العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ما معنى اليوم التالي للحرب؟

بقلم: فاروق يوسف

السبت ٠٦ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬ما‭ ‬بعد‭ ‬غزة‭. ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬حماس‭. ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬عبارات‭ ‬لا‭ ‬تضعنا‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬الحل‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينهي‭ ‬مأساة‭ ‬شعب‭ ‬يتعرض‭ ‬للإبادة‭ ‬لأنه‭ ‬يقيم‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬وبشبهة‭ ‬انتمائه‭ ‬أو‭ ‬تأييده‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭. ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تداوله‭ ‬من‭ ‬اقتراحات‭ ‬لا‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬ترغب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بعيدا‭.‬

ما‭ ‬صار‭ ‬معروفا‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬التفاهمات‭ ‬الممكنة‭ ‬والمستندة‭ ‬إلى‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬فات‭ ‬أوانها‭ ‬وصارت‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الماضي‭. ‬ولكن‭ ‬ماضي‭ ‬مَن؟‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أم‭ ‬إسرائيل؟

ربما‭ ‬أخطأ‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬حين‭ ‬انقسموا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم،‭ ‬خارج‭ ‬وداخل‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فتشظت‭ ‬الشرعية‭ ‬وصار‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬كمَن‭ ‬يكلم‭ ‬نفسه‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يكلم‭ ‬الآخرين‭. ‬ربما‭ ‬أيضا‭ ‬أفسدت‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬قضيتهم‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬في‭ ‬الإمكان‭ ‬العثور‭ ‬بيسر‭ ‬على‭ ‬العامل‭ ‬الوطني‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬تصغر‭ ‬أمامها‭ ‬القضية‭. ‬هناك‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬منطلقات‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬يتوزع‭ ‬الكثيرون‭ ‬في‭ ‬محاور‭ ‬عديدة‭ ‬وهم‭ ‬يسعون‭ ‬إلى‭ ‬تفسير‭ ‬ارتباطهم‭ ‬بها‭.‬

ولكن‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬جهتها‭ ‬لم‭ ‬تسع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬حلا‭ ‬لمشكلتها‭. ‬صنعت‭ ‬تلك‭ ‬المشكلة‭ ‬بنفسها‭ ‬وصارت‭ ‬أسيرة‭ ‬لها‭. ‬لم‭ ‬تتعلم‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬اغتصبت‭ ‬أرضه‭. ‬فشلت‭ ‬كل‭ ‬محاولاتها‭ ‬في‭ ‬إنهاء‭ ‬تفكير‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬مستقبله‭ ‬الوطني،‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬وبين‭ ‬شعبه‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬اللجوء‭ ‬والتشرد‭ ‬والشتات‭ ‬قد‭ ‬أنهى‭ ‬أجيالا‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬كان‭ ‬حلم‭ ‬العودة‭ ‬عنوان‭ ‬حياتهم‭ ‬المؤجلة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الصحيح‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الحلم‭ ‬لم‭ ‬يأفل‭ ‬ولم‭ ‬يتفتت،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬أكثر‭ ‬سطوعا‭ ‬وأشد‭ ‬قوة‭. ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تحويل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لم‭ ‬يكتف‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬سبل‭ ‬العيش‭ ‬الذي‭ ‬تفرضه‭ ‬حياة‭ ‬اللجوء‭.‬

لقد‭ ‬فرض‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬شخصيته‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هوية‭ ‬سياسية‭ ‬وثقافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحا‭ ‬وتميزا‭ ‬من‭ ‬هويات‭ ‬شعوب‭ ‬لم‭ ‬تتعرض‭ ‬لما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬محن‭ ‬ومآس‭. ‬مقاومته‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬مشى‭ ‬عليها‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬هدفه‭.‬

ولكن‭ ‬ألا‭ ‬يزال‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭ ‬واضحا؟

في‭ ‬الخطوط‭ ‬العامة‭ ‬يمكن‭ ‬الإجابة‭ ‬بـ«نعم‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬التفاصيل‭ ‬تحمل‭ ‬خلافات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تفجر‭ ‬كل‭ ‬القناعات‭. ‬فشلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬محاولتها‭ ‬محو‭ ‬الشخصية‭ ‬والهوية‭ ‬الفلسطينيتين،‭ ‬ولكنها‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تمزيق‭ ‬المسار‭ ‬وتشتيت‭ ‬وحدة‭ ‬الصف‭ ‬وقطع‭ ‬الخيوط‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬بين‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وقضيته‭ ‬في‭ ‬جوهرها‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إرباك‭ ‬علاقة‭ ‬العرب‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬مستقرة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬العبرية‭ ‬فإن‭ ‬التواصل‭ ‬معها‭ ‬ظل‭ ‬غائما‭ ‬وضبابيا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬كثيرين‭ ‬ممَن‭ ‬لا‭ ‬تشكل‭ ‬إسرائيل‭ ‬خطرا‭ ‬مباشرا‭ ‬على‭ ‬استقرارهم‭.‬

لقد‭ ‬أعطى‭ ‬العرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬تستحقه‭. ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬دولة‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ولا‭ ‬تملك‭ ‬مشروعا‭ ‬لبناء‭ ‬علاقات‭ ‬إيجابية‭ ‬مع‭ ‬محيطها‭ ‬وهي‭ ‬أخيرا‭ ‬غير‭ ‬راغبة‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬سلام‭ ‬عادل‭ ‬يستند‭ ‬إلى‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تنفذ‭ ‬فقرة‭ ‬منه‭.‬

لا‭ ‬تزال‭ ‬إسرائيل‭ ‬دولة‭ ‬عدوانية‭ ‬توسعية،‭ ‬يشكل‭ ‬الاستيطان‭ ‬هاجسها‭ ‬الدائم‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬شعبا‭ ‬يستحق‭ ‬التفاوض‭. ‬ولطالما‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إضعاف‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التنازلات‭ ‬مقابل‭ ‬لا‭ ‬شيء‭.‬

في‭ ‬حربها‭ ‬الهمجية‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬كشفت‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬مضيها‭ ‬في‭ ‬مشروعها‭ ‬العدواني‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬نظرتها‭ ‬غير‭ ‬الإنسانية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬صار‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬جنونها‭ ‬الذي‭ ‬اشتعل‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬ليس‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬مؤقتا‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬برنامج‭ ‬وجد‭ ‬له‭ ‬مناسبة‭ ‬لإعادة‭ ‬التحديث‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يحين‭ ‬موعد‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭.‬

واليوم‭ ‬التالي‭ ‬هو‭ ‬فكرة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬لا‭ ‬تنطوي‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬التخلص‭ ‬مما‭ ‬يُسمى‭ ‬بـ«شرور‭ ‬حماس‮»‬‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬التربية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬تحث‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬وطن‭ ‬قائم‭ ‬وأن‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬بحدودها‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬خرائط‭ ‬العالم‭.‬

ما‭ ‬يفكر‭ ‬به‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬استعادة‭ ‬لمنهج‭ ‬إسرائيلي‭ ‬قديم‭ ‬أثبت‭ ‬الزمن‭ ‬خطأه‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تحل‭ ‬مشكلتها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتفهم‭ ‬مشكلة‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬ليس‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬خلافاتهم‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬إمكانها‭ ‬أن‭ ‬تحمي‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونهم‭ ‬وخلق‭ ‬بيئة‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬الحوار‭ ‬معهم‭ ‬نافعا‭ ‬لها‭.‬

لا‭ ‬ينفع‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬إبادة؛‭ ‬فاليوم‭ ‬التالي‭ ‬سيحل‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬أيامها‭ ‬الماضية‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا