نشرت صحيفة نيويورك تايمز قبل بضعة أيام مقالين منفصلين يصفان ردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية على الحرب المستمرة، ويرسمان معاً صورة مزعجة للوضع الذي وصلنا إليه بعد ثلاثة أشهر من السابع من أكتوبر 2023م.
جاء المقال الذي يخص الإسرائيليين بعنوان «7 أكتوبر يجبر الإسرائيليين على إعادة التفكير في هويتهم»، مع عنوان فرعي «الهجوم هز الإيمان بوجود ملاذ آمن، ولكنه وحد أيضًا شعبًا منقسمًا».
أما المقال الذي يخص الجانب الفلسطيني فقد كان بعنوان «مخيم جنين»، مع عنوان فرعي: «مواجهة القوات الإسرائيلية والدمار، مع التعهد بالبقاء على قيد الحياة» وتضمن اقتباسًا جاء فيه، «القتل، والغزو، والغارات – كل ذلك سيؤجج المزيد من المقاومة».
يركز جزء كبير من المقال الإسرائيلي على بعض نقاط البيانات حول اليهود المتشددين الذين يعبرون الآن عن اهتمامهم بالخدمة في الجيش – وهو الأمر الذي قاوموه دائمًا .
لا ينبغي لأي من هذا أن يكون مفاجئا، لأنه يشبه الوحدة الأولية التي عاشها الأمريكيون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولكن من المهم أن نتذكر أن ردود الأفعال العاطفية لا تؤدي إلا بشكل مؤقت إلى سد خطوط الصدع التي إذا لم تتم معالجتها فسوف تظهر مرة أخرى في المستقبل.
وكما يوضح المقال الأول، فإن خطوط الصدع لا تزال قائمة. ورغم اهتزاز فكرة إسرائيل باعتبارها ملاذاً قادراً على حماية اليهود، فإن الإحساس بالوحدة والهوية الذي يتقاسمه أغلب اليهود الإسرائيليين الآن يكمن في يهوديتهم وشعورهم بعدم الثقة في الفلسطينيين وفي أي حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وربما مازالوا يكرهون رئيس وزرائهم، لكن العديد منهم مازالوا يؤيدون عمليات القتل في غزة ويلتزمون الصمت إزاء أعمال العنف المستمرة التي ترتكبها غارات الشرطة والمستوطنين في الضفة الغربية.
وإذا كان الإسرائيليون يعتقدون أن هجوم حكومتهم على غزة والقمع المكثف في الضفة الغربية سينجح في إخضاع الفلسطينيين، فإن المقال الآخر الذي نشرته صحيفة نيويورك تايمز واستطلاع المواقف الفلسطينية الذي تمت تغطيته قبل أسبوع يثبت أن العكس قد حدث.
إن سبعين بالمائة من الفلسطينيين يؤيدون الهجوم الذي شنته حماس في السابع من شهر أكتوبر الماضي. وفي حين تم إعلان أعداد القتلى والجرحى في غزة – أكثر من 21 ألف قتيل، وأكثر من 55 ألف جريح – فإن تأثير الغارات الإسرائيلية في مختلف أنحاء الضفة الغربية لا يزال أقل شهرة.
وفي مخيم جنين، أخضع الإسرائيليون سكانه لهجوم شبيه بهجوم غزة. إليكم وصف نيويورك تايمز للوضع: «لقد تضررت خطوط الكهرباء، وثقبت خزانات المياه، وتحولت الطرق المعبدة إلى أكثر من مجرد حصى وركام.
ورائحة مياه الصرف الصحي تنتشر بكثافة في الهواء. وعلى مدى الشهرين الماضيين، انتقل نحو 80 في المائة من نحو 17 ألف شخص بشكل مؤقت...». وخلال تلك الفترة القصيرة، تم اعتقال 330 من سكان جنين وقتل 67 منهم.
وفي مواجهة ذلك، نُقل عن أحد السكان قوله: «ما يحاول الإسرائيليون فعله بكل هذا الدمار هو خلق حالة من اليأس ودق إسفين بين الناس في المخيم والمقاومة – لذلك يلوم الناس المقاومة. ما لا يدركونه هو أن قوتنا الكبرى هي وحدتنا».
والمشكلة بطبيعة الحال هي أنه في حين تستمر قصة الموت بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الظهور، فقد أثبتت الولايات المتحدة الأمريكية أنها أيضاً لم تتعلم أي دروس من أحداث الماضي.
وبعد تحذير إسرائيل من ارتكاب الأخطاء التي ارتكبتها في أفغانستان، وقفت الولايات المتحدة الأمريكية موقف المتفرج بصمت بينما فعلت إسرائيل ذلك. وقد حذرتها الولايات المتحدة الأمريكية من استهداف المدنيين ثم قامت بشحنها للقنابل التي لا تزال تتسبب في خسائر فادحة في حياة المدنيين. وقد تصدت الولايات المتحدة لجميع النداءات الدولية لوقف إطلاق النار.
ليس الأمر كما لو أن إسرائيل أخفت نواياها. وقد أشار رئيس الوزراء نتنياهو ثلاث مرات إلى أن مصير الفلسطينيين سيكون مثل مصير «العماليق»، ضحايا الإبادة الجماعية في العهد القديم.
وقال وزير الدفاع يوآف غالانت إنه يجب تسوية غزة بالأرض، ووصف الفلسطينيين بأنهم «حيوانات» قائلا إنهم سيعاملون على هذا النحو. والآن يدعو أعضاء بارزون في حزبه إسرائيل إلى إعادة احتلال غزة بعد طرد عدد كبير من سكانها إلى مصر أو إلى دول أخرى قد تقبلهم. وكان الرد الأمريكي ضعيفا.
وبالإضافة إلى مجرد قول «لا» لإعادة الاحتلال و«لا» لإعادة التوطين القسري، فقد اقترحت الولايات المتحدة «خطة» للمضي قدماً، ولا يمكن وصفها إلا بأنها تزيد الطين بلة.
إن فكرة أن السلطة الفلسطينية ستكون قادرة على حكم غزة في أعقاب الهجوم الإسرائيلي هي فكرة وهمية. كما هي الحال بالنسبة لفكرة أن هذا الائتلاف الإسرائيلي أو أي ائتلاف إسرائيلي مستقبلي سيكون على استعداد للتحرك نحو حل الدولتين عن طريق التفاوض. والسؤال المعقول الذي قد يطرحه المرء هو: «التفاوض على ماذا؟»
ومع تدمير قطاع غزة؛ ومع استيلاء المستوطنات الإسرائيلية على مزيد من الأراضي، فإن ذلك يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية متصلة الأراضي وقابلة للحياة.
ومع قيام المستوطنين والجيش الإسرائيلي باجتياح الفلسطينيين وإخراجهم من منازلهم وممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس؛ ومع عدم وجود حكومة ائتلافية إسرائيلية محتملة مستعدة لقبول دولة فلسطينية مستقلة؛ ومع إضعاف السلطة الفلسطينية وحماس ومع رفض الولايات المتحدة كبح جماح الانتهاكات والتجاوزات الإسرائيلية – ما الذي سيتم التفاوض عليه ومع من سيتمكن أي من الجانبين من التفاوض؟
إذا تعلمنا أي شيء من الأشهر الثلاثة الماضية، فهو أن السلوك السيئ الذي ترك دون رادع سوف ينمو ويتفاقم. لقد مكنت الولايات المتحدة هذا الوضع من أن يصبح على ما هو عليه الآن.
وإلى أن تجد الولايات المتحدة الشجاعة السياسية للمطالبة بوقف إطلاق النار ووقف المساعدات السياسية والعسكرية في المستقبل، فإن دائرة العنف والقمع سوف تستمر. يبدأ الأمر برمته بتعلم الولايات المتحدة الدروس من إخفاقاتها السابقة والحالية ثم تغيير مسارها.
وهذا في حد ذاته لن ينهي الصراع، لكنه سيخلق بيئة يضطر فيها الإسرائيليون إلى مواجهة التكاليف المترتبة على المسار الذي اختاره قادتهم، ويمكن للفلسطينيين أن يشعروا بالأمل في فهم محنتهم. وهذا يمكن أن يمثل بداية عملية طويلة من التحول يمكن أن تقود الطريق إلى السلام.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك