬واستعادة‭ ‬مكانتها‭ ‬مرة‭ ‬أُخرى‭.‬

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية

‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا