العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

متى ننسلخ من ثقافتنا الغربية المصطنعة؟

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ٠٧ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

شئنا‭ ‬ذلك‭ ‬أم‭ ‬أبينا،‭ ‬فقد‭ ‬وجدنا‭ ‬أنفسنا‭ ‬تنجرف‭ ‬خلف‭ ‬تلك‭ ‬الثقافة‭ ‬الغربية‭ ‬الهشة،‭ ‬وللأسف‭ ‬لم‭ ‬ننجرف‭ ‬نحن‭ ‬فقط‭ ‬وإنما‭ ‬سحبنا‭ ‬خلفنا‭ ‬كل‭ ‬أطفالنا‭ ‬وعوائلنا،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬الأطفال‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬التحدث‭ ‬بالعربية،‭ ‬فإن‭ ‬تكلموها‭ ‬فإنهم‭ ‬يتكلمونها‭ ‬بصورة‭ ‬ركيكة،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬الجميع‭ ‬يضحك‭ ‬عليهم‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يتكلمون‭ ‬الإنجليزية‭ ‬بطلاقة،‭ ‬وإن‭ ‬تكلموا‭ ‬الإنجليزية‭ ‬فإننا‭ ‬نفتخر‭ ‬بهم‭.‬

ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬مما‭ ‬يلفت‭ ‬الأنظار‭ ‬في‭ ‬شوارعنا‭ ‬العربية‭ ‬انتشار‭ ‬الأسماء‭ ‬الأجنبية‭ ‬في‭ ‬المحال‭ ‬التجارية‭ ‬والمهن،‭ ‬والحرف،‭ ‬ومحلات‭ ‬التصوير،‭ ‬والفنادق،‭ ‬والمقاهي،‭ ‬والميادين،‭ ‬والشوارع،‭ ‬حتى‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬النادر‭ ‬أن‭ ‬تعثر‭ ‬على‭ ‬لافتة‭ ‬مكتوبة‭ ‬بالعربية،‭ ‬وإن‭ ‬وجدتها‭ ‬فإنك‭ ‬حتمًا‭ ‬ستجد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬اللغوية‭ ‬والإملائية‭ ‬فيها،‭ ‬وهذا‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬الغزو‭ ‬الغربي‭ ‬الثقافي‭ ‬الأجنبي‭ ‬الذي‭ ‬يعلن‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬لافتات‭ ‬مكتوبة‭ ‬بالخط‭ ‬العريض،‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬استخدام‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬الأجنبية‭ ‬وتداولها‭ ‬وشيوعها‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬العربية‭ ‬نجد‭ ‬أننا‭ ‬نقول‭ ‬مثلاً‭: ‬البلكونة،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الشرفة،‭ ‬واللمبة‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المصباح،‭ ‬ومول‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬المجمع‭ ‬التجاري،‭ ‬ومن‭ ‬ألفاظ‭ ‬الترحيب‭ ‬هاي،‭ ‬وباي،‭ ‬وهالو،‭ ‬وألفاظ‭ ‬أخرى‭ ‬نستخدمها‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وعناوين‭ ‬المحلات‭ ‬التجارية،‭ ‬مثل‭: ‬سوبر‭ ‬ماركت،‭ ‬وسنتر،‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬دل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬فإنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬عامل‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬ضعف‭ ‬أبناء‭ ‬العربية،‭ ‬قال‭ ‬الرافعي‭: ‬‮«‬ما‭ ‬ذلت‭ ‬لغة‭ ‬شعب‭ ‬وانحطت،‭ ‬إلا‭ ‬ذل،‭ ‬وكان‭ ‬أمره‭ ‬في‭ ‬ذهاب‭ ‬وإدبار‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬لغتنا‭ ‬العربية‭ ‬ثرية‭ ‬بمفرداتها‭ ‬وليست‭ ‬ضيقة،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬الألفاظ‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تغزوها‭.‬

وهذه‭ ‬المظاهر‭ ‬انعكست‭ ‬على‭ ‬حياتنا‭ ‬اليومية‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬وقيمنا‭ ‬وأخلاقنا،‭ ‬وحتى‭ ‬ملابسنا‭ ‬وأكلنا‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬ونفكر‭ ‬فيه،‭ ‬حتى‭ ‬غدت‭ ‬صور‭ ‬النساء‭ ‬العاريات‭ ‬أو‭ ‬الرجال‭ ‬العرايا‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬حياء،‭ ‬وكذلك‭ ‬فإن‭ ‬ظاهرة‭ ‬الشواذ‭ ‬جنسيًا‭ ‬أصبحت‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬العادية‭ ‬جدًا،‭ ‬ولا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يستنكرها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬يشمئز‭ ‬منها‭.‬

كيف‭ ‬بلغنا‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة؟‭!‬

بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬المؤامرة‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬واضحة،‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬كونها‭ ‬نظرية‭ ‬وإنما‭ ‬حقيقة‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬بحثنا‭ ‬ومتابعاتنا‭ ‬للأحداث‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إننا‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬أُخذنا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأمور‭ ‬التالية‭:‬

أولًا‭: ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التعليم‭ ‬والتربية؛‭ ‬حيث‭ ‬صاغ‭ ‬المستعمر‭ ‬‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ ‬نوعه‭ ‬أو‭ ‬لونه‭ ‬‭ ‬منهجية‭ ‬فكرية‭ ‬وأوهمنا‭ ‬أنه‭ ‬عبر‭ ‬اتباع‭ ‬المنهج‭ ‬التربوي‭ ‬والتعليمي‭ ‬الذي‭ ‬يسلكه‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬السبيل‭ ‬للتطور‭ ‬والحضارة،‭ ‬وشجعنا‭ ‬على‭ ‬تنحية‭ ‬الدين‭ ‬واللغة‭ ‬العربية‭ ‬عن‭ ‬مناهج‭ ‬المدارس‭ ‬والكليات‭ ‬والجامعات‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تدريس‭ ‬العلوم‭ ‬العصرية،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بلوغ‭ ‬قمة‭ ‬الحضارة‭ ‬الحديثة،‭ ‬فما‭ ‬الدين‭ ‬والفكر‭ ‬العربي‭ ‬إلا‭ ‬مواد‭ ‬بالية‭ ‬يجب‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬وحرقها‭ ‬في‭ ‬أفران‭ ‬عالية‭ ‬درجات‭ ‬الحرارة‭.‬

كما‭ ‬حَرَّضَ‭ ‬المستعمر‭ ‬العرب‭ ‬والمسلمين‭ ‬على‭ ‬التوسّع‭ ‬في‭ ‬عمليَّات‭ ‬الابتعاث‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬للالتحاق‭ ‬بجامعاتها؛‭ ‬ليتم‭ ‬صناعة‭ ‬الأجيال‭ ‬العربية‭ ‬مصوغةً‭ ‬في‭ ‬بوتقة‭ ‬حضارة‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬وثقافته،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إعدادها‭ ‬لتَوَلِّي‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬لكي‭ ‬تقوم‭ ‬بالدور‭ ‬المطلوب‭ ‬منهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬تَتَوَلَّى‭ ‬تشويه‭ ‬التاريخ‭ ‬الإسلامي‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المُقَرَّرَات‭ ‬الدراسيّة،‭ ‬وإنشاءَ‭ ‬مدارس‭ ‬غربيّة‭ ‬المناهج‭ ‬في‭ ‬ديارها‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وتُبْعِدَ‭ ‬فيها‭ ‬النشءَ‭ ‬المسلمَ‭ ‬عن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية،‭ ‬لكي‭ ‬يسهل‭ ‬إبعادُها‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭.‬

علمًا‭ ‬بأننا‭ ‬لا‭ ‬نرفض‭ ‬الابتعاث‭ ‬إلى‭ ‬الجامعات‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬الشرقية‭ ‬لدراسة‭ ‬العلوم‭ ‬والتكنولوجيا،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬ديارنا‭ ‬ونحن‭ ‬محملون‭ ‬بالفكر‭ ‬والثقافة‭ ‬والأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬الغريبة،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬نفرضها‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المجتمعات،‭ ‬فالمسألة‭ ‬فيها‭ ‬نظر‭.‬

ثانيًا‭: ‬في‭ ‬مجال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية؛‭ ‬عمل‭ ‬المستعمر‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬المتنوعة‭ ‬والحيل‭ ‬الماكرة‭ ‬الكثيرة،‭ ‬على‭ ‬محاربة‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬باعتبارها‭ ‬وسيلةَ‭ ‬تعبير‭ ‬متخلفة،‭ ‬فإن‭ ‬تمت‭ ‬ممارسة‭ ‬هذه‭ ‬اللغة‭ ‬والتحدث‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬فإن‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬سوف‭ ‬تتأخر‭ ‬عن‭ ‬ركب‭ ‬الحضارة‭. ‬

عندما‭ ‬يذهب‭ ‬المرء‭ ‬لمقابلة‭ ‬عمل،‭ ‬فإن‭ ‬السؤال‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬يُطرح‭ ‬عليه‭: ‬هل‭ ‬تجيد‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية؟‭ ‬لأن‭ ‬جميع‭ ‬المعاملات‭ ‬والمكاتبات‭ ‬والحوارات‭ ‬التي‭ ‬تدار‭ ‬بها‭ ‬المؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬سواء‭ ‬الحكومية‭ ‬أو‭ ‬الخاصة‭ ‬معاملات‭ ‬تتم‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وحتى‭ ‬الاجتماعات‭ ‬والندوات‭ ‬الفكرية‭ ‬العربية‭ ‬تدار‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭.‬

وفي‭ ‬الكليات‭ ‬العلمية‭ ‬فإن‭ ‬الجميع‭ ‬‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬استثناء‭ ‬‭ ‬يتحدثون‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬فإن‭ ‬تحدث‭ ‬أحدهم‭ ‬العربية‭ ‬فإنه‭ ‬يصبح‭ ‬أضحوكة‭ ‬بين‭ ‬الزملاء‭.‬

والغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬تمتلك‭ ‬من‭ ‬الخصائص‭ ‬ما‭ ‬يعطيها‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأشياء،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬أهلها‭ ‬حريصين‭ ‬عليها‭ ‬وينطقون‭ ‬بها‭ ‬باعتزاز،‭ ‬ويربون‭ ‬أولادهم‭ ‬على‭ ‬حبها‭ ‬وإجادتها‭. ‬ولقد‭ ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬لغتها‭ ‬الأم‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬فإنها‭ ‬تستنكف‭ ‬أن‭ ‬تتحدث‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭. ‬حتى‭ ‬الكيان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المزعوم‭ ‬أحيا‭ ‬اللغة‭ ‬العبرية‭ ‬من‭ ‬المقابر،‭ ‬وجعلها‭ ‬لغة‭ ‬رسمية‭ ‬له‭.‬

يقول‭ ‬طه‭ ‬جابر‭ ‬العلواني‭: ‬‮«‬زرت‭ ‬اليابان‭ ‬ومن‭ ‬جملة‭ ‬ما‭ ‬لاحظته‭ ‬تمسك‭ ‬اليابانيين‭ ‬بلغتهم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تمسك‭ ‬العرب‭ ‬بلغتهم،‭ ‬ولفت‭ ‬نظري‭ ‬أثناء‭ ‬الندوة‭ ‬التي‭ ‬حضرتها،‭ ‬والتي‭ ‬لغتها‭ ‬الرسمية‭ ‬الإنجليزية‭ ‬كانوا‭ ‬يتدخلون‭ ‬باليابانية‭ ‬ويتركون‭ ‬الترجمة‭ ‬الفورية‭ ‬للمترجم‭ ‬يترجم‭ ‬كلامهم‭ ‬إلى‭ ‬الإنجليزية‭ ‬أو‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬جميعهم‭ ‬يتكلمون‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬ليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب؛‭ ‬بل‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لفت‭ ‬انتباهي‭ ‬أنهم‭ ‬كتبوا‭ ‬أسماءهم‭ ‬باليابانية‭ ‬وحدهم،‭ ‬وأسماء‭ ‬الوفود‭ ‬الأخرى‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬فعلوا‭ ‬ذلك‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬شعور‭ ‬بالنقص‭ ‬والدونية‮»‬‭. ‬ثم‭ ‬يستطرد‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬ومنذ‭ ‬سنوات‭ ‬زرت‭ ‬إسبانيا،‭ ‬وطلبت‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬من‭ ‬المقسم‭ ‬البريدي،‭ ‬وتحدثت‭ ‬الفرنسية،‭ ‬فأجابني‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬أنت‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬وعليك‭ ‬أن‭ ‬تتحدث‭ ‬الإسبانية‭ ‬فقط‮»‬‭.‬

ثالثًا‭: ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلام؛‭ ‬اتَّخَذَ‭ ‬المستعمر‭ ‬وسائلَ‭ ‬الإعلام‭ ‬وسيلةً‭ ‬فعّالةً،‭ ‬لتنفيذ‭ ‬وتسريب‭ ‬أفكاره‭ ‬وقيمه‭ ‬وأخلاقه‭ ‬وثقافته‭ ‬إلى‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭. ‬

ففي‭ ‬مجال‭ ‬الموسيقى‭ ‬فقد‭ ‬قلدناهم‭ ‬في‭ ‬موسيقى‭ ‬الراب‭ ‬مثلاً،‭ ‬وهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الموسيقى‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬الرفض‭ ‬والتمرد،‭ ‬فهي‭ ‬كلها‭ ‬شغب‭ ‬وشتم‭ ‬لكل‭ ‬شيء،‭ ‬وكلماتها‭ ‬يستحي‭ ‬المرء‭ ‬أن‭ ‬يلفظها‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬سرًا،‭ ‬لأنها‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭ ‬تحمل‭ ‬عبارات‭ ‬خادشة‭ ‬للحياء‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الأغاني‭ ‬تدعو‭ ‬الشباب‭ ‬إلى‭ ‬الاغتصاب‭ ‬صراحة‭.‬

ومن‭ ‬أساليب‭ ‬الغزو‭ ‬الإعلامي‭ ‬إبراز‭ ‬أقزام‭ ‬الغرب‭ ‬والشرق‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬عمالقة‭ ‬ومفكرون،‭ ‬وجعلهم‭ ‬مراكز‭ ‬ومراجع‭ ‬فكرية‭ ‬وعلمية‭ ‬ومنهجية‭ ‬كونية‭ ‬وعالمية‭ ‬وحيدة،‭ ‬وهي‭ ‬أي‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تمتلك‭ ‬المنظومات‭ ‬الفكرية‭ ‬والإعلامية‭ ‬والاتصالية‭ ‬حتى‭ ‬تقنع‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬بشرعيتها‭ ‬وفكرها،‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفراد‭ ‬يغتصبون‭ ‬العقول‭ ‬الشابة‭ ‬العربية‭ ‬الغضة‭ ‬ويعيدون‭ ‬تشكيلها،‭ ‬لتصبح‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ (‬أرقاء‭ ‬أو‭ ‬عبيدا‭) ‬فيتابعون‭ ‬ويقلدون‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬وعي‭ ‬أو‭ ‬تفكير،‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬الأمور‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬هذ‭ ‬الحد‭ ‬لكانت‭ ‬الأمور‭ ‬جيدة،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬العقول‭ ‬الشابة‭ ‬الغضة‭ ‬تراهم‭ ‬بعد‭ ‬فوز‭ ‬الفريق‭ ‬الأوروبي‭ ‬الفلاني‭ ‬يحملون‭ ‬أعلامهم‭ ‬ويصرخون‭ ‬بصورة‭ ‬هستيرية‭ ‬لأن‭ ‬الفريق‭ ‬فاز،‭ ‬أو‭ ‬تراهم‭ ‬يقفون‭ ‬في‭ ‬طوابير‭ ‬على‭ ‬شباك‭ ‬تذاكر‭ ‬المسارح‭ ‬لحضور‭ ‬حفل‭ ‬المغني‭ ‬أو‭ ‬الراقص‭ ‬أو‭ ‬الراقصة‭ ‬الفلانية‭.‬

وفي‭ ‬الأدب،‭ ‬ففي‭ ‬رواية‭ ‬مثل‭ (...) ‬حيث‭ ‬يستسهل‭ ‬المؤلف‭ ‬الطعن‭ ‬في‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية،‭ ‬ولا‭ ‬يحمل‭ ‬أي‭ ‬توقير‭ ‬لرسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ويتحدث‭ ‬بإسفاف‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬الجنسية،‭ ‬وللأسف‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬المؤلف‭ ‬يتبوأ‭ ‬المناصب‭ ‬والندوات،‭ ‬أما‭ ‬من‭ ‬يتحدث‭ ‬ويؤلف‭ ‬عن‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬والارتقاء‭ ‬بالإنسان‭ ‬والشرف‭ ‬والقيم‭ ‬فإنه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يدعى‭ ‬لمثل‭ ‬تلك‭ ‬الندوات،‭ ‬والسبب‭ ‬أن‭ ‬الأديب‭ ‬الأول‭ ‬ينشر‭ ‬ثقافة‭ ‬مستنيرة‭ ‬لتواجه‭ ‬الظلاميين،‭ ‬وأن‭ ‬للأديب‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الإبداع،‭ ‬وأما‭ ‬الآخر‭ ‬فهو‭ ‬الظلام‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭.‬

ومن‭ ‬المضحك‭ ‬المبكي‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬ندوة‭ ‬للكتّاب‭ ‬والأدباء‭ ‬والفنانين‭ ‬العرب‭ ‬أقيمت‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬دعمًا‭ ‬للانتفاضة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬منذ‭ ‬سنوات،‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬الكتّاب‭: ‬‮«‬جرت‭ ‬مناقشة‭ ‬حول‭ ‬الصياغة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لبيان‭ ‬المؤتمر‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬المقترحات‭ ‬التي‭ ‬عرضت‭ ‬مقترح‭ ‬قدمه‭ ‬أحدهم،‭ ‬دعا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬تصدير‭ ‬البيان‭ ‬بالبسملة‭ ‬وآية‭ ‬قرآنية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الاقتراح‭ ‬كان‭ ‬سهلاً‭ ‬وصغيرًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أثار‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬واسعة‭ ‬وجدلاً‭ ‬ولغطًا‭ ‬وأخذ‭ ‬وقتًا‭ ‬طويلاً،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‮»‬‭.‬

رابعًا‭: ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية؛‭ ‬تم‭ ‬إزالة‭ ‬الحواجز‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬المسلمين‭ ‬والعرب‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وصار‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬غضاضة‭ ‬في‭ ‬مشاركة‭ ‬الآخرين‭ ‬أساليب‭ ‬عيشه،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعضهم‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬مدعاة‭ ‬للفخر‭ ‬والمباهاة‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬استوطن‭ ‬بلادهم،‭ ‬فأدَّى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬الحواجز،‭ ‬ويا‭ ‬ليت‭ ‬كانت‭ ‬حواجز‭ ‬إسمنتية‭ ‬أو‭ ‬مادية‭ ‬وإنما‭ ‬أصبح‭ ‬العربي‭ ‬المسلم‭ ‬يقلد‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬عيشهم،‭ ‬وأكلهم،‭ ‬وشربهم،‭ ‬ويدخل‭ ‬معابدهم‭ ‬ويحتفل‭ ‬بأعيادهم،‭ ‬ليس‭ ‬ذلك‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬أصبح‭ ‬العربي‭ ‬يعيد‭ ‬تنظيم‭ ‬حياته‭ ‬وفقًا‭ ‬للفكر‭ ‬والمنهج‭ ‬الغربي،‭ ‬حتى‭ ‬ذاب‭ ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬الغرب‭ ‬أو‭ ‬الشرق‭.‬

هذه‭ ‬بعض‭ ‬الملامح‭ ‬لمظاهر‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬اليوم،‭ ‬نحن‭ ‬نقلد‭ ‬ونتبع‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬وحاول‭ ‬إذلالنا،‭ ‬بالأمس‭ ‬واليوم‭ ‬وفي‭ ‬الغد‭. ‬قال‭ ‬العلامة‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬ابن‭ ‬خلدون‭: ‬‮«‬إنّما‭ ‬تبدأ‭ ‬الأمم‭ ‬بالهزيمة‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬عندما‭ ‬تشرع‭ ‬في‭ ‬تقليد‭ ‬عدوّها‮»‬،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الأمة‭ ‬المَغْزُوَّةَ‭ ‬غزوًا‭ ‬ثقافيًّا‭ ‬فكريًّا‭ ‬لا‭ ‬مَحَالَةَ‭ ‬تنهزم‭ ‬انهزامًا‭ ‬نفسيًّا‭ ‬وتندفع‭ ‬إلى‭ ‬تقليد‭ ‬الأمة‭ ‬الغازية‭ ‬القاهرة،‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬فرضت‭ ‬عليها‭ ‬تقليدَها‭ ‬وعاداتِها‭.‬

ونجد‭ ‬أنه‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬الناس‭ ‬بالحديث‭ ‬النبوي‭ ‬الشريف‭ ‬المذكور‭ ‬في‭ ‬صحيح‭ ‬البخاري‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭: ‬‮«‬لَتَتَّبِعُنَّ‭ ‬سَنَنَ‭ ‬مَن‭ ‬قَبْلَكُمْ‭ ‬شِبْرًا‭ ‬بشِبْرٍ،‭ ‬وَذِرَاعًا‭ ‬بذِرَاعٍ،‭ ‬حتَّى‭ ‬لو‭ ‬سَلَكُوا‭ ‬جُحْرَ‭ ‬ضَبٍّ‭ ‬لَسَلَكْتُمُوهُ،‭ ‬قُلْنَا‭: ‬يا‭ ‬رَسُولَ‭ ‬اللَّهِ،‭ ‬اليَهُودَ‭ ‬وَالنَّصَارَى؟‭ ‬قالَ‭: ‬فَمَنْ؟‮»‬‭.‬

ولنسأل‭ ‬أنفسنا‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬مدركون‭ ‬لما‭ ‬نقوم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬إذلال‭ ‬أنفسنا‭ ‬وأجيالنا‭ ‬القادمة‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬في‭ ‬غفلة‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭ ‬ألم‭ ‬يئن‭ ‬الأوان‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬ذلك‭ ‬وأن‭ ‬ننسلخ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬المصطنعة؟‭!‬

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا