العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نهاية عام الأحزان في فلسطين

بقلم: عاطف أبو سيف

الثلاثاء ٠٢ يناير ٢٠٢٤ - 02:00

هي‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬دموية‭. ‬يوم‭  ‬أمس‭ ‬انتهى‭ ‬العام‭ ‬الدموي‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬أكثر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وأكثر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الجرحى،‭ ‬وشهد‭ ‬نكبة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ثانية‭.‬

سيظل‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬الأكثر‭ ‬حضوراً‭ ‬في‭ ‬ذاكرة‭ ‬شعبنا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أعوام‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين‭ ‬لما‭ ‬شهده‭ ‬من‭ ‬إراقة‭ ‬دماء‭ ‬وهدم‭ ‬وقتل‭ ‬وتهجير‭ ‬ولما‭ ‬عانى‭ ‬خلاله‭ ‬شعبنا‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬الفتاكة‭ ‬التي‭ ‬شنتها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬عليه‭.‬

العام‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬فيه‭ ‬تهجير‭ ‬تقريباً‭ ‬80‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬خارج‭ ‬بيوتهم‭.‬

لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬غزة‭. ‬ثمة‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭. ‬بقايا‭ ‬مدينة‭ ‬مدمرة‭ ‬بقايا‭ ‬أرض‭ ‬كانت‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭. ‬نهاية‭ ‬مفجعة‭ ‬لعام‭ ‬بدا‭ ‬هادئاً‭ ‬مقارنة‭ ‬بالأعوام‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬حيث‭ ‬مواجهات‭ ‬متقطعة‭.‬

فقط‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬كان‭ ‬ثمة‭ ‬مواجهات‭ ‬وكانت‭ ‬الدموية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تتصاعد‭ ‬خاصة‭ ‬ضد‭ ‬جنين‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬استهداف‭ ‬المخيم‭ ‬والمدينة‭ ‬من‭ ‬فترة‭ ‬لأخرى،‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بدا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هادئاً‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أشهر‭ ‬السنة‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأخيرة‭.‬

سيظل‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬الأكثر‭ ‬دموية‭ ‬منذ‭ ‬النكبة‭ ‬وستظل‭ ‬بربرية‭ ‬الاحتلال‭ ‬فيه‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬نسيانها‭. ‬نعم‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬عليه‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬ننسى،‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نظل‭ ‬نتذكر‭ ‬بألم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭.‬

لم‭ ‬تحقق‭ ‬إسرائيل‭ ‬طموحها‭ ‬بتهجير‭ ‬شعبنا‭ ‬خارج‭ ‬الجغرافيا،‭ ‬ولم‭ ‬تحقق‭ ‬تطلعها‭ ‬بأن‭ ‬يفرغ‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬سكانه‭ ‬وظل‭ ‬الناس‭ ‬موجودين‭ ‬في‭ ‬الشريط‭ ‬الساحلي‭ ‬الجنوبي‭ ‬لفلسطين‭ ‬ولم‭ ‬تستكمل‭ ‬إسرائيل‭ ‬نكبتها‭ ‬لشعبنا‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي‭.‬

لم‭ ‬يتحقق‭ ‬ذلك‭. ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬الفلسطيني‭. ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬خشية‭ ‬أن‭ ‬يهدم‭ ‬البيت‭ ‬على‭ ‬ساكنيه،‭ ‬لذا‭ ‬خرج‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬النجاة‭ ‬وعن‭ ‬يوم‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬رزنامة‭ ‬العمر‭ ‬لكنه‭ ‬ظل‭ ‬داخل‭ ‬فلسطين‭.‬

لم‭ ‬يخرج‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬خارج‭ ‬الخريطة‭ ‬ولم‭ ‬يذهبوا‭ ‬إلى‭ ‬بلدان‭ ‬الجوار‭ ‬بل‭ ‬ظلوا‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬عنى‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وتدمير‭.‬

أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬الشهداء‭ ‬ارتقوا‭ ‬خارج‭ ‬أماكن‭ ‬سكناهم‭ ‬بمعنى‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬النزوح‭. ‬وبكلمة‭ ‬أخرى‭ ‬فإن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬نزوحه‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬السلامة‭ ‬التامة‭ ‬لكنه‭ ‬كان‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يحب‭ ‬الموت‭ ‬ويحاول‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬حياته‭ ‬حتى‭ ‬تنتهي‭ ‬الحرب‭ ‬ولم‭ ‬يعن‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬البيت‭.‬

لنتذكر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬النكبة‭ ‬أن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬يخرج‭ ‬من‭ ‬بيته‭ ‬طواعية‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬مكرهاً‭ ‬وكان‭ ‬مضطراً‭ ‬أمام‭ ‬القتل‭ ‬والمذابح‭.‬

لم‭ ‬تساعده‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬ولم‭ ‬تعزز‭ ‬صموده‭ ‬بل‭ ‬هربت‭ ‬وانهزمت‭ ‬وتركته‭ ‬وحيداً‭ ‬يواجه‭ ‬معتدين‭ ‬برابرة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رحمة‭.‬

كان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أعزل‭ ‬وكان‭ ‬القتلة‭ ‬مدججين‭ ‬وكانت‭ ‬الجيوش‭ ‬العربية‭ ‬منكفئة‭ ‬أو‭ ‬أسلحتها‭ ‬فاسدة‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يترك‭ ‬البيت‭ ‬والدليل‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬استطاع‭ ‬منهم‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬واستطاع‭ ‬الصمود‭ ‬صمد‭ ‬ولم‭ ‬يخرج‭ ‬بل‭ ‬إن‭ - ‬وهذا‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬الرواية‭ ‬الوطنية‭ - ‬جُل‭ ‬اللاجئين‭ ‬لجأوا‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭.‬

وبحسبة‭ ‬صغيرة‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬أجريتها‭ ‬قبل‭ ‬شهر‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬والمفقودين‭ ‬والجرحى‭ ‬المعلن‭ ‬عنهم‭ ‬بمعنى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مسجل‭ ‬ونعرفه؛‭ ‬لأن‭ ‬ثمة‭ ‬شهداء‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬مجهولي‭ ‬الهوية‭ ‬وثمة‭ ‬جرحى‭ ‬جرحوا‭ ‬ولم‭ ‬يتلقوا‭ ‬العلاج‭ ‬واعتمدوا‭ ‬على‭ ‬قدراتهم‭ ‬وضغطوا‭ ‬على‭ ‬جراحهم،‭ ‬أقول‭ ‬بحسبة‭ ‬بسيطة‭ ‬إن‭ ‬قرابة‭ ‬4‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬السكان‭ ‬هم‭ ‬إما‭ ‬شهداء‭ ‬أو‭ ‬جرحى‭ ‬أو‭ ‬مفقودون‭ ‬بوصف‭ ‬سكان‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬مليونان‭ ‬ومائتا‭ ‬ألف‭ ‬ومجموع‭ ‬تلك‭ ‬الفئات‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬التسعين‭ ‬ألفاً‭.‬

تراث‭ ‬وحضارة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬تم‭ ‬تدميرهما‭ ‬أمام‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬حرك‭ ‬ساكناً‭.‬

العالم‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يصفق‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وربما‭ ‬بدأ‭ ‬بعض‭ ‬الأصوات‭ ‬ينتقد‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتحرك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬الجريمة،‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يتحرك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ينتهي‭ ‬فعلاً‭ ‬عام‭ ‬2023‭ ‬ونقول‭: ‬‮«‬تنذكر‭ ‬ما‭ ‬تنعاد‮»‬‭ ‬بلغتنا‭ ‬الدارجة‭.‬

ليته‭ ‬كان‭ ‬كابوساً،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭. ‬كان‭ ‬عاماً‭ ‬سيئاً‭ ‬بامتياز‭ ‬وكانت‭ ‬سنة‭ ‬دموية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬من‭ ‬أرقام‭ ‬وحقائق‭.‬

لا‭ ‬نقول‭ ‬للعام‭ ‬وداعاً‭ ‬فنحن‭ ‬نعيشه‭ ‬ونعيش‭ ‬تبعات‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬فيه،‭ ‬وسنظل‭ ‬في‭ ‬أعوام‭ ‬قادمة‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا