اتجه مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي «كوب 28»، الذي انعقد في «دبي»، عام 2023، إلى تبني توجه التخفيض التدريجي لاستهلاك الوقود الأحفوري، باعتباره مسؤولا عن ازدياد انبعاث الغازات الدفيئة، ما ينبئ بأن هذا التوجه سيمثل قيدًا على الاستثمارات الجديدة في إنتاجه؛ لكن ولأن العالم لم يصل بعد إلى إيجاد بديل كامل يستطيع التعويض عن استهلاك هذا الوقود – برغم الحديث المستمر عن مشروعات إنتاج الطاقة المتجددة – فإنه يظل مهيمنًا على سوق الطاقة على الأقل في الأجل القصير.
وإذا كان عام 2023، قد تجاوز فيه الطلب على النفط مستوى ما قبل جائحة كورونا في 2019، فقد توقع الخبراء أن الطلب العالمي على النفط، قد يصل إلى مستوى قياسي جديد عام 2024. ويعتمد توازن السوق في هذه السنة على إجراءات منظمة «أوبك+»، ومعدل نمو الاقتصاد الصيني، وإنتاج الولايات المتحدة، مع تأكيد أن العامل الرئيسي الذي أثر على توازن السوق العالمي في 2023، هو الإجراءات التي اتخذتها المنظمة بخفض إنتاج النفط طوعًا.
ووفقا للمراقبين، فإنه قد يكون هناك تمديد جديد لتخفيضات إنتاج «أوبك+»، إذا ما حدث نمو إنتاج كبير من خارجها، أو تباطأ نمو الاقتصاد العالمي. وإذا كان متوسط الطلب اليومي على الخام عالميًا قد بلغ 102.2 مليون برميل، فإنها قد توقعت في تقريرها يوم 14 ديسمبر الماضي، أن يصعد هذا الطلب إلى 104.4 ملايين برميل، كما توقعت «وكالة الطاقة الدولية»، أن ينمو الطلب في 2024، بمقدار 1.1 مليون برميل يوميًا، على الرغم من التباطؤ المتوقع في النمو الاقتصادي العالمي، وعزت «الوكالة»، ذلك إلى التحسن الاقتصادي للولايات المتحدة، وانخفاض أسعار النفط، ونمو أسرع من المتوقع في اقتصاد الصين، التي تعد أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، بمتوسط يومي 10 ملايين برميل، وثاني أكبر مستهلك له بعد الولايات المتحدة، بمتوسط 14.5 مليون برميل يوميًا. وكان تحالف «أوبك+»، قد أعلن في 30 نوفمبر الماضي عن جولة جديدة في تخفيضات الإنتاج حتى نهاية الربع الأول من عام 2024.
ومقارنة بمستويات أسعار ديسمبر 2023، البالغة 77 دولارا للبرميل، توقعت خمسة بنوك كبرى في العالم، أن يصل سعر خام برنت إلى نحو 85 دولارا للبرميل في 2024، فيما توقع «بنك جولد مان ساكس»، أن يصل إلى 92 دولارا للبرميل، ورأى محللو «مورجان استانلي»، أنه سيكون 85 دولارا للبرميل، بينما «بنك أوف أمريكا»، توقع أن يصل إلى 90 دولارا، وتوقعت «وحدة معلومات الطاقة الأمريكية»، لخام برنت سعر 88.22 دولارا للبرميل، ولخام غرب تكساس 83.22 دولارا للبرميل.
يُذكر أن أسعار النفط كانت قد سجلت خسائر بنحو 10% خلال عام 2023، بعدما حققت أداء متميزا في عامي 2021 و2022، متأثرة بالمخاوف الجيوسياسية، ورفع «الفيدرالي الأمريكي»، أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، فيما يتمثل التهديد الأكبر الذي يمكن أن يؤثر على الأسعار، في المخاوف من انهيار الاتفاق الحالي بين أعضاء «أوبك+»، حول خفض الإنتاج، البالغ نحو 2 مليون برميل يوميًا، إضافة إلى التخفيضات الطوعية التي تقوم بها 9 دول بقيادة السعودية، وكانت «المنظمة»، قد هدفت من وراء خفض الإنتاج الوصول إلى أسعار مناسبة للمنتجين، وعدم حدوث نكسات سعرية.
وتوقعت «أوبك»، أن يزيد الإنتاج من خارجها بمقدار 1.4 مليون برميل يوميًا، يحركه بشكل أساسي الإنتاج في الولايات المتحدة، وكندا، وغويانا، والبرازيل، والنرويج، وكازخستان، فيما تتوقع «إدارة معلومات الطاقة الأمريكية»، زيادة إنتاج النفط الخام في أمريكا إلى 13.16 مليون برميل يوميًا في 2024 من متوسط إنتاج بلغ 11.94 مليون برميل يوميًا في 2023، وأن يصل إنتاج أوبك إلى مستوى 28.30 مليون برميل يوميًا من إجمالي إنتاج عالمي يبلغ 102.88 مليون برميل يوميًا.
أما سوق الغاز، فتشير توقعاته إلى مواصلة النمو على مستوى الاستهلاك والإنتاج والأسعار، مع تفاوت في التقديرات بحسب المناطق، فيما يشهد المعروض من الغاز المسال زيادة مدعومة بصادرات الولايات المتحدة، المرشحة لتجاوز 12 مليار قدم مكعبة يوميًا، لأول مرة في تاريخها، بحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، يقابل هذا نمو الطلب العالمي في حدود 1.5% في 2024، إلى 4.13 تريليونات متر مكعب، مع انخفاض الاستهلاك في أوروبا، وزيادته في آسيا والمحيط الهادي.
وتُعزى النسبة المنخفضة لنمو الطلب إلى انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 2.6% – وهو الأسوأ منذ الأزمة المالية العالمية في (2007–2008) – فيما تعد أمريكا الشمالية أعلى المناطق المستهلكة عالميًا، بقيادة الولايات المتحدة تليها كندا ثم المكسيك. ومن المتوقع أن يبلغ استهلاكها 1.139 تريليون متر مكعب في 2024. وتأتي منطقة آسيا والمحيط الهادي في المركز الثاني عالميًا بقيادة الصين، وسط توقعات نمو الاستهلاك إلى 939 مليار متر مكعب في 2024، أما أوراسيا فتأتي في المرتبة الثالثة، باستهلاك متوقع يبلغ 633 مليار متر مكعب، تقودها روسيا المتوقع أن يبلغ استهلاكها 495 مليار متر مكعب، بينما الشرق الأوسط يبلغ استهلاكه المتوقع 603 مليارات متر مكعب في 2024، ثم أوروبا في المركز الخامس باستهلاك متوقع 496 مليار متر مكعب.
يقابل هذا، ارتفاع الإنتاج المتوقع من الغاز عالميًا بنسبة 1.6% ليصل إلى 4.14 تريليونات متر مكعب في 2024، مقارنة بـ4.08 تريليونات متر مكعب في 2023. وتأتي أمريكا الشمالية على رأس المناطق المنتجة في 2024، بإنتاج 1.267 تريليون متر مكعب، تستحوذ منها الولايات المتحدة وحدها على 1.05 تريليون متر مكعب. وتأتي منطقة أوراسيا في المركز الثاني بقيادة روسيا، مع توقع إنتاج المنطقة 828 مليار متر مكعب في 2024، مقارنة بـ 806 مليارات متر مكعب في 2023، ومن هذا الرقم يبلغ إنتاج روسيا 641 مليار متر مكعب في 2024، مقارنة بـ620 مليار متر مكعب في 2023، أما منطقة الشرق الأوسط فتحتل المركز الثالث عالميًا، مع توقع إنتاج 745 مليار متر مكعب في 2024 مقارنة بـ729 مليار متر مكعب في 2023، ثم منطقة آسيا والمحيط الهادي في المركز الرابع عالميًا مع توقع إنتاج 677 مليار متر مكعب في 2024، مقارنة بـ668 مليار متر مكعب في 2023، ومن هذا الرقم يبلغ إنتاج الصين 234 مليار متر مكعب في 2024، مقارنة بـ227 مليار متر مكعب في 2023، ثم تأتي إفريقيا في المركز الخامس بإنتاج متوقع 259 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 254 مليار متر مكعب في 2023، ثم أوروبا في المركز السادس وسط توقع إنتاج 221 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 218 مليار متر مكعب في 2023، وفي المركز الأخير، تأتي أمريكا الوسطى والجنوبية، بتوقع إنتاج 149 مليار متر مكعب، مقارنة بـ 145 مليار متر مكعب في 2023.
ومن حيث الإمدادات والمخزون، تبدو السوق العالمية مريحة نسبيًا، ما قد يسمح بتجاوز فصل الشتاء دون اضطرابات، إلا إذا زادت مخاطر ظروف الطقس. وتتوقع «إدارة معلومات الطاقة الأمريكية»، زيادة المعروض من الغاز الطبيعي المسال، بمقدار 4 مليارات قدم مكعب يوميًا، قابلة للتصدير خلال فصل الشتاء حتى مارس 2024، فيما تبدو حالة المخزونات العالمية من الغاز جيدة، خاصة في أوروبا، والولايات المتحدة، وكبرى الدول المستوردة للغاز المسال في آسيا، ما يخفف الضغط على أسواق الغاز المسال خلال فصل الشتاء، كما تتوقع أيضا نمو صادرات أمريكا من الغاز المسال إلى 12.36 مليار قدم مكعبة يوميًا في 2024، بفضل التوسع في قدرات الإسالة والتصدير، ودخول إمدادات جديدة من الغاز المسال إلى السوق في عام 2024 من بعض الدول الإفريقية المصدرة كموريتانيا، والسنغال، والجابون.
وتشهد أسعار الغاز في 2024، عودة للارتفاع مرة أخرى، مدعومة بتشديد أساسيات العرض والطلب، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار بنسبة 10%؛ ليتأرجح السعر في نطاق 14 إلى 15 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في مراكز التسعير الأوروبية والآسيوية.
على العموم، هذا النمو المتوقع في أسواق النفط والغاز، يعني أن الاقتصاد الخليجي، ومن ثمّ، العربي، لن يكون مكشوفًا لصدمات اقتصادية في 2024، رغم توجه مؤتمر المناخ الأخير في دبي لخفض استهلاك الوقود الأحفوري تدريجيًا، ويعزز هذا اكتشافات النفط والغاز الجديدة، ومنها حقلان للغاز في الربع الخالي بالسعودية (حقل الحيران وحقل المحاكيك)، والوصول إلى آبار جديدة في حقول مكتشفة سابقًا في المملكة، فضلا عن 4 اكتشافات للغاز والنفط بمصر، و10 اكتشافات نفطية في الجزائر، ومكامن للغاز في المغرب.
علاوة على ذلك، فقد تصدرت 3 دول خليجية المشهد في قطاع الطاقة المتجددة؛ (السعودية، والإمارات، وسلطنة عُمان)، وتتسابق 7 دول عربية نحو الريادة العالمية في إنتاج الهيدروجين الأخضر (السعودية، الإمارات، مصر، سلطنة عُمان، الأردن، المغرب، الجزائر) في إدراك قوي للانتقال الاقتصادي السلس إلى عصر ما بعد النفط.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك