قال تعالى: «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا (163) ورسلًا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلًا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما (164) رسلًا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزًا حكيمًا (165)» النساء.
هذا البيان القرآني المعجز الحكيم يرفع الحرج عن أنبياء الله ورسله الكرام الذين حملوا رسالات السماء إلى الناس، وأن الناس يوم القيامة سوف يحاسبون ويؤجرون أو يعذبون وفق ما ارتكبوا بإرادتهم الحرة، ومن عدل الله تعالى المطلق أنه لا يحاسب الناس بعلمه، ولكنه سبحانه يحاسبهم بالدليل والبرهان، وحتى الشيطان سينال حظه من الحرية للدفاع عن نفسه، ويدلي بحججه وبراهينه لينفي عن نفسه إجبار الناس وإغواءهم لأنه لا يملك سلطان قوة ليجبرهم على الوقوع في المعاصي، وأيضًا لا يملك سلطان الإقناع، وها هو يقدم مرافعته عن نفسه: «وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم» إبراهيم / 22.
إذًا، فما أعظم مهمات الرسل الكرام وما أثقلها عليهم يوم القيامة، وسوف يُسأَلون عنها على رؤوس الأشهاد يوم القيامة.
كل هذا البيان، جاء في معجزة المعجزات، وهو القرآن الكريم الذي اختص به الأمة الإسلامية التي اختارها الله تعالى لتحمل مسؤولية البلاغ والشهادة، وهو كتاب أثبت الله تعالى فيه تاريخ الأنبياء والرسل وما دار بينهم وبين أقوامهم، ولولا هذا القرآن ما علمت البشرية تاريخ البشرية، وأخبار الأمم السابقة، وهو كتاب معجز حري بالأمم المحافظة عليه وتقديره وتبجيله رغم أنه في غير حاجة إلى كل هذا لأن الله تعالى تعهد بحفظه، والدفاع عنه، قال تعالى: «إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» الحجر / 9. وقال جل جلاله: «.. وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)» فصلت.
وإليكم ما دار بين نبي الله نوح (عليه الصلاة والسلام) وقومه، قال تعالى: «إنَّا أرسلنا نوحًا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم (1) قال يا قوم إني لكم نذير مبين (2) أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون (3) يغفر لكم ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون (4) قال رب إني دعوت قومي ليلًا نهارًا (5) فلم يزدهم دعائي إلا فرارًا (6) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا (7) ثم إني دعوتهم جهارا (8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا (9) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا (12) مالكم لا ترجون لًله وقارا (13) وقد خلقكم أطوارا (14)» سورة نوح.
هذا الحوار الطويل، الذي استخدم فيه نبي الله نوح ( عليه الصلاة والسلام) جميع أساليب الدعوة من التبشير والإنذار، والوعد بالمثوبة للطائعين، والعذاب الشديد للعاصين ورغم ذلك لم يسمعوا قوله، ولم يؤمنوا بدعوته، ولما استوفى جميع أعذاره توجه إلى الله تعالى، فدعا عليهم، وسأل ربه سبحانه بأن يتولى هلاكهم، ويخلص الناس من شرورهم ، قال الله تعالى: «وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دَيَّارا» سورة نوح / 26، فاستجاب الله له، وأهلك قومه المعاندين له، الرافضين لدعوته، المستهزئين بجهاده واجتهاده، قال سبحانه وتعالى: «كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر (9) فدعا ربه أني مغلوب فانتصر (10) ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر (11) وفجرنا الأرض عيونًا فالتقى الماء على أمر قد قدر (12) وحملناه على ذات ألواح ودسر (13) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر (14) ولقد تركناها آية فهل من مدكر (15) فكيف كان عذابي ونذر (16)» سورة القمر.
هذه هي الملحمة التي قصها الله تعالى في القرآن الكريم، والتي تكفل الله تعالى بحفظها عندما حفظ للبشرية المعجزة الخالدة القرآن الكريم في قوله: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» (سورة الحجر / 9)، ولقد تعهد سبحانه وتعالى بحمايته وصيانته من أن تعبث به أيدي العابثين، قال سبحانه .. : «وإنه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)» سورة فصلت.
إذًا، فهذا هو القرآن العظيم إنه المعجزة الخالدة، والتي تؤكد على صدق الرسل الكرام جميعهم في بلاغهم عن الله تعالى، وهو الكتاب الوحيد الذي سلم من التحريف والدس، قال تعالى: «فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون» سورة البقرة / 79.
هذا هو القرآن الكريم في جلاله وعلو شأنه، وتميزه عن الكتب السابقة له بأنه جمع بين المعجزة والشريعة، وهو ميزان توزن به الأفعال والأقوال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك