القرآن العظيم كتاب مكرم وكريم، أما كونه كتابًا مكرمًا، فلأنه كلام الله تعالى، وكلامه سبحانه اسم من أسمائه الحسنى، وصفة من صفاته العلا، وهو مكرم ومعظم كتعظيم كلام الله تعالى لأنه كتاب لا يمسه إلا المطهرون، تناوله جبريل (عليه السلام) من الله تعالى العلي الكريم، وسلمه جبريل إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منجمًا بحسب الأحداث والقضايا التي تحدث للناس، فيجدون فيه حلًا لمشاكلهم، وحكمًا لما يعرض لهم من لأمور لم يعهدوها من قبل، والقضايا التي لا يجدون لها حلولًا في ما نزل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يستمهلهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى ينزل عليه الوحي بحكم لها كما حدث مع كفار قريش حين سألوه عن فتية في الزمن القديم ما شأنهم، وما قصتهم، فقد تأخر عليه نزول الوحي خمسة عشر يومًا، وكان ذلك تأديبًا له (صلى الله عليه وسلم) لأنه وعدهم بالإجابة دون أن يقول: إن شاء الله!، فنزل قوله تعالى: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا (23) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا (24)) الكهف.
ولما استكمل الله تعالى نزول القرآن على رسوله (صلى الله عليه وسلم) قال سبحانه وتعالى في آخر ما نزل منه: (.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا) المائدة /3.
إذًا، فقد كمل بكمال الدين نزول القرآن الكريم، وكمل كذلك بكمال نزوله كمال الوسيلة المؤدية والمتحققة بتدبره، وفهم مقاصده وغاياته.
هذا معنى القرآن مكرم، أو شيء قريب من هذا، أما وصفه بأنه كتاب كريم، فلأنه كريم بعطائه، وعطاؤه غير مقطوع، ولا ممنوع، ولا مجذوذ، يقول تعالى للمؤمنين الذين آمنوا بالقرآن كتابًا موحى من الله تعالى، فهؤلاء عطاء القرآن لهم لا ينضب، ورفده إليهم لا ينقطع، بل هم في خلود دائم في رياض الجنة لا يزول عنهم نعيمها، ولا يزالون هم عنه بالموت، وإنما هي موتة واحدة، يقول تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم) الدخان/ 56.
ومعلوم، بل ومتيقن أن الجنة التي وعد بها المتقون فيها ما لا عين رأت، ولا أُذِنَ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. ويعني هذا أن أكلها دائم، وسعادة المؤمنين فيها خالدة لا تزول عنهم بالفناء، ولا يزولون عنها بالموت.
إذًا، فالقرآن الكريم المكرم تلقاه رسول كريم من الله تعالى، وهو جبريل (عليه السلام) من الله تعالى، وتلقاه رسول كريم هو محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) منجمًا بحسب الحوادث والمستجدات من أحوال الناس، والقرآن كتاب كريم في شرائعه، وهو كريم في عباداته، وأخلاقه، وأسس تعاملاته، وهو كريم في الرحمة المسداة التي أرسلها الله تعالى إلى الناس، قال سبحانه وتعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/ 107.
وقال صلوات ربي وسلامه عليه عن المهمة التي بُعِثَ بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجاءت على سبيل الحصر والقصر بأداة الحصر «إنما» في قوله صلى الله عليه سلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
ومن الأخلاق الكريمة التي جاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليشيعها في حياة المؤمنين هي الأخلاق التي جاء القرآن ليغرسها في نفوس المؤمنين وتتحول بالمداومة عليها إلى سلوك يعرف المؤمن بها ولا يعرف بغيرها، قال صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» رواه البخاري.
ولقد عَرَّف رسولً الله (صلى الله عليه وسلم) المؤمن، فقال: «المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب» الحديث صحيح رواه ابن ماجة في صحيحه.
إذًا، فصفة الكرم حين تتصل بالقرآن، فنصفه بقولنا « القرآن الكريم»، فإننا نثبت له صفة الكرم وهي صفة تعني العطاء الكثير الذي لا حد لعطائه، ولا نهاية لبذله وإنفاقه في وجوه الخير، فلا نجرده من صفة الكرم حين يأتي ذكره، بل نحرص على قولنا: القرآن الكريم، لأنه كريم في جميع أحواله، وفِي شتى مجالاته لأن الكريم اسم من أسماء الله تعالى الحسنى، وصفة جليلة من صفاته سبحانه العظمى، فهو عظيم في خلاله وعلو شأنه، وهو بين الكتب السماوية مبجل معظم لا يشبهه كتاب من الكتب التي تنزلت أو أُنزلت على السابقين من رسل الله تعالى حيث جمع بين المعجزة الدالة على صدق الرسول في بلاغه عن الله تعالى، وهو كذلك جمع بين دفتيه الشريعة والمعجزة، فالمعجزة حارسة للشريعة، والشريعة محققة للمعجزة، وهما محفوظتان بحفظ الله تعالى لهما، قال تعالى: (إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر/9.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك