العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أوهام أسقطتها حرب إبادة غزة (2):
إسرائيل «واحة أمن» في الشرق الأوسط!

بقلم: د. قصي حامد {

الخميس ١١ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

زعزعت‭ ‬قدرة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬إيذاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬‮«‬بيتها‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬واختراق‭ ‬تحصيناتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬والتقنية،‭ ‬شعور‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بالأمن‭ ‬وثقتهم‭ ‬بمؤسستهم‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭.‬

لقد‭ ‬شككت‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬في‭ ‬نجاعة‭ ‬السياسات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬العقيدة‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والتي‭ ‬ارتكزت‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تفوق‭ ‬إسرائيل‭ ‬العسكري،‭ ‬وإحاطة‭ ‬نفسها‭ ‬بسياج‭ ‬حدودي‭ ‬وقبة‭ ‬حديدية،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬منظومة‭ ‬ردع‭ ‬توفر‭ ‬لها‭ ‬الأمن‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬حمايتها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬هجمات‭ ‬مضادة‭. ‬

إن‭ ‬الفشل‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬المؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستخبارية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬التنبؤ‭ ‬بمخططات‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬وتقدير‭ ‬قوة‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬تنظيم‭ ‬هجوم‭ ‬مدروس‭ ‬واستثنائي‭ ‬ودرء‭ ‬الخطر‭ ‬عن‭ ‬مواطنيها؛‭ ‬وضع‭ ‬مسألة‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬المحك،‭ ‬حيث‭ ‬سعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬إلى‭ ‬تسويق‭ ‬نفسها‭ ‬لمواطنيها‭ ‬وللعالم‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬واحة‭ ‬الأمن‮»‬‭ ‬وتفاخرت‭ ‬بقدراتها‭ ‬العسكرية‭ ‬وتقدم‭ ‬أنظمتها‭ ‬التكنولوجية‭ ‬العسكرية‭.‬

لقد‭ ‬كشفت‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬عن‭ ‬انهيار‭ ‬كارثي‭ ‬للاستراتيجية‭ ‬الأمنية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لمواجه‭ ‬حماس‭ ‬والمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬فعلى‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬أعقبت‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬وسيطرة‭ ‬حماس‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007،‭ ‬ظنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬احتواء‭ ‬حماس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تسهيلات‭ ‬تحقيق‭ ‬انفراجات‭ ‬اقتصادية‭ ‬محدودة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬مقابل‭ ‬مساومتها‭ ‬على‭ ‬الالتزام‭ ‬بالهدوء،‭ ‬وردعها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توجيه‭ ‬ضربات‭ ‬عسكرية‭ ‬قوية‭ ‬ترهقها‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬القيادي‭ ‬والعسكري،‭ ‬أمران‭ ‬ممكنان،‭ ‬وقادران‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬التصعيد‭ ‬غير‭ ‬مرجح‭.‬

تشير‭ ‬التصريحات‭ ‬التي‭ ‬أدلى‭ ‬بها‭ ‬رئيس‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تساحي‭ ‬هنغبي،‭ ‬إلى‭ ‬قناعة‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬بنجاعة‭ ‬سياسات‭ ‬الردع‭ ‬والاحتواء‭ ‬التي‭ ‬تنتهجها‭ ‬ضد‭ ‬حماس‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬قدرات‭ ‬حماس‭ ‬المتنامية‭. ‬إذ‭ ‬قلل‭ ‬من‭ ‬التحدي‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تشكله‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬زاعما‭ ‬أن‭ ‬حماس‭ ‬قد‭ ‬تعلمت‭ ‬درساً‭ ‬قاسياً‭ ‬من‭ ‬الضربات‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬وجهتها‭ ‬لها‭ ‬إسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬2021،‭ ‬وأنها‭ ‬تتشبث‭ ‬بالتسهيلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حماس‭ ‬وبعد‭ ‬كل‭ ‬حرب‭ ‬ضروس‭ ‬خاضتها‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬تثبت‭ ‬في‭ ‬قوة‭ ‬أكبر‭ ‬وتستخدم‭ ‬أسلحة‭ ‬أفضل‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تليها،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصواريخ‭ ‬ذات‭ ‬المديات‭ ‬الأبعد،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الطائرات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬طيار‭.‬

إن‭ ‬قدرة‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬المستوطنات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غلاف‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬تهديدات‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬للمستوطنات‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬الشمالية،‭ ‬عززتا‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمن‭ ‬لدى‭ ‬المستوطنين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬في‭ ‬الجبهتين،‭ ‬وجعلتا‭ ‬من‭ ‬مسألة‭ ‬تحقيق‭ ‬إسرائيل‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬لها‭ ‬ولمواطنيها‭ ‬أمراً‭ ‬مستعصياً‭. ‬فقد‭ ‬قدم‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬صورة‭ ‬مغايرة‭ ‬عن‭ ‬إمكانية‭ ‬تحقيق‭ ‬إسرائيل‭ ‬لأمنها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستفراد‭ ‬بالفلسطينيين‭. ‬فللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬خمسين‭ ‬عاماً‭ ‬تكون‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬عرضة‭ ‬لهجمات‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد‭. ‬فعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬الجهود‭ ‬السياسية‭ ‬والضغط‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬تكون‭ ‬إيران‭ ‬طرفاً‭ ‬فيها،‭ ‬فإن‭ ‬مشاركة‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬المتصاعدة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬ضربات‭ ‬الحوثيين‭ ‬الصاروخية،‭ ‬أثارت‭ ‬مخاوف‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬تعتده‭ ‬ثقافتها‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستراتيجية‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1973‭. ‬فمشاركة‭ ‬جبهات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيل‭ ‬فرض‭ ‬تهديداً‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬للشعور‭ ‬بالأمن‭ ‬لدى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬اضطرهم‭ ‬لإخلاء‭ ‬التجمعات‭ ‬الاستيطانية‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية،‭ ‬أو‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬الملاجئ‭ ‬والغرف‭ ‬الآمنة‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1948‭.‬

إن‭ ‬إقناع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬واحة‭ ‬أمن‮»‬‭ ‬أصبح‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تزايد‭ ‬حالة‭ ‬العداء‭ ‬تجاهها،‭ ‬وتجسيد‭ ‬ذلك‭ ‬عملياً‭ ‬في‭ ‬تعدد‭ ‬الهجمات‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬مختلفة‭. ‬ولاسيما‭ ‬أن‭ ‬عودة‭ ‬المستوطنين‭ ‬إلى‭ ‬مستوطنات‭ ‬الغلافين‭ ‬أصبحت‭ ‬خاضعة‭ ‬لقدرة‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬أمنهم‭ ‬من‭ ‬التهديدات‭ ‬عبر‭ ‬تلك‭ ‬الحدود،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬سوف‭ ‬يجهد‭ ‬إسرائيل‭ ‬كثيراً،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لتبني‭ ‬استراتيجية‭ ‬دفاعية‭ ‬جديدة‭ ‬وقوية،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬لإقناعهم‭ ‬بقدراتها‭ ‬على‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمنهم،‭ ‬وأن‭ ‬إخفاقها‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬كان‭ ‬كبوة‭ ‬لن‭ ‬تتكرر؛‭ ‬ناهيك‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬إقناع‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أنفسهم‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬‮«‬الوطن‭ ‬الآمن‮»‬‭ ‬لليهود‭.‬

منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬تزايدت‭ ‬أعداد‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬غادروا‭ ‬البلاد‭ ‬وفقا‭ ‬لتقرير‭ ‬نشره‭ ‬موقع‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬زمان‭ ‬إسرائيل‮»‬‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬سلطة‭ ‬السكان‭ ‬والهجرة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والذي‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬370‭ ‬ألف‭ ‬إسرائيلي‭ ‬غادروا‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ويتوقع‭ ‬ارتفاع‭ ‬أعدادهم‭ ‬مع‭ ‬استمرار‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬تعاني‭ ‬منه‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولاسيما‭ ‬مع‭ ‬تصاعد‭ ‬التوتر‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬الشمالية‭ ‬مع‭ ‬لبنان،‭ ‬والمواجهات‭ ‬المتواصلة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭.‬

{ الدكتور‭ ‬قصي‭ ‬حامد‭ ‬مساعد‭ ‬عميد‭ ‬كلية‭ ‬الإعلام‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬القدس‭ ‬المفتوحة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭. ‬خبير‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬صدر‭ ‬له‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬حماس‭ ‬في‭ ‬السلطة‭: ‬مسألة‭ ‬التحولات‮»‬‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا