العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

الحوكمة والتنمية الاقتصادية

بقلم: عدنان أحمد يوسف

الثلاثاء ١٦ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

تحتل‭ ‬الحوكمة‭ ‬مركز‭ ‬العصب‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬التي‭ ‬تنفذها‭ ‬الحكومات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن،‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬رؤى‭ ‬اقتصادية‭ ‬حكيمة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬اقتصادات‭ ‬البلدان‭ ‬الخليجية‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬أكثر‭ ‬عمقا‭ ‬وتنوعا‭ ‬واستدامة‭.‬

ومثلما‭ ‬ترتبط‭ ‬الحوكمة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الكلي‭ ‬برفع‭ ‬إنتاجية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وتحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬التشغيل‭ ‬والاستثمار‭ ‬الأمثل‭ ‬للموارد‭ ‬المتاحة،‭ ‬فإنها‭ ‬ترتبط‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الجزئي‭ ‬بتطبيق‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المعايير‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والمهنية‭ ‬تتعلق‭ ‬بصفة‭ ‬أساسية‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الشركة‭ ‬وأصحابها؛‭ ‬أي‭ ‬مجموعة‭ ‬القواعد‭ ‬والحوافز‭ ‬التي‭ ‬تراقب‭ ‬وتوجه‭ ‬الإدارة‭ ‬إلى‭ ‬تعظيم‭ ‬الربحية‭ ‬وقيمة‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬الأجل‭ ‬الطويل‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المساهمين‭. ‬وفي‭ ‬كلا‭ ‬المستويين‭ ‬فإن‭ ‬الحوكمة‭ ‬معنية‭ ‬بتحسين‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬المساهمة‭ ‬بشكل‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬جهود‭ ‬الإصلاح‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الخليجية‭ ‬الراهنة‭. ‬

ومنذ‭ ‬عام‭ ‬1997،‭ ‬ومع‭ ‬انفجار‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬الآسيوية،‭ ‬أخذ‭ ‬العالم‭ ‬ينظر‭ ‬نظرة‭ ‬جديدة‭ ‬إلى‭ ‬الحوكمة‭ ‬والأزمة‭ ‬المالية‭ ‬المشار‭ ‬إليها،‭ ‬قد‭ ‬يمكن‭ ‬وصفها‭ ‬بأنها‭ ‬كانت‭ ‬أزمة‭ ‬ثقة‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬والتشريعات‭ ‬التي‭ ‬تنظم‭ ‬نشاط‭ ‬الأعمال‭ ‬والعلاقات‭ ‬فيما‭ ‬بين‭ ‬منشآت‭ ‬الأعمال‭ ‬والحكومة‭. ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬المشاكل‭ ‬العديدة‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬إلى‭ ‬المقدمة‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬الأزمة‭ ‬تتضمن‭ ‬عمليات‭ ‬ومعاملات‭ ‬الموظفين‭ ‬الداخليين‭ ‬والأقارب‭ ‬والأصدقاء‭ ‬بين‭ ‬منشآت‭ ‬الأعمال‭ ‬والحكومة،‭ ‬وحصول‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬مبالغ‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬قصيرة‭ ‬الأجل‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬حرصت‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬معرفة‭ ‬المساهمين‭ ‬بهذه‭ ‬الأمور‭ ‬وإخفاء‭ ‬هذه‭ ‬الديون‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طرق‭ ‬ونظم‭ ‬محاسبية‭ ‬‮«‬مبتكرة‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الأحداث‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬ابتداء‭ ‬بفضيحة‭ ‬شركة‭ ‬إنرون‭ ‬Enron‭ ‬وما‭ ‬تلا‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬اكتشافات‭ ‬تلاعب‭ ‬الشركات‭ ‬في‭ ‬قوائمها‭ ‬المالية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالقطب‭ ‬البارز‭ ‬في‭ ‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬برنادر‭ ‬مادوف‭ ‬أظهرت‭ ‬بوضوح‭ ‬أهمية‭ ‬حوكمة‭ ‬الشركات‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المعتاد‭ ‬اعتبارها‭ ‬أسواقا‭ ‬مالية‭ ‬‮«‬قريبة‭ ‬من‭ ‬الكمال‮»‬‭. ‬وبرزت‭ ‬أهمية‭ ‬الحكومة‭ ‬مجددا‭ ‬مع‭ ‬ارتباط‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬الأزمة‭ ‬العالمية‭ ‬عام‭ ‬2008‭ ‬بالتلاعب‭ ‬في‭ ‬بنود‭ ‬المشتقات‭ ‬المالية‭ ‬نتيجة‭ ‬لضعف‭ ‬الرقابة،‭ ‬وكذلك‭ ‬التلاعب‭ ‬في‭ ‬إظهار‭ ‬الأرباح‭ ‬المحققة‭ ‬من‭ ‬المتاجرة‭ ‬في‭ ‬الاستثمارات‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مكافآت‭ ‬أعلى‭.‬

إن‭ ‬للحوكمة‭ ‬الجيدة‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬النمو،‭ ‬حيث‭ ‬تشير‭ ‬دراسة‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬أنّه‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬نوعية‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تضاهي‭ ‬النوعية‭ ‬المتوسطة‭ ‬التي‭ ‬تتّسم‭ ‬بها‭ ‬الإدارة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬الناجحة‭ ‬لكان‭ ‬معدّل‭ ‬نموّها‭ ‬أعلى‭ ‬بحوالي‭ ‬نقطة‭ ‬مئوية‭ ‬واحدة‭ ‬سنوياً‭. ‬

وتظهر‭ ‬الدراسات‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تقييم‭ ‬مناخ‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للحوكمة‭ ‬الضعيفة‭ ‬أن‭ ‬تعطّل‭ ‬النمو‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬مستويات؛‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كون‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬تنظّم‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬مطبّقة‭ ‬ولكن‭ ‬غير‭ ‬واضحة‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬توقّعها‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬الأحيان‭. ‬والثاني‭ ‬أن‭ ‬الأنظمة‭ ‬والقوانين‭ ‬مطبّقة‭ ‬حالياً‭ ‬ولكن‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬تفرض‭ ‬عوائق‭ ‬أمام‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬والخروج‭ ‬منه‭. ‬وأخيرا‭ ‬اتسام‭ ‬بعض‭ ‬الخدمات‭ ‬العامة‭ ‬المقدمة‭ ‬للقطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بالضعف‭ ‬وعدم‭ ‬التطور‭.‬

إن‭ ‬أنظمة‭ ‬الحوكمة‭ ‬الجيدة‭ ‬تشجع‭ ‬على‭ ‬المنافسة‭ ‬الجيدة،‭ ‬التي‭ ‬بدورها‭ ‬تساعد‭ ‬الشركات‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الكفاءة‭ ‬والجودة‭ ‬وتحدّ‭ ‬من‭ ‬التلاعب‭ ‬بالأسعار‭ ‬وتخفض‭ ‬خطر‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المضللة‭ ‬وتعزّز‭ ‬قدرا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬المحاسبة‭ ‬والشفافية‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬الشركات‭ ‬وتعزّز‭ ‬حوكمة‭ ‬أفضل‭ ‬للشركات‭.‬

ونحن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬تقدماً‭ ‬حقيقياً‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬حوكمة‭ ‬الشركات‭ ‬والقطاع‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تعديل‭ ‬القوانين‭ ‬الحالية‭ ‬للشركات‭ ‬وتعزيز‭ ‬آليات‭ ‬المحاسبة‭ ‬وتلبية‭ ‬متطلبات‭ ‬الحوكمة‭ ‬في‭ ‬الشركات‭. ‬وإدراكاً‭ ‬منهم‭ ‬لحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحوكمة‭ ‬الجيدة‭ ‬تشكل‭ ‬عاملاً‭ ‬أساسياً‭ ‬في‭ ‬ضمان‭ ‬استدامة‭ ‬النمو‭ ‬والتطور‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬بدأوا‭ ‬يمسكون‭ ‬بزمام‭ ‬المبادرة‭ ‬ويلتزمون‭ ‬بتطبيق‭ ‬معايير‭ ‬أكثر‭ ‬أماناً‭ ‬للحوكمة‭ ‬في‭ ‬شركاتهم‭.‬‮ ‬‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬قواعد‭ ‬الحوكمة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭ ‬مثل‭ ‬إنشاء‭ ‬دواوين‭ ‬الرقابة‭ ‬المالية‭ ‬والإدارية‭ ‬وعطاءات‭ ‬المناقصات‭ ‬الحكومية‭ ‬وتشريعات‭ ‬محاربة‭ ‬الفساد‭ ‬وغيرها‭. ‬

ولكي‭ ‬يتم‭ ‬تطبيق‭ ‬معايير‭ ‬الحوكمة‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬جهود‭ ‬الإصلاحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬فإن‭ ‬المطلوب‭ ‬مواصلة‭ ‬تطوير‭ ‬بيئة‭ ‬تشريعية‭ ‬ورقابية‭ ‬متكاملة‭ ‬خاصة‭ ‬بالحوكمة‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬العام‭.. ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬بناء‭ ‬قدرات‭ ‬مؤسساتية‭ ‬ورقابة‭ ‬قوية‭ ‬على‭ ‬الآليات‭ ‬المعتمدة‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬سلامة‭ ‬التطبيق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬وتقوية‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لحوكمة‭ ‬الشركات‭ ‬عبر‭ ‬تطوير‭ ‬القوانين‭ ‬وتأسيس‭ ‬نيابات‭ ‬قضائية‭ ‬مختصة‭ ‬للبت‭ ‬في‭ ‬القضايا‭ ‬المالية‭. ‬

 

رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬مصارف‭ ‬البحرين

رئيس‭ ‬اتحاد‭ ‬المصارف‭ ‬العربية‭ ‬سابقا

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا