يجمع الخبراء والمحللون الإسرائيليون، الذين يعرفون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، على أن هذا الرجل مستعد لفعل كل شيء من أجل البقاء في الحلبة السياسية، وبالذات كرئيس لحزب «الليكود» ورئيس للحكومة. وقد نجح نجاحاً باهراً في السابق في معركة البقاء لدرجة أنه قضى على كل خصومه ومنافسيه، وحصل على لقب رئيس الحكومة الذي بقي أطول فترة في الحكم، وتفوق بذلك على دافيد بن جوريون أول رئيس حكومة لإسرائيل.
ولكن أمور نتنياهو تعقدت بعد تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي الذي يضم، بالإضافة إلى «الليكود» والأحزاب الأصولية، حزبَي «الصهيونية الدينية» برئاسة بتسلئيل سموتريتش و«القوة اليهودية» برئاسة إيتمار بن غفير، حيث بدأ نتنياهو حرباً ضد الجهاز القضائي في الدولة؛ رغبة منه في التخلص من القضايا المتهم فيها بالاحتيال والرشوة وسوء الأمانة، ومن أجل توفير نظام حكم لليمين المتطرف لينفذ برنامجه السياسي والاجتماعي. وكان الشارع يتحرك ضده بقوة كبيرة غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل، لدرجة أن الكثيرين توقعوا سقوطه نتيجة للاحتجاجات الشعبية.
الهجوم الذي شنته حركة «حماس» على «غلاف غزة»، في السابع من أكتوبر الماضي، وضع نتنياهو على حافة السقوط، فهو المتهم الرئيس بالفشل والهزيمة اللذين منيت بهما إسرائيل، هو وكل المستويَين السياسي والأمني.
والفشل هنا لا يتعلق فقط بالإخفاق الأمني الاستخباري والعملياتي، بل أيضاً في مفهوم إدارة الصراع والتعامل مع قطاع غزة وحركة «حماس» التي اعتقد أنه روّضها وردعها. وكل محاولات نتنياهو لإلقاء اللوم على الجيش والجهات الأمنية في هذه الهزيمة لم تنجح، حتى أنه أصبح متهماً بأنه يريد إطالة أمد الحرب من أجل بقائه السياسي، وخاصة بعد أن فشل جيش الاحتلال في تحقيق الأهداف التي وضعتها الحكومة برئاسته، والتي تتمثل في القضاء على «حماس»، وإسقاط حكمها، وإعادة المحتجزين الإسرائيليين.
والرئيس جو بايدن خسر جزءاً مهماً من شعبيته في الرأي العام الأمريكي والدولي؛ جراء الدعم اللامحدود لجرائم الحرب التي تنفذها إسرائيل في قطاع غزة. ولهذا أصبحت الإدارة الأمريكية تبحث عن مخرج يعالج الوضع في قطاع غزة والمناطق الفلسطينية في اليوم التالي للحرب، وخاصة بعد فشل إسرائيل في عمليتها البرية في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، وضرورة التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
صحيح أن الإدارة الأمريكية لا تزال ترفض وقف إطلاق النار بشكل تام ونهائي، وتصر على هدن إنسانية، وإدخال المساعدات لسكان قطاع غزة، وتحرير المحتجزين، لكنها تبحث مع الحكومة الإسرائيلية مسألة الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب، وموضوع إدارة قطاع غزة بعد الحرب. وحول هذا الموضوع هناك خلافات جوهرية بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي. ففي حين تريد إسرائيل إبقاء احتلالها للقطاع واقتطاع شريط حدودي منه كمنطقة عازلة، وتقسيمه إلى نصفين، والسيطرة على محور فيلادلفيا (الشريط الحدودي بين مصر وغزة)، وتعارض عودة السلطة لإدارة القطاع، ترفض واشنطن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لغزة أو اقتطاع أي جزء منها أو تهجير السكان، وتضغط من أجل عودة سكان غزة والشمال إلى مناطقهم. وتؤيد إدارة السلطة الفلسطينية لكل أراضي الضفة والقطاع ضمن القيام بإصلاحات محددة. وتدعم الذهاب إلى حل الدولتين على المدى الأبعد.
هذا الخلاف الأمريكي الإسرائيلي قد يقود إلى صدام بين إدارة بايدن والحكومة الإسرائيلية. وقد عبّر عنه تصريح لمسؤول أمريكي لشبكة «سي إن إن»، قبل أيام حين قال: «إنه سيتعين على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاختيار بين طريقة شريكَيه إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش في الحكم، وبين طريقة ترضي واشنطن».
وبطبيعة الحال لا تستطيع إسرائيل أن تستمر بالحرب في حال توقفت الولايات المتحدة عن مدها بالسلاح. وبحسب تعبير أحد القادة العسكريين السابقين، فإنه من دون الدعم الأمريكي «ستحارب إسرائيل بالعصا والحجارة».
والسؤال هو: هل صراع نتنياهو للبقاء وحاجته إلى سموتريتش وبن غفير يحتل أولوية على مصلحة إسرائيل؟ وهل يستطيع المغامرة بصدام مع واشنطن؟ قد لا يذهب نتنياهو حد القطيعة مع الولايات المتحدة أو المواجهة المباشرة معها، وعلى الأغلب سيحاول لعبة شد الحبال بينها وبين حكومته. وقد يكون على قناعة بأن بايدن لن يغامر بصراع مع إسرائيل يصل إلى حد التوقف عن دعمها خلال سنة الانتخابات التي بدأت هذا العام، لحاجة بايدن إلى دعم اللوبي اليهودي، وخاصة أن بايدن دائماً ما يخلف وعوده ويكذب كما فعل ذلك مع الفلسطينيين طوال السنوات الثلاث الماضية. أو ربما ستذهب الإدارة إلى دعم إسقاط نتنياهو كجزء من الحل المقبل.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك