أخبار وتقارير متناثرة منشورة في صحف ومواقع مختلفة تشير إلى المدى الذي وصلت إليه إدارة بايدن في استعدادها لإمداد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة خلال عدوانها على غزة. فمن بين تلك التقارير تحقيق نشرته «الجارديان» البريطانية يكشف عن استعداد الإدارة للقفز على القواعد المرعية والإجراءات القانونية التي التزمت بها الإدارات المتعاقبة من أجل السماح لإسرائيل باستخدام مستودعات السلاح الأمريكية الموجودة أصلًا في إسرائيل، والتي تحوي أسلحة وذخائر أمريكية بمليارات الدولارات.
فالثابت أن لأمريكا مستودعات عسكرية سرية في إسرائيل وكوريا الجنوبية لا يتم الإفصاح عن مواقعها بالضبط. والمنطق وراء وجود تلك المستودعات خارج الأرض الأمريكية هو المساعدة على الإمداد الفوري للقوات الأمريكية بالسلاح والذخيرة متى اضطرت إلى خوض حرب في أي من الإقليمين.
ومخزون الأسلحة والذخائر الأمريكية بإسرائيل له أهداف إضافية. صحيح أن تلك الترسانة مُخزنة من أجل الاستعمال الأمريكي إلا أنه في أوقات «الطوارئ» يجوز لإسرائيل استخدامها طبعًا، مما يساعد على منحها التفوق العسكري النوعي على العرب مجتمعين، وهي سياسة أمريكية ثابتة عبر عقود طويلة.
وكون الأسلحة موجودة أصلًا في إسرائيل يسمح للأخيرة باستخدامها بمجرد صدور قرار تنفيذي أمريكي بعيدًا عن الرقابة الشعبية ورقابة الكونجرس.
أما ما فعلته إدارة بايدن، وفق «الجارديان»، فهو أنها سعت لتخفيف القيود على نوعية الأسلحة الممكن تخزينها بتلك المستودعات أصلًا، ورفع سقف التمويل اللازم للإحلال، بما يرفع سقف ما يجوز لإسرائيل سحبه من المستودعات، فضلًا عن منح المرونة لإجراءات البنتاجون عند للسماح لإسرائيل باستخدامها.
وتلك الإجراءات من جانب الإدارة كانت المسؤولة، بالمناسبة، عن استقالة مسؤول كبير بالخارجية الأمريكية كانت وظيفته متابعة الجوانب القانونية المتعلقة بتقديم السلاح للدول الأخرى.
ويقول تحقيق «الجارديان» إن تلك المستودعات تحتوي على ما يُعرف بالذخيرة «الغبية»، أي تلك التي لا تمتلك آليات للاستهداف الدقيق، مما ينتج عنه تدمير هائل وضحايا بالجملة من المدنيين.
وكان تحقيق «الجارديان» قد نُشر بعد أسابيع من تصريح مصدر رسمي أمريكي أعرب عن «اعتقاده» أن إسرائيل تستخدم الذخيرة «الغبية»، وهو ما يُكذّب، في ذاته بالمناسبة، كل الادعاءات الأمريكية والإسرائيلية التي تزعم أن إسرائيل «تفعل ما تستطيع» لتجنب قتل المدنيين.
أكثر من ذلك، بعد أسبوع من عملية طوفان الأقصى نشر موقع «أكسيوس» تقريرًا أوضح أن الولايات المتحدة كانت قد نقلت إلى أوكرانيا قبل شهور جزءًا من ذخائرها الموجودة في مستودعاتها بإسرائيل، بعد موافقة الأخيرة، الأمر الذي ترتب عليه أن طالبت، وقت كانت تستعد للهجوم البري على غزة، الولايات المتحدة بسرعة إحلالها. وأكد تقرير «أكسيوس» موافقة أمريكا، مؤكدًا أن «عشرات الآلاف» من قذائف المدفعية، من طراز 155 مليمترا، سيتم نقلها إلى إسرائيل بدلًا من تلك التي تم سحبها لصالح أوكرانيا. وتلك القذائف تحديدًا تخلق جحيمًا مدمرًا للمدنيين وللبنى التحتية.
أما أخطر تلك التقارير فهو الذي نشرته مصادر أمريكية معنية بالدفاع والأمن أشارت صراحة إلى أنه بسبب الإمدادات الأمريكية المستمرة لإسرائيل وأوكرانيا صارت ترسانة أمريكا من الذخيرة تعاني عجزًا يصل لحد «الأزمة».
وهو ما دفع عضو لجنة القوات المسلحة، السيناتور الجمهورية ديب فيشر، للمطالبة بضرورة الإسراع بسد ذلك العجز. لكن التقرير نفسه يشير إلى أنه حتى لو عملت الصناعة العسكرية الأمريكية بكل طاقتها، فإن سد ذلك العجز سيتطلب ستة أشهر على أقل تقدير.
باختصار، يعلمنا التاريخ أن انهيار الإمبراطوريات يتسارع متى توسعت في مغامراتها العسكرية لحدود تفوق طاقتها.
{ باحثة في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك