عام سعيد ومبارك عليكم جميعاً، ومازالت الروح ثملة بمظاهر فرحة أعياد الوطن التي جابت البحرين من جميع جهاتها وفي جميع مدنها، وبالنسبة إليّ فإن حُبّ الوطن قد تشرّبتْه روحي منذ الصغر مروراً بجميع المراحل العمرية الأخرى، فلم أرتشفه بالشعارات والكلمات، ولكن سقانيه أجدادي ووالداي بالأفعال التي كانت جميعها تنطق بحب البحرين وبمكانتها في القلوب بجميع ثوابتها ورموزها، وتُرسّخ في ذاكرتي وذاكرة إخوتي وأقراني من الأقرباء حب هذا الوطن.
ومن الذكريات التي أحب مشاركتها معكم أعزائي ما شاهدته من طرق تعبير جدّتي (ظبية بنت جمعة بن فاضل) عن حبها للوطن ورموزه.. وقتها كان حاكم البحرين سمو المغفور له بإذن الله الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، فقد كانت جدّتي تقف مُحيّية طلّة سموّه كلما ظهر في أخبار الثامنة أو في أي مقطع تلفزيوني آخر لأنها ترى في الوقوف احتراماً لمقامه، كما كانت تستعد بسلالٍ مليئة بالمشموم والياسمين والرازقي، في كل استقبال شعبي يُسمح للجمهور بالوقوف فيه لاستقباله والتلويح له، حتى انتقلت هذه العادة بعدما طعنت في السن إلى البيت، فكانت تقف بسلتها المليئة بالحب لتنثر محتوياتها في صالة الجلوس عندما يطلّ علينا شخصه في الموكب الرسمي عبر شاشة التلفزيون، فيرتفع صوتها بالزغاريد (اليبّاب) وتبدأ في نثر المشموم والياسمين والفل على أرجاء المكان احتفاء بتلك الاطلالة رغم أنها عبر الشاشة، ورغم أنه لا يعلم ولم يكن ليعلم بكل هذا الحب والتقدير.
وسبب مقدمتي هذه هو ما نلاحظه جميعا من سلوك يصاحب احتفالات العيد الوطني من المواطنين والمقيمين، فالمخالفات قد تحدث بقصد وبدون قصد، ولكن أرى أنه من الضروري الوقوف عند تلك المتعلقة بعلم الدولة واحترام هذا العلم.. إذ إنه من مظاهر الفرح أن يكون العلم الوطني حاضراً، لذا نلاحظ أعدادا كبيرة من الأعلام الصغيرة التي تُباع هنا وهناك، تُعطى للمشاركين من قبل المنظمين في الفعاليات الوطنية المختلفة للتلويح بها وإبراز العلم في المواد التسجيلية المرئية لتغطيات هذه الفعاليات والتي تزيدها زهوا وجمالاً بلا شك، كما قد تدفع الوطنية الكثير إلى شراء هذه الاعلام المتاحة بأسعار مقبولة لاستخدامها أثناء التجول بالسيارات لمشاهدة الزينات، ولكن الإشكال يكمن فيما بعد انتهاء الفعاليات والمسيرات، إذ كثيراً ما تجد الأعلام متناثرة على الأرض، وقد تُداس بالأقدام أو بعجلات السيارات، وهو أمر مُستنكر ويثير حفيظة أي مواطن غيور.
ومن الواضح أن الكثير لا يعلم قيمة ومكانة علم الدولة، فالعلم هو رمز لسيادة الدولة والتي تعتبر من الثوابت الوطنية، والتي تمثل انتماء المواطن إلى البحرين وولائه لهذا الوطن الغالي، كما أن العلم رمز للفرح والأمان، لذلك أجاز قانون العلم البحريني للمؤسسات الخاصة وللأفراد رفع العلم للزينة في العطلات الرسمية والمناسبات العامة والخاصة، ولذلك أيضاً نص القانون على تنكيس العلم في حالات إعلان الحداد الرسمي للمملكة داخل الدولة وعلى بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية في الخارج، ولذلك أيضاً يُجعل العلم كفناً لشُهداء الوطن تكريماً لهم وتقديراً لتضحياتهم كأعلى مستوى من التكريم المعنوي.
وعليه فإنه من اللازم على الأسرة أولاً غرس قيمة العلم وأهميته في فكر أبنائها وتعزيز الوطنية لديهم لأنها المُحرّك الأصلي للمواطنة الصالحة، ذلك أن الوطنية تُعوّل في غراسها الأول على دور الأسرة بشكل أساسي، فإذا لم تنهض هذه الخلية بمهمتها اختلّت موازين الوطنية لدى الطفل.
كما لا يجب أن نغفل دور المدرسة في تعزيز هذه القيمة، فقد تربينا كأجيال على فقرة صباحية مهمة في كل يوم دراسي، وهي فقرة (تحيّة العلم الصباحية)، حيث تقف مدارس البحرين بكل طاقمها الإداري وطلبتها تحية لهذا الرمز بشكل يومي وثابت لا يثنيها عنه شيء، وهي فقرة لم تعد تولى الالتزام والاهتمام اللازم حالياً عند البعض، الأمر الذي يقتضي من الوزارة تشديد الرقابة عليه وحثّ جميع المدارس على ضرورة الالتزام بهذا السلوك الإيجابي المثمر على صعيد غرس قيمة العلم الوطني وتعزيز الوطنية لدى الأجيال الناشئة، وبذلك تُسهم في رفد ودعم برنامج (بحريننا) الذي أطلقته وزارة الداخلية.
ودمتم ودامت أعياد الوطن.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك