استحقت دولة الاحتلال وبكل جدارة لقب «قاتلة الأطفال والنساء»، فهي بلا شك قد تفوقت على كل الدول التي ارتكبت جرائم إبادة في العقود السبعة الأخيرة، واستحقت معها إدارة الرئيس بايدن لقب «شريك القتلة». الأمين العام للأمم المتحدة أعلن في أكثر من مناسبة أن عدد الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل في شهرين غير مسبوق في التاريخ، حيث قال: «على مر السنوات السبع الماضية قَدمتُ تقارير أظهرت أن أكبر عدد من الأطفال الذين قُتلوا في عام واحد من قبل طرف واحد كان عام 2017 أو 2018 من قبل حركة طالبان. وكان ثاني أعلى رقم يُعزى للحكومة السورية وحلفائها حين بلغ عدد الأطفال القتلى نحو 700 طفل» مضيفاً: «إن روسيا قد أضيفت إلى التقرير العام الماضي، وكان عدد الأطفال القتلى 350» وهذه الأرقام لا يمكن مقارنتها بالأعداد الهائلة التي تقتلها إسرائيل من أطفال غزة.
كما ذكرت صحف أمريكية أن حجم الدمار الذي أحدثته إسرائيل في غزة يفوق في حجمه ما أحدثه الحلفاء في مدينة دريسدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية.
سأكرر القول بأن أمريكا هي من يتحمل المسؤولية عن هذه الجرائم لأن الأطفال والنساء يقتلون بسلاحها وبدعمها السياسي والعسكري والمالي غير المحدود لإسرائيل، ولا يوجد سبب يدفعها لتحمل هذا العبء الأخلاقي، ولكنه «رُخص» القادة السياسيين في أمريكا الذين يعطون الأولوية لمصالح دولة أجنبية على حساب مصالح بلدهم من أجل مصالحهم الخاصة الضيقة.
هؤلاء لا يختلفون في سلوكهم عن «خونة» أوطانهم، ولو كانت هناك ديمقراطية حقيقية في بلدانهم لتمت محاكمتهم بتهمة الخيانة العظمى، ولتم الزج بهم في السجون.
لقد بدأت عملية «أسرلة» السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط منذ وقت طويل، وتحديداً بعد حرب يونيو العام 1967عندما تمكن مؤيدو إسرائيل من إقناع الرئيس ليندون جونسون بأن عليه أن يدعم إسرائيل لأنها تمكنت من توجيه ضربة قوية للاتحاد السوفييتي بهزيمة العرب. وكان هذا في ظروف الحرب الباردة مسألة مهمه لأمريكا التي كانت تتلقى الضربات من ثوار الفيتكونج في فيتنام المدعومين من الاتحاد السوفييتي.
منذ ذلك الوقت جرت محاولات كثيرة من قبل مؤيدي إسرائيل من المحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي لتصوير أن إسرائيل «هي مصلحة إستراتيجية حيوية للولايات المتحدة»، وأن ما هو «جيد لإسرائيل هو بالضرورة جيد لأمريكا وأن العكس صحيح أيضاً».
أحياناً نجح هؤلاء في ذلك وأحياناً أخرى فشلوا. في ولاية ريجان الأولى نجحوا مثلاً بإقناع الرئيس رونالد ريجان أن منظمة التحرير يجب أن تُصنف كمنظمة إرهابية لأنها تتلقى الدعم من الاتحاد السوفييتي، ونجحوا في إقناعه بإعطاء الضوء الأخضر لمهاجمة لبنان والقضاء على منظمة التحرير.
لكن الضربة الموجعة التي تلقتها أمريكا في لبنان 1983 عندما قُتل لها 241 جنديا، لم يجبرها فقط على الانسحاب منه، ولكنه أقنع ريجان بطرد المحافظين الجدد، حلفاء إسرائيل، من إدارته في الفترة الثانية لولايته، حيث أقال جين كيرباتريك التي كانت سفيرة لأمريكا في الأمم المتحدة، وكان قد أقال قبل ذلك الكسندر هيج وزير خارجيته لخلافات مع فيليب حبيب الذي كان يفاوض نيابة عن إسرائيل على رحيل المنظمة من لبنان.
ويمكن الاستطراد بذكر التاريخ الذي يظهر محاولات العديد من الإدارات الأمريكية أن تُظهِر إلى حد ما استقلالية في سياساتها تجاه الشرق الأوسط مثل دعوة الرئيس بوش الأول لمؤتمر مدريد للسلام الذي كانت ترفضه إسرائيل. وتقديم الرئيس كلينتون لمبادرته للسلام بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد رغم امتعاض إسرائيل منها، وعدم استخدام الفيتو في مجلس الأمن عندما اعتبر جميع المستوطنات غير شرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في نهاية عهد أوباما.
لكن «أسرلة» السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط كانت كاملة في عصر الرئيسين ترامب وبايدن. في عصر ترامب، طلبت إسرائيل القدس، فقام ترامب بإهدائها لها. وطلبت الجولان فقدمها لها. وطلبت 30% من مساحة الضفة الغربية لضمها فقدمها لها، وطلبت إغلاق مكتب المنظمة في أميركا والقنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، فقام بإغلاقهما.
الرئيس بايدن، الذي جاء إلى الرئاسة ببرنامج يناقض كل ما قام به ترامب، تبنى كل ما قام به سلفه عندما وصل الموضوع لإسرائيل. فهو لم يلغ أيا من قرارته التي قدمت الأراضي الفلسطينية المحتلة «هدية» لإسرائيل، ولا حتى تلك الرمزية منها مثل إعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، ومضى أيضاً على نفس الطريق في محاولات إبرام علاقات تطبيع بين العرب وإسرائيل متجاهلاً القضية الفلسطينية.
وليته اكتفى بذلك فلقد ذهب لأبعد مدى ممكن في إخضاع سياسات أمريكا لإسرائيل بالمشاركة المباشرة في جرائم حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين. بدأ ذلك بوزير خارجيته الذي حضر لتنفيذ أجندة إسرائيل بتهجير الفلسطينيين، وتبعه بايدن نفسه في حضور مجلس حرب دولة الاحتلال، وأقر معها إرسال بوارج أمريكا الحربية لحمايتها، وسياساتها في تجويع الفلسطينيين.
إن قمة «الرخص» و«الذل» لدولة تعتبر نفسها القوة الوحيدة العظمى في العالم أن تخضع لتوجيهات نتنياهو وتُخضِع سياساتها لرغبات دولة تجاوزت «الفجور» في جرائمها لا بفعل الضرورة، ولكن رغبة في الانتقام وفي إرسال رسالة للعرب وبلغة وزير دفاعها جالانت «لتعليم الشرق الأوسط درسا».
هذه الإدارة التي باعت نفسها لإسرائيل، لا تستحق الاحترام، ويجب عدم الاتصال بها أو الاجتماع بمسؤوليها، ويجب دعوة العرب أيضا لمقاطعتها وتحديدا وزير خارجيتها بلينكن الذي لا يخفي تأييده الصريح لإسرائيل. لعلها بعد ذلك تدرك أن لديها الكثير لتخسره بحمايتها ووقوفها إلى جانب قتلة الأطفال في دولة الاحتلال.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك