التكنولوجيا سلاح ذو حدين، ففي خضم سعي العالم لمواكبة آخر التوجهات الحاصلة وتبني أحدث التقنيات للاستمرار بالنمو والتطور، نشهد على النقيض وجود شرذمة من المحتالين الذين لا يتوانون عن تطويع التكنولوجيا ذاتها في سبيل تحقيق مآربهم لتحصل الأموال بطرق غير مشروعة.
وتُعد جريمة غسل الأموال من الجرائم الحديثة التي يصعب التحقق منها نظرًا لانتشارها على نطاق واسع وإمكانية ممارستها باستخدام وسائل متطورة يصعب تتبعها أغلب الأحيان، مما يُشكل تهديدًا للنظام المالي العالمي وهو ما أدى إلى تكاتف الجهود الدولية للتصدي لهذه الجريمة عبر طرح برامج ومبادرات جادة وفاعلة.
وفي هذا الصدد، عمدت مملكة البحرين – متمثلة في مصرف البحرين المركزي – إلى وضع لوائح حازمة وأنظمة صارمة وعقوبات رادعة بغية التصدي لمثل هذه المحاولات والعمل على مكافحة عمليات النصب والاحتيال بشتى أنواعها. ولم تقتصر الجهود المحلية على ذلك فحسب، بل صدر مرسوم ملكي بإنشاء الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني.
ومع انطلاق المؤسسات المالية كالبنوك والمصارف في رحلة الرقمنة، كان حتمًا عليها أن تؤمن منصات وبوابات إلكترونية آمنة تعمل على تسهيل وتسريع عملية إجراء المعاملات المصرفية عبر الإنترنت على مدار الساعة وفي أيّ مكان، مع الحرص على عدم الإخلال بسرية وخصوصية المعلومات والبيانات الشخصية للمستخدمين.
وحرصت تلك المؤسسات أيضًا على نشر الوعي وتحذير العامة من التعرض للانتهاكات الإلكترونية عن طريق طرح الحملات التوعوية النشطة في مجال الأمن السيبراني. وعبر تبني عقلية رقمية سباقة، تمكنت المؤسسات المالية من إحداث تغيير إيجابي وفاعل في كفاءة إجراءات مكافحة غسل الأموال، والتصدي لمحاولات القرصنة الإلكترونية المشبوهة في الوقت الفعلي، واكتشاف الثغرات الأمنية في أنظمة البيانات بكفاءة عبر خوارزميات التعلم الآلي. وقد جاء ذلك عبر تبني الحلول التكنولوجية المدعومة بتقنيات الجيل الجديد من برمجيات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي عزز من قدرتها على اكتشاف الأنماط الاحتيالية، والتكيف مع مختلف أساليب قراصنة الإنترنت المستمرة في التطور.
ولم يقتصر أثر تبني هذه التقنيات الحديثة في تحسين دقة إجراءات مكافحة غسل الأموال فحسب، بل أدى اعتمادها لمساندة الكفاءات العاملة في المجال وتيسير مهامهم، حيث تُعد الموازنة بين أتمتة المنظومة الأمنية المعلوماتية ورقابة العنصر البشري للبيانات ركيزة أساسية لدعامة منظومة أمن البيانات.
ومما لا شك فيه أن العنصر البشري يلعب دورًا بارزًا في التحقق من أبعاد المخاطر والاختراقات الإلكترونية، واتخاذ القرارات في أوقات الأزمات. وهذا ما يستوجب منا جميعًا كمهنيين في المجال البقاء على إطلاع دائم باستراتيجيات الاحتيال السائدة والأساليب المستجدة في عالم القرصنة.
رئيس الالتزام ومكافحة غسل الأموال في بنك السلام
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك