هي نهاية عام دموية. يوم أمس انتهى العام الدموي الذي شهد أكثر عدد من الشهداء في تاريخ الشعب الفلسطيني وأكثر عدد من الجرحى، وشهد نكبة فلسطينية ثانية.
سيظل عام 2023 الأكثر حضوراً في ذاكرة شعبنا من بين أعوام القرن الحادي والعشرين لما شهده من إراقة دماء وهدم وقتل وتهجير ولما عانى خلاله شعبنا من ويلات الحرب الفتاكة التي شنتها دولة الاحتلال عليه.
العام الذي تم فيه تهجير تقريباً 80 بالمائة من سكان قطاع غزة خارج بيوتهم.
لم يعد هناك غزة. ثمة غزة التي كانت. بقايا مدينة مدمرة بقايا أرض كانت شيئاً ما. نهاية مفجعة لعام بدا هادئاً مقارنة بالأعوام التي سبقت حيث مواجهات متقطعة.
فقط في الضفة الغربية كان ثمة مواجهات وكانت الدموية الإسرائيلية تتصاعد خاصة ضد جنين حيث يتم استهداف المخيم والمدينة من فترة لأخرى، أما في غزة بدا كل شيء هادئاً إلا في أشهر السنة الثلاثة الأخيرة.
سيظل هذا العام الأكثر دموية منذ النكبة وستظل بربرية الاحتلال فيه غير مسبوقة ولا يمكن نسيانها. نعم نريد أن نتذكر هذا العام كما هو عليه لأننا لا نريد أن ننسى، نريد أن نظل نتذكر بألم كل ما حدث.
لم تحقق إسرائيل طموحها بتهجير شعبنا خارج الجغرافيا، ولم تحقق تطلعها بأن يفرغ قطاع غزة من سكانه وظل الناس موجودين في الشريط الساحلي الجنوبي لفلسطين ولم تستكمل إسرائيل نكبتها لشعبنا بشكل نهائي.
لم يتحقق ذلك. لم يخرج الفلسطيني. ربما لم يتمكن من البقاء في البيت خشية أن يهدم البيت على ساكنيه، لذا خرج بحثاً عن النجاة وعن يوم آخر في رزنامة العمر لكنه ظل داخل فلسطين.
لم يخرج الفلسطينيون خارج الخريطة ولم يذهبوا إلى بلدان الجوار بل ظلوا في فلسطين رغم ما عنى هذا من قتل وتدمير.
أكثر من نصف الشهداء ارتقوا خارج أماكن سكناهم بمعنى خلال عملية النزوح. وبكلمة أخرى فإن الفلسطيني كان يعرف أن نزوحه لا يعني السلامة التامة لكنه كان يعني أنه لا يحب الموت ويحاول أن يحافظ على حياته حتى تنتهي الحرب ولم يعن الخروج من البيت.
لنتذكر أن ما حدث في النكبة أن الفلسطيني أيضاً لم يخرج من بيته طواعية بل كان مكرهاً وكان مضطراً أمام القتل والمذابح.
لم تساعده الجيوش العربية ولم تعزز صموده بل هربت وانهزمت وتركته وحيداً يواجه معتدين برابرة من دون رحمة.
كان الفلسطيني أعزل وكان القتلة مدججين وكانت الجيوش العربية منكفئة أو أسلحتها فاسدة.
لم يكن الفلسطيني يرغب في أن يترك البيت والدليل أن من استطاع منهم البقاء في بيته واستطاع الصمود صمد ولم يخرج بل إن - وهذا مهم في الرواية الوطنية - جُل اللاجئين لجأوا إلى داخل فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وبحسبة صغيرة كنت قد أجريتها قبل شهر ترتكز على جمع عدد الشهداء والمفقودين والجرحى المعلن عنهم بمعنى ما هو مسجل ونعرفه؛ لأن ثمة شهداء ما زالوا مجهولي الهوية وثمة جرحى جرحوا ولم يتلقوا العلاج واعتمدوا على قدراتهم وضغطوا على جراحهم، أقول بحسبة بسيطة إن قرابة 4 بالمائة من مجموع السكان هم إما شهداء أو جرحى أو مفقودون بوصف سكان قطاع غزة مليونان ومائتا ألف ومجموع تلك الفئات يقترب من التسعين ألفاً.
تراث وحضارة الشعب الفلسطيني الموجود في غزة تم تدميرهما أمام مرأى ومسمع من العالم ولا أحد حرك ساكناً.
العالم ربما لم يعد يصفق لإسرائيل وربما بدأ بعض الأصوات ينتقد ما تقوم به، لكن لا أحد يتحرك من أجل وقف الجريمة، لا أحد يتحرك من أجل أن ينتهي فعلاً عام 2023 ونقول: «تنذكر ما تنعاد» بلغتنا الدارجة.
ليته كان كابوساً، لكنه لم يكن. كان عاماً سيئاً بامتياز وكانت سنة دموية بكل ما في المعنى من أرقام وحقائق.
لا نقول للعام وداعاً فنحن نعيشه ونعيش تبعات ما جرى فيه، وسنظل في أعوام قادمة.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك