في الفترة الماضية، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً مطولاً لتوماس فريدمان بعنوان «ماذا يحدث لعالمنا؟». وفيه يزعم فريدمان أن حركة حماس كان بوسعها أن تحول غزة إلى دبي لو أنها اتخذت الخيارات الصحيحة في عام 2005.
رغم أنني لا أؤيد نهج حماس، فإن ما قاله فريدمان، والذي سمعت آخرون يقولونه، فيه الكثير من الخيال، كما أنه غير صحيح إلى حد كبير من الناحية التاريخية وهو ما يستدعي دحضها.
تعود أسباب افتقار الأراضي الفلسطينية إلى التنمية إلى ما قبل عشرة أعوام من الانتخابات المصيرية التي جرت عام 2005 والتي أتت بحماس إلى السلطة. أعرف ذلك لأنني كنت هناك وشاهدت هذه الحقائق تتكشف في الزمن الحقيقي وعلى أرض الواقع.
ورغم أن الفلسطينيين قد ارتكبوا بدورهم بعض الأخطاء، فإنه من الظلم أن نلومهم على السياسات الإسرائيلية التي خنقت الاقتصاد الفلسطيني عمداً وفشل الولايات المتحدة الأمريكية في اتخاذ تدابير فعالة لمواجهتها.
وفي الفترة ما بين سنتي 1993 و1996، شاركت في رئاسة مشروع «بناة السلام» الذي أطلقه نائب الرئيس الأمريكي آل جور لتعزيز الاستثمار الأمريكي في الأراضي المحتلة. وبهذه الصفة، ترأست الجلسة المتعلقة بالاقتصاد الفلسطيني في مؤتمر القمة الاقتصادي في الدار البيضاء عام 1994، وسافرت إلى المنطقة برفقة وزير التجارة رون براون.
وفي عدة مناسبات أخرى، قمت أيضا بقيادة وفود من قادة الأعمال الأمريكيين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة لتعزيز الشراكات التجارية التي من شأنها تحفيز التنمية الاقتصادية.
لقد شجعتنا الدراسة التي أجراها البنك الدولي والتي لاحظت أن القطاع الخاص الفلسطيني في الأراضي يمكن أن يكون المحرك للنمو إذا تمكن من تأمين الاستثمار وأتيحت له الفرصة للمشاركة بحرية في التجارة مع العالم الخارجي.
وكنا نعلم، كما أشار نائب الرئيس جور، أن توسيع الفرص الاقتصادية لن يجلب السلام، ولكن بدون هذه الفرص فإن تحقيق السلام سيكون مستحيلاً.
لقد أعطتنا زياراتنا الأولية للوفد الأمل، حيث أبدت شركات أمريكية بارزة ومعروفة إعجابها برجال الأعمال الفلسطينيين الذين التقت بهم، وتم التوصل إلى بعض الصفقات.
وخلال الأشهر التي تلت ذلك، أصبح من الواضح أن الإسرائيليين لم يكونوا على استعداد للسماح للفلسطينيين أو لشركائهم الأمريكيين باستيراد المواد الخام أو تصدير المنتجات النهائية من دون سيطرة إسرائيلية أو وسيط إسرائيلي. ونتيجة لذلك، فقد انهارت الصفقات التي أبرمناها ولم تؤت أكلها.
لقد تفاقمت المشكلة مع مرور الأعوام. في أحد الأيام تلقيت اتصالاً من أحد المسؤولين في وزارة الزراعة الأمريكية، حيث كانت هناك شحنة مكونة من 50 ألف بصيلة زهور حاولت الولايات المتحدة الأمريكية إدخالها إلى قطاع غزة.
لقد ظلت تلك الشحنة تنتظر الحصول على التصريح الإسرائيلي لفترة طويلة حتى تعفنت ولم تعد بالتالي صالحة، ذلك أن إسرائيل لم تكن تريد المنافسة على صادراتها من الزهور. كان لدى وزارة الزراعة أموال كافية لشحنة أخرى من البصيلات، لكنها لم ترغب في المخاطرة بالإنفاق إذا كانت النتيجة هي نفسها.
وفي عام 1995، شعرت بالإحباط، وكتبت مذكرة مطولة للرئيس بيل كلينتون. كما أدليت بشهادتي مع عدد من زملائي في «بناة السلام» أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، حيث تناولت بالتفصيل العوائق الإسرائيلية أمام الاستثمار والنمو الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية.
وفي رسالتي وشهادتي، أشرت إلى أن الوضع - بعد أقل من عامين من أوسلو - أصبح رهيباً. وكان لإغلاق إسرائيل للأراضي الفلسطينية وفرض نقاط التفتيش الداخلية في جميع أنحاء الضفة الغربية في أعقاب المذبحة التي ارتكبها باروخ غولدشتاين ضد المسلمين في المسجد الإبراهيمي في الخليل، أثره سلباً على الدعم الفلسطيني للسلام.
فالمستوطنات آخذة في النمو، وكذلك البطالة بين الفلسطينيين. وفي الضفة الغربية، بلغت نسبة البطالة أكثر من ثلث القوى العاملة، بينما وصلت في قطاع غزة إلى نسبة مذهلة استقرت عند 62%.
وقد قلت على وجه الخصوص ما يلي:
«وعلى الرغم من وعود المجتمع الدولي، لم يبدأ أي مشروع للبنية التحتية لخلق فرص العمل. لا تزال مياه الصرف الصحي المفتوحة تشكل خطراً صحياً خطيراً. وبدلا من التقدم الحقيقي، حصل الفلسطينيون على مراقبين ودراسات وتعهدات ووعود لم تتحقق وكثير من اللوم».
«لا يريد الشباب الفلسطيني شيئًا أكثر من الحصول على وظيفة، والحصول على حياة ذات معنى، وتربية الأسرة ورؤيتهم تزدهر. إن غضبهم هو نتاج اليأس، المولود من الخوف والإحباط من عدم وجود مستقبل لهم. وإذا أردنا أن يبقى السلام، يجب علينا أن نعالج هذه الأزمة بكل الموارد والقدرات التي لدينا لنظهر للفلسطينيين أن وعد السلام يمكن تحقيقه».
وكانت طلباتنا واضحة ومباشرة: أن يكون القطاع الخاص الفلسطيني قادراً على تأمين الاستثمارات؛ وأن يتم الضغط على إسرائيل للسماح للشركات الفلسطينية بالاستيراد والتصدير مع العالم الخارجي؛ وأن يتم توجيه أموال المانحين الدوليين إلى مشاريع خلق فرص العمل. وقد أشار أحد زملائي اليهود في برنامج «بناة السلام» إلى أن المسؤولية تقع على عاتق الولايات المتحدة وإسرائيل، وليس على الفلسطينيين، لتحقيق ذلك.
وبينما أعرب الرئيس كلينتون وأعضاء مجلس الشيوخ عن دعمهم، فإن توصيتنا بالضغط على إسرائيل للتخلي عن زمام الأمور والسماح للفلسطينيين بالتنفس والنمو، قوبلت بالرفض من قبل «فريق السلام» التابع للإدارة الأمريكية، وقالوا إن أي ضغط على إسرائيل من شأنه أن يعيق جهودهم التفاوضية.
لقد حدث كل هذا في التسعينيات، وليس في عام 2005. وبالمعنى الحقيقي، فإن حماس لم تخلق هذه الفوضى، بل إنها لقد ورثت اليأس الناتج عن السيطرة الإسرائيلية الخانقة والإهمال والاستسلام الأمريكي.
وبقطع النظر عن الطريقة التي تعاملت بها حماس تعاملت مع تلك الأوضاع فإن السبب وراء عدم تحول غزة إلى سنغافورة لم يكن له علاقة بخيارات حماس بقدر ما يتعلق بأولئك الذين خذلوا الفلسطينيين ومسار السلام.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك