بينما تتنافس دول العالم على تمكين أصحاب العقول المبدعة من مبتكرين ومخترعين وتُمهد كل الطرق وتُذلل الصعوبات أمامهم من أجل الارتقاء بمستوى التطوير الابتكاري والدفع بعجلة التنمية الاقتصادية لديها، وتتكاتف جهود جميع المؤسسات الحكومية والخاصة والأهلية في هذه الدول لتبنّي مثل هذه الابتكارات أو الاختراعات وتدعم أصحابها إعلاميًا وماديًا ومعنويًا لتسجيلها وتطبيقها على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي تسعى تلك الدول لإبراز مبتكريها ومخترعيها ودعمهم في المسابقات والمحافل الإقليمية والدولية لتعكس مدى النهضة والتطور الذي تحظى به أمام أقرانها، وتتنافس هذه الدول لزيادة عدد الابتكارات وبراءات الاختراع المسجلة للارتقاء بترتيبها على مؤشر الابتكار الدولي.
بين ذلك كله، نجد أن المخترع البحريني يقف حائراً أمام اختراعه! فلا يملك أدنى فكرة عن الوقت المناسب لحماية فكرته وكيفية حمايتها، وما الجهة المعنية بتسجيل براءة اختراعه؟ وما الجهات الداعمة التي من الممكن أن تدعم اختراعه مادياً؟ وهل سيرى هذا الاختراع النور ويُنفذ على أرض الواقع؟ وغير ذلك من الأسئلة التي لا يزال المخترع البحريني لا يعرف لها إجابة!
من خلال تجربتي الشخصية بعد حصولي على جائزة أولمبياد الملكية الفكرية لسنة 2020، حيث شاركت مع ابنة بلدي البحرين أسماء النجدي بفكرتين لاختراعين في مجال الأزياء وكيفية دمجهما بالتكنولوجيا بما يخدم الاستدامة في البيئة وبفضل من الله تمكنا من الفوز بهذه الأولمبياد وتم الاحتفاء بفوزنا دوليًا وتكريمنا بالميداليات الذهبية والشهادات من قبل المسؤولين، كما عرض علينا الانضمام إلى عضوية الجمعية التونسية للملكية الفكرية تقديرًا منهم لجهودنا واختراعاتنا.
أما على مستوى مملكة البحرين فقد حصلنا ولله الحمد على تغطية إعلامية واسعة في الصحافة والإذاعة والتلفزيون، ولكن ماذا بعد ذلك؟ حينها كانت لدينا العديد من التساؤلات، ماذا نفعل بهذه الاختراعات؟ وأين نذهب بها؟ وما الجهة التي يجب أن نتابع معها؟ وهل للمخترعين نصيب من صناديق الدعم والتمكين في البحرين؟ ومن سيساعد في تنفيذ هذه الاختراعات؟ كل هذه التساؤلات وأكثر لم نكن نعلم لها إجابة!
وبعد البحث، اكتشفت أن المخترع له حقوق يجب حفظها أولاً بحصوله على براءة الاختراع كما أنه من شروط الحصول على هذه البراءة واكتساب ملكيتها هو (عدم إفصاح المخترع عن فكرة اختراعه بأي وسيلةٍ كانت إلا بعد تسجيلها)، حينها أدركت أنا وزميلتي أسماء عدم وعينا بذلك قبل المشاركة في المسابقة وإعلان اختراعاتنا، فقد سقط حقنا في تملّك الفكرة بحسب قانون الملكية الفكرية! وعليه قررنا الالتحاق بأكاديمية الوايبو وحصلنا على شهادة معتمدة في الملكية الفكرية لما لها من أهمية كبيرة في عصرنا الحالي.
وبعد ذلك أخذنا الشغف والطموح في هذا المجال لتأسيس الجمعية البحرينية للملكية الفكرية في مطلع عام 2022 وكان الهدف الرئيس من إنشاء هذه الجمعية نشر الوعي بأهمية حقوق الملكية الفكرية للمبدعين والمبتكرين البحرينيين وتسهيل كل الصعوبات أمامهم لحفظ حقوقهم وتسجيلها، وإرشادهم للجهات المعنية بالتسجيل في المملكة والتي تتمثل في وزارة الصناعة والتجارة ووزارة شؤون الإعلام، بالإضافة إلى دعم وتشجيع أصحاب المواهب والبحث العلمي في مجال الابتكار والملكية الفكرية، وخلق شبكة من الكفاءات العلمية الوطنية لتبادل الخبرات والمعارف في هذا المجال. ونحرص أيضاً على تقديم استشارات مجانية للمخترعين وأصحاب الأفكار المبتكرة بوجود مستشارين ذوي خبرة ونرشدهم إلى طرق حماية أفكارهم ودعمها. كما نقدم الدعم لطلبة الجامعات في مشاريع التخرج المبتكرة ونوعيهم بأهمية عدم الإفصاح عن فكرة اختراعاتهم إلا بعد تسجيلها، إلى جانب تشجيعهم على المشاركة في المسابقات الدولية.
ولكن رغم كل ذلك، يبقى هاجس الدعم المادي عائقًا أمام تقدمهم، حيث يجد المخترعون البحرينيون أنفسهم أمام متطلبات مادية تحول دون تسجيلهم لاختراعاتهم كرسوم التسجيل وبراءة الاختراع، بالإضافة إلى الرسوم السنوية التي يجب عليهم دفعها للمحافظة على هذه البراءة. ناهيك عن صعوبة المشاركة في المعارض والمسابقات الدولية. بينما يتمتع مشاركو دول أخرى بامتيازات مادية كفيلة بتشجيعهم على الاستمرار في الإبداع والابتكار والعمل على تطوير اختراعاتهم. ولذلك نجد أن المشاركات البحرينية شحيحة نسبيًا؛ نظرًا إلى عدم وجود الدعم المادي أو ندرته إن صح التعبير!
ومن هنا، أتمنى من الجهات الحكومية والقطاع الخاص تجارًا ومستثمرين، تخصيص صناديق دعم للمبتكرين والمخترعين البحرينيين، وتخصيص ميزانية للبحث العلمي والابتكار، وإنشاء مركز معني بالمبتكرين البحرينيين وتبنّيهم، وتذليل كل الصعوبات أمامهم للنهوض بهذا القطاع المهم لتنمية وتقدم البحرين وارتفاع ترتيبها على مؤشر الابتكار العالمي. كما أناشد وزارة التربية والتعليم بإضافة مقررات دراسية معنية بالابتكار والملكية الفكرية وتخصيص مختبرات للابتكار في جميع المدارس - بدءًا من المرحلة الابتدائية - والاهتمام بالطلبة المبتكرين ودعمهم بكل السبل؛ لكي يولد لدينا جيل مبدع ومبتكر ترتقي به مملكتنا البحرين.
*بصيص أمل:
لابد لي أن أنوّه عن مدى سعادتنا واستبشارنا بمبادرة صندوق العمل (تمكين) لدعم رسوم براءات الاختراع والتي سيكون لها حتمًا المردود الإيجابي على تشجيع المخترعين البحرينيين، ونأمل في القريب العاجل أن يكون هذا الدعم شاملاً لجميع متطلبات الاختراع من مرحلة التسجيل إلى مرحلة التنفيذ والتسويق.
{ نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية البحرينية للملكية الفكرية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك