في ظل ظروف الحرب التي تعيشها المنطقة العربية منذ بدء العدوان الإسرائيلي المدعوم أمريكيا على الشعب العربي الفلسطيني تنامت أهمية الصناعات والخدمات البحرية في تعزيز الأمن الوطني الخليجي والإقليمي، لا بل والعالمي، في أبعاده الاقتصادية والاستراتيجية، وخاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي تتميز بطول سواحلها البحرية، وامتدادها وقربها من عدة بحار، إضافة إلى الخليج العربي كالبحر الأحمر والبحر العربي وخليج عمان ومضيق هرمز، ومضيق باب المندب الذي يمثل المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، والذي يربطه بخليج عدن وقناة السويس، بالإضافة إلى وجود قوى إقليمية بحرية معادية وطامعة فيها، تملك ترسانات بحرية كبيرة، مما يفرض عليها تطوير صناعتها البحرية فهي بحاجة إليها لتأمين موانئها وسواحلها ومياهها الإقليمية ومنشآتها البحرية من أعمال التهديد البحري متعدد الأنماط والمصادر، بالإضافة إلى حماية تجارتها من القرصنة في أعالي البحار والمحيطات، وهي بحاجة إليها لمنع التهريب والقرصنة وتجارة المخدرات والأسلحة والهجرة غير القانونية في المنطقة، وهي بحاجة إليها لحمل وتدريب قواتها البحرية الدفاعية، وهي بحاجة إليها للتحسب والاستعداد لمواجهة التحديات الأمنية وحالة عدم الاستقرار الإقليمي، وهي بحاجة إليها لخلق نوع من التوازن العسكري مع دول الجوار الإقليمي، بالإضافة إلى ما تواجهه من تحديات اقتصادية، أبرزها سياسات التنويع الاقتصادي، الأمر الذي يجعلها بحاجة إلى الصناعات والخدمات البحرية لتوسيع قطاع الصيد البحري وصناعة وتعليب الأسماك، وهي بحاجة إليها لتعظيم تنافسية قطاع السياحة والرياضة البحرية، وهي بحاجة إليها لبناء منصات حقولها النفطية البحرية، وهي بحاجة إليها أيضا في التنقيب عن النفط والغاز في البحر.
إن حماية أمن واقتصاديات دول المجلس وسواحل الخليج العربي والبحر الأحمر والبحر العربي تعتمد جميعها على حماية المياه الإقليمية، وعلى القدرة على الدفاع عن هذه المياه من التهديدات المحتملة المتنوعة وتعزيز الأمن البحري الذي تعد صناعة السفن والقطع البحرية الحديثة قاعدته الرئيسة، فضلا عن تكثيف التنسيق والتعاون الإقليمي والدولي وبما يحقق أمن صادراتها النفطية، وتحقيق أمنها البيئي، وحماية بنيتها التحتية البحرية، وضمان حرية الملاحة بالمياه الإقليمية في مواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية التي تتعرض لها، علاوة على أهمية التكامل والتعاون، وصياغة استراتيجية موحدة لدول مجلس التعاون الخليجي في مجال الأمن البحري والصناعات والخدمات البحرية.
وبناء عليه فإن المرحلة الراهنة تتطلب التركيز على تحديث وتطوير الصناعات والخدمات البحرية واعتماد التقنيات الحديثة في بناء وتسليح أساطيلها البحرية وتزويدها بالزوارق المسيرة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لأجل تحقيق الأمن البحري بأبعاده الثلاث (القوات العسكرية البحرية، الأمن الاقتصادي البحري، الأمن البيئي البحري)، ولكي ندرك أهمية الأمن البحري لدول مجلس التعاون الخليجي وضرورة صياغة وتنفيذ استراتيجية بحرية موحدة لدول المجلس نشير إلى أن نسبة (90%) من نفط الخليج العربي يمر عبر مضيق هرمز سنوياً، وأن نحو (30) ألف قطعة بحرية وسفينة تمر من المضايق والبحار المحيطة بدول مجلس التعاون الخليجي وأن نسبة (45%) من التجارة الآمنة وحركة السفن العالمية تمر من خلال البحار المحيطة بدول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي يتطلب إعداد نظم متطورة للإمداد البحري الخليجي تتناسب واتساع رقعة مسرحها البحري، مع ضرورة أن تعتمد دول المجلس على إمكاناتها الجمعية وتبني قدراتها الوطنية بنفسها وتستفيد من تجارب دول أخرى مشابهة لها في القدرات والإمكانات إن لم تكن أقل منها، نجحت في تطوير قدراتها الصناعية البحرية بالاعتماد على الذات، فضلا عن ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي والعالمي لحماية الأمن البحري الخليجي، باعتبار أن أي تهديد للأمن البحري الخليجي هو تهديد لطاقة العالم وتجارته الخارجية وبالتالي أمنه الاقتصادي.
وحيث إن الصناعات البحرية تتميز بعمق ارتباطاتها الأمامية والخلفية مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، فصناعة السفن والقوارب تضم حوالي (89) مدخلا صناعيا، الأمر الذي يؤدي إلى تحريك القطاع الصناعي في دول المجلس وتنميته، كما ترتبط بقطاعات الاقتصاد الأخرى كقطاع الصيد البحري، القطاع السياحي، قطاع النقل والمواصلات، والقطاع الرياضي، والقطاع العسكري، وقطاع النفط، وقطاع البناء والإنشاء البحري وعليه فإنها صناعة استراتيجية مهمة تتلاقى وتتكامل مع الصناعات والقطاعات الاقتصادية بدول المجلس، وتوفر فرص عمل غاية في الأهمية لمواطني دول المجلس وذلك مقوم مهم لتوطينها وتنميتها.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك