يسعى كل طرف من المتنافسين على كرسي الرئاسة الأمريكية، إلى اكتساب أكبر قدرٍ من المؤيّدين حتى يفوز به، وفي هذا المسعى، فإنه يخاطب المجمع السياسي اليهودي الأمريكي 7.5 ملايين مواطن منهم 6 ملايين في سن الانتخاب، والمجمع السياسي العربي 4 ملايين مواطن منهم 2.5 مليون في سن الانتخاب، ولهذا فرضت أحداث العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، نفسها على أجواء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإلى هذا يمكن تفسير تصريحات المتنافسين، سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري.
ففي اليوم الثاني عشر من حرب الإبادة الجماعية، التي يمارسها جيش الاحتلال الصهيوني ضد أهالي غزة، قام جو بايدن، بزيارة تضامن مع إسرائيل استغرقت ثماني ساعات، بعد يوم من مذبحة مستشفى المعمداني، أعرب فيها وقوفه الكامل معها، وقبوله رواياتها عن العدوان وقصف هذا المستشفى، مانحًا إياها صكًا للبراءة عن هذه المذبحة، التي تسبّبت في مقتل مئات الفلسطينيين، وفي اجتماعه مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية، خاطب الإسرائيليين قائلًا أنتم لستم وحدكم وستحصلون على كل شيء تطلبونه، وأشار إلى العلاقة المتينة بين الولايات المتحدة وإسرائيل مُنذ 75 عاما، وقال: «لو لم تكن إسرائيل موجودة لتَعيّن علينا إيجادها»، وعدّ الجانب الإسرائيلي هذه الزيارة، أهم زيارة لرئيس أمريكي مُنذ نشأة إسرائيل، فعبّر فيها عن دعمه المطلق لها، واعتبر حربها على غزة حربًا بالنيابة عن العالم كله، ضد تهديد أمن البشرية، ووعد بتقديم مساعدات غير مسبوقة لها، ووافق على استمرار الحرب ضد حماس، حتى القضاء عليها، وعدّ داني إيلون النائب الأسبق لوزير الخارجية الإسرائيلي، الذي شغل منصب سفير إسرائيل في واشنطن، ما قاله بايدن في زيارته، خطابًا انتخابيًا كاسحًا، وأنه به يكسب ليس فقط غالبية المصوتين اليهود الأمريكيين، بل أيضًا الكثير من الصامتين المتردّدين، الذين يقفون في الوسط بين المتنافسين.
وتقليديًا تتمتّع إسرائيل بدعمٍ واسعٍ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولم تكن نصرتها عنصر خلاف بين مرشحي الحزبين للانتخابات الرئاسية، على مدى هذه الانتخابات مُنذ قيامها، وفي الانتخابات الماضية، كان ترامب يُعد أكثر الرؤساء الأمريكيين انحيازًا لإسرائيل، وقطع العلاقات والدعم المالي عن السلطة الفلسطينية، ونقل سفارة بلاده إلى القدس، واعترف بسيادة إسرائيل على الجولان.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية 2024، أصبحت سياسة بايدن الداعمة لإسرائيل جواز مروره إلى البيت الأبيض، ولكن هذا الموقف المتجاهل للقضايا الإنسانية وحقوق الإنسان، يُظهر انقسامًا للرأي العام الأمريكي، قد ينعكس تأثيره في صناديق الانتخابات، واستشعر بايدن هذا الانقسام، فهو في كثير من تصريحاته يُطالب إسرائيل بالالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وعدم الإفراط في النيل من المدنيين، والتوسّع في إدخال المساعدات، بينما تصرّفاته على الأرض تظهر طبقًا لـ«بديعوت أحرونوت»، حجم دعم غير مسبوق لإسرائيل، تمثّل في ذخائر حملتها 230 طائرة ونحو 20 سفينة، حتى منتصف ديسمبر، وغض الطرف عن استخدام قوات الاحتلال أسلحة محرمة أو محظورة، أو مقيّد استخدامها، فيما يُسمى بالقنابل الغبية، ومعاونة قوات الاحتلال بمستشارين، وردع أي احتمال لتوسّع نطاق الحرب، بحاملات طائرات وغواصة نووية موجودة بالقرب، ورفض أي قرار من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، يحمل شبهة الإدانة لإسرائيل، أو يدعو إلى وقف إطلاق النار.
ويُشكّل الناخبون الشباب ما يقرب من 40% من الناخبين، في انتخابات 2024، فمن المتوقّع إبراز تأثيرهم في هذه الانتخابات، فترفض الأجيال الشابة السياسات اليمينية، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وحصار إسرائيل لغزة واحتلالها الضفة الغربية، وتُشير صحيفة واشنطن بوست، بناءً على استطلاعٍ للرأي أجرته شبكة إن بي سي نيوز الشهر الماضي، أن 70% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاما، لا يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الحرب، وأظهر هذا الاستطلاع أن 48% من جيل الشباب، يرون أن الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حماس في 7 أكتوبر مغالى فيه، بل ومرفوض، وكشفت مقابلات الصحيفة مع طلاب جامعيين، أن تعامل بايدن مع حرب غزة، يهدّد بإضعاف حماسهم له، وكذلك القلق الذي ينتابهم من كبر سنه، ونيّتهم في تفضيل مرشحين آخرين، وإحباطهم من عودة التنافس بين بايدن، وترامب.
يواجه بايدن أيضًا، فقد ثقة المواطنين الأمريكيين من أصول عربية، بشكل خاص، والمسلمين، بشكل عام بسبب وقوفه مع العدوان الإسرائيلي على غزة، بما يؤدي إلى تعريض إعادة انتخابه للخطر، في غالبية الولايات المتأرجحة ميتشجان، فلوريدا، فيرجينيا، أريزونا، بنسلفانيا، وغيرها وهي التي يمكن أن تُحدث فرقًا، ووِفقًا للمعهد العربي الأمريكي، فإن عدد المواطنين الأمريكيين من أصل عربي يبلغ نحو 3.8 ملايين شخص، والأمريكيين المسلمين نحو 3.45 ملايين شخص، وكان 69% من الناخبين من أصول عربية أيّدوا بايدن في 2020، فالانتقادات التي تتعرّض لها إدارة البيت الأبيض، جراء تعاملها مع العدوان الإسرائيلي على غزة، تُهدّد بإنقاص هذه النسبة، خاصةً مع تمادي عمليات الإبادة الجماعية قبل الأعياد، فتجاوُز عدد الشهداء 22 ألفا، والمصابون أكثر من 56 ألفا، وتدمير ثلثيّ منازل غزة، وبُناها التحتيّة، ونزوح أكثر من 1.9 مليون شخص أكثر من أربع مرات داخل القطاع، وانعدام سُبل الحياة من غذاء وماء ووقود، وتقييد قوات الاحتلال إدخال المساعدات بشكلٍ كافٍ، ما جعل إدارة بايدن تُمرّر قرار مجلس الأمن الذي تقدّمت به الإمارات مؤخرًا، والذي يدعو إلى توسيع إدخال المساعدات الإنسانية، وفي خلال فعالية انتخابية لمانحين ديمقراطيين لجمع التبرّعات، وجّه بايدن، علنا أول انتقاد للحكومة الإسرائيلية مُنذ انطلاق الحرب، وطالب نتنياهو بتغيير حكومته المتشدّدة، وتغيير موقفه من حلّ الدولتين.
ويُضاف إلى أصوات العرب والمسلمين، واتجاهات الشباب، والمنحازين لحقوق الإنسان؛ الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي نفسه، على نحوٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ الحزب، وتُشير إلى أن العديد من الأصوات المؤثّرة داخل الحزب، تتّهم إسرائيل بالتسبّب في مأساة إنسانية داخل قطاع غزة، بينما تعلو أصوات أخرى مؤيّدة للإجراءات الإسرائيلية، وأشارت صحيفة الجارديان، أن استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة وول استريت جورنال، تُشير إلى ثقل جانب المؤيّدين للجانب الفلسطيني داخل الحزب الديمقراطي، ما دفع بايدن للتحوّل عن موقفه المؤيّد السافر للجانب الإسرائيلي، محذرًا من أن الولايات المتحدة نفسها، بدأت تفقد التأييد الدولي بسبب دعمها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بل حدّدت إدارة بايدن بداية عام 2024، موعدا مستهدفا لإنهاء العملية العسكرية الإسرائيلية.
في مقابل هذا، ندّد المرشحون الجمهوريون بالإدارة الأمريكية الحالية، وحمّلوا بايدن المسؤولية، قائلين إن ما حدث هو بسبب ضعفه وتقصيره، فمنهم من زعم أن يد بايدن ملطّخة بالدماء، لأنه لم يُقدّم دعما أكبر لإسرائيل سابقًا، وقال ترامب: الفظائع التي شهدتها إسرائيل، لم تكن لتحدث أبدًا لو كنت رئيسًا، ويستفيد الحزب الجمهوري من انقسامات الحزب الديمقراطي حول الحرب الدائرة في غزة، ليفوز بأصوات الديمقراطيين المؤيّدين لإسرائيل، وسيطرت أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة على صدارة الملفات ذات الاهتمام، خلال المناظرة الثالثة لمرشحي الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية 2024، والتي عُقدت في ميامي في 9 نوفمبر الماضي، بحضور خمسة مرشحين، باستثناء ترامب الذي فضّل إقامة تجمع انتخابي منفرد، في جنوب فلوريدا، فتعهّد المرشحون كافة، بدعم إسرائيل ومُكافحة تصاعد معاداة السامية في الولايات المتحدة، ويخوض هؤلاء المرشحون سلسلة من الانتخابات التمهيدية، تنطلق من منتصف يناير، للفوز ببطاقة الترشيح لخوض الانتخابات العامة، في نوفمبر 2024، ونُظّمت هذه المناظرة بالاشتراك مع الائتلاف اليهودي الجمهوري، وهو جمعية يهودية محافظة تتمتّع بنفوذٍ كبير، وفي تجمّع لمناصريه في ولاية فلوريدا، قال ترامب : لا مكان حاليًا لرئيس أمريكي يلتزم المعايير السياسية، مؤكّدًا أن كل شخص يدعم حماس لا مكان له في الولايات المتحدة، وفي اجتماع الائتلاف في لاس فيجاس، أظهر المرشحون الجمهوريون الساعون، لنيل بطاقة الترشّح نحو البيت الأبيض؛ دعمهم إسرائيل أمام الناخبين والمانحين، وتعهّد ترامب بالدفاع عن إسرائيل كما لم يفعل أحد من قبل.
العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة إذن؛ هو موضوع رئيسي في مجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024، رغم أن الاهتمام الأكبر للناخب الأمريكي هو الشأن الداخلي، وانعكس ذلك في تصريحات المرشحين وموقفهم، ويسعى الحزب الجمهوري لاستهداف الناخبين الأمريكيين من أصول عربية، والمسلمين المستاءين من طريقة تعامل بايدن مع العدوان الإسرائيلي، ويعولون على انقسام الديمقراطيين، وفي استطلاع للرأي أجرته وول استريت جورنال، في ديسمبر 2023، أظهر تفوق ترامب على بايدن بنسبة 37%، في مقابل 31%، وأن هناك تراجعا محتملًا للأصوات المؤيّدة لـ«بايدن» في ولاية ميتشجان، التي تضم جالية كبيرة من العرب الأمريكيين، ما يقرب من 200 ألف ناخب مسجل، ويُقدّر التراجع من 69% في الانتخابات السابقة، إلى 17% حاليًا، ورغم أن درجة عدم اليقين ما زالت عالية بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن العدوان الإسرائيلي على غزة فرض الاهتمام بالقضية الفلسطينية، على أجندة المرشحين من كلا الحزبين، ومع ظهور أصوات يهودية داخل المجتمع الأمريكي، مناهضة للعدوان الإسرائيلي، فلم يعد الانحياز المطلق لما تقوم به إسرائيل، وخاصةً في تحدّيها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني؛ أمرًا مستساغًا لمن يدلف إلى البيت الأبيض.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك