وصف عوزي برعام، في مقالة في صحيفة هآرتس، وضع إسرائيل بأنه وضع «دولة عالقة في شرك». أما ناحوم برنباع فَعنون مقالة في «يديعوت أحرنوت» بأن «الوضع مأساوي، وأن خطاب نتنياهو وجالانت ابتلع الاستراتيجية». وكتب أفرايم غانور في «معاريف» مقالاً بعنوان «كل يوم نغرق في وحل غزّة ومستنقع انعدام الإبداعية والجمود». ووصف رئيس وزراء إسرائيل الأسبق إيهود باراك هجوم 7 أكتوبر بأنه أكبر إذلالٍ في تاريخ دولته.
بعد 85 يوماً من العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزّة، يبدو واضحاً أن إسرائيل فشلت في تحقيق الأهداف الأربعة التي وضعتها حكومة نتنياهو منذ اليوم الأول للعدوان.
أولاً، فشلت في تحقيق الهدف المركزي لحربها، وهو التطهير العرقي لسكان قطاع غزّة وترحيلهم إلى سيناء، وفشلت في تحقيق الهدف البديل، وهو التطهير العرقي الشامل لشمال قطاع غزّة ومدينة غزّة، وذلك بفضل الصمود البطولي لأهالي غزّة، ورفض مصر القاطع السماح بتنفيذ الترحيل.
وكسر ذلك الفشل العمود الفقري لأهداف الحرب، لأنه أفشل أحلام نتنياهو بإفراغ القطاع من سكانه، ومن ثم تسويته بالأرض، وضمّه إلى إسرائيل. وأفشل كذلك خطط جيش الاحتلال وأجهزته الاستخبارية التي تعرف من تجارب 70 عاماً أنها ستكون عاجزة عن السيطرة على قطاع غزّة ما دام سكانه موجودين فيه، ولولا ذلك لما أخرج شارون جيشَه من داخل القطاع عام 2005.
ثانياً، فشل الاحتلال بعد 85 يوماً في بسط سيطرته المطلقة على المناطق التي احتلها بدباباته ومدرّعاته، بعد أن سوّاها سلاحه الجوي بالأرض، وبقيت هذه المناطق تقاوم بجرأة ومثابرة لا مثيل لهما.
ثالثاً، فشل جيش نتنياهو وجالانت في استعادة ولو أسير إسرائيلي واحد حياً، وكل ما نجح فيه قتل مزيد من الأسرى الإسرائيليين بالقصفين، الجوي والمدفعي، وغدا واضحاً أن لا سبيل لاستعادة الأسرى إلا بصفقات تبادل تحرّر الأسرى الفلسطينيين أيضاً.
رابعاً، فشل جيش الاحتلال في تحقيق الهدف المعلن باقتلاع المقاومة الفلسطينية واجتثاث حركة حماس، وهذا هو سبب قول رئيس الأركان هاليفي إن المعركة ستستغرق أشهراً طويلة.
الإنجاز الوحيد الذي حققه نتنياهو وجيشه ارتكاب ثلاث جرائم حرب كبرى ضد المدنيين الفلسطينيين، بما فيها الإبادة الجماعية والعقوبات الجماعية وإجبار 90% من سكان غزّة على ترك منازلهم بالقصفين، الجوي والمدفعي، وهدم أكثر من 70% من هذه المنازل، وكانت حصيلة هذا العدوان المدمّر حتى كتابة هذه السطور استشهاد ما لا يقل عن 29 ألف فلسطيني، إذا حسبنا من هم تحت الأنقاض، ومنهم ما لن يقل عن 12 ألف طفل بريء، وجرح أكثر من 56 ألفاً من المدنيين. وهذا ليس إنجازا، بل جريمة كبرى ستلاحق حكام إسرائيل وقادتها، عاجلاً أم آجلاً.
ويترافق الفشل مع أربع معضلات كبرى تواجهها إسرائيل:
أولها، الخسائر البشرية العالية في صفوف الجيش، والتي أصبحت تحسب بالآلاف من القتلى والجرحى، وهي نقطة ضعف حساسة للغاية للبنيان الإسرائيلي.
ثانياً، الخسائر الاقتصادية التي تصل إلى حافة الانهيار الاقتصادي، حيث انهارت قطاعات السياحة والزراعة وتدهور أهم قطاع للنمو الاقتصادي، وهو قطاع تكنولوجيا المعلومات، حيث يعمل 14% من جنود الاحتياط الإسرائيلي فيه.
وأفادت التقديرات بأن إسرائيل خسرت في كل يوم من أيام العدوان في أشهره الأولى حوالي 351 مليون دولار، وانخفض الرقم إلى حوالي 216 مليون دولار يومياً بعد تسريح 130 ألفاً من جنود الاحتياط وبقاء 170 ألفاً يحارب معظمهم في قطاع غزّة.
ويقرّ خبراء اقتصاديون بأن هذه الحرب العدوانية ستكلف إسرائيل ما لا يقل عن 52 مليار دولار، تبرّعت الولايات المتحدة، إذا جرى إقرار تعهّد الرئيس بايدن في الكونجرس، بـ14 مليار دولار منها، ستخصّص خمسة مليارات منها لدفع ثمن الأسلحة والقنابل الأمريكية، وأربعة مليارات لمنظومات الدفاع الجوي ضد صواريخ المقاومة، وأكثر من مليار دولار لتطوير الأسلحة التي تستخدم الليزر.
والمفارقة هنا في ما كتبته صحيفة «ناشيونال إنترست» أن سلاح الياسين 105 يكلف مائتي دولار، لكنه يدمر دبابة الميركافا 4 فخر الصناعة الإسرائيلية، وقيمة كل منها سبعة ملايين دولار.
وأضافت أن «حماس» تستطيع إنتاج 35 ألف قاذف بقيمة كل دبّابة إسرائيلية. وبكلمات أخرى، هذه حرب الفقراء الكادحين مقابل الأغنياء المرفّهين، ولم يسبق لمثل هذه الحروب أن انتصر فيها الأغنياء، من الجزائر إلى فيتنام، وهي، بتعبير آخر، حرب داود الفلسطيني ضد جوليات الجبّار الإسرائيلي.
وثالثاً، الثورة العالمية غير المسبوقة المتفجّرة على امتداد المعمورة ضد العدوان الإسرائيلي ودعماً لغزّة والشعب الفلسطيني، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة نفسها، وهي ثورة صارت تهدّد بايدن بخسارة الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد أن خسر سمعة الولايات المتحدة التي انحدرت إلى الحضيض، ليس فقط في الشرق الأوسط، بل في العالم كله، بسبب تأييدها جرائم الحرب الإسرائيلية.
والمعضلة الرابعة التي تواجهها حكومة نتنياهو ضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين، الذين يثورون لمعرفتهم أن كل قصف إسرائيلي قد يودي بحياة أسراهم، وأن نتنياهو لا يعبأ بحياتهم، وكل همّه البقاء في الحكم، لأن السجن سيكون بديلا لذلك.
تمثل غزّة، والشعب الفلسطيني بأسره، عقدة مزمنة ومعضلة كبيرة لا حلّ لها إلا بإنهاء الاحتلال والاضطهاد العنصري، ومنظومة الاستعمار الإحلالي الاستيطاني، وغزّة أسقطت من قبل كل من اعتدى عليها، من شارون إلى أولمرت إلى تسيبي ليفني إلى باراك، ولن يكون نتنياهو استثناء، إذ ترسله المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها إلى نهايته السياسية.
إن حكام إسرائيل، مثل كل المستعمرين من قبلهم، كانوا، وما زالوا، وسيبقون عاجزين عن فهم نفسية وعقلية شعب مصمم على نيل حريته. وعنصريتهم تمنعهم عن فهم فكر مقاوم فلسطيني مستعد لأن يستشهد عشر مرات من دون أن يستسلم، ونظرتهم العنصرية الاستعلائية تجعلهم عاجزين عن فهم قدرات الفلسطيني على التخطيط العلمي، والابتكار والإبداع، والصمود حتى نهاية المطاف.
{ الأمين العام لحركة
المبادرة الوطنية الفلسطينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك