في الحادي والعشرين من ديسمبر 2023 وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني ديفيد كاميرون قال السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري تعليقاً على تهديدات الملاحة البحرية في البحر الأحمر ومقترحات تأمينها «نشترك في المبادئ الخاصة بحرية الملاحة وضرورة الحفاظ عليها بالبحر الأحمر، حيث تضطلع الدول المطلة على البحر الأحمر بمسؤولية في إطار تأمينه» وأضاف «نستمر في التعاون مع كثير من شركائنا لتوفير الظروف الملائمة لحرية الملاحة في البحر الأحمر، وتيسير النفاذ إلى قناة السويس».
وواقع الأمر أن مصر تؤدي دوراً محورياً في تأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر سواء ما يرتبط بالقواعد الدولية المنظمة لحرية الملاحة، أو بالنظر للقدرات البحرية المصرية ورؤية مصر بعيدة المدى لتأثير الصراعات الإقليمية على الأمن البحري أو توازن القوى الإقليمي.
فعلى صعيد القواعد الدولية المنظمة لحرية الملاحة تحرص مصر على أن تظل منطقة البحر الأحمر ضمن الإطار الإقليمي للأمن وكان واضحاً الاعتراضات المصرية على المقترحات التي أثيرت خلال المناقشات الأولى لصياغة مدونة جيبوتي لقمع القرصنة والسطو المسلح عامي 2008 و2009 إلى أن تم إقرارها عام 2017 من جانب 21 دولة من بينها مصر، وكان من بين الاعتراضات المصرية أمران الأول: مطالبة مصر بخروج البحر الأحمر من أي ترتيبات تتعلق بمكافحة القرصنة لأنه يخلو من تلك الظاهرة، والثاني: مطالبة مصر بتحديد الخطوات التي يجب أن يتم اتباعها من أجل تتبع القراصنة في المناطق التي كانت تواجه ذلك الخطر حيث كانت هناك مناقشات وتفاصيل من جانب بعض الدول الكبرى تتيح ثغرات يمكن من خلالها دخول المياه الإقليمية لبعض الدول دون إذن من سلطاتها البحرية، ولتلك الاعتراضات دلالاتها وهي حرص مصر على ضمان حرية الملاحة بما لا يتعارض مع الأمن القومي للدول فالمياه الإقليمية التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بمسافة 12 ميلاً بحرياً هي جزء لا يتجزأ من أراضي الدولة ولها كامل السيادة عليها، وفي الوقت ذاته الحرص على تأمين الملاحة عبر قناة السويس المصرية وفقاً لاتفاقية القسطنطينية عام 1888.
وعلى صعيد الجهود المصرية لتأمين الملاحة البحرية ، هناك أمثلة عديدة ومنها على سبيل المثال لا الحصر في عام 2015 عندما بدت تهديدات من جانب الحوثيين للملاحة البحرية في باب المندب أشارت المصادر إلى توجه أربع قطع بحرية نحو المضيق لتأمينه، فضلاً عن تصريحات قائد القوات البحرية المصرية آنذاك بالقول: «نتابع الموقف في اليمن يوميا وتأثيره على مضيق باب المندب» مضيفاً أن «أي خطورة على الأمن القومي المصري سيتم التعامل معها طبقا للموقف»، مؤكداً «جاهزية القوات البحرية لحماية المياه الإقليمية والمصالح الاقتصادية والسواحل المصرية في جميع الاتجاهات»، بما يعنيه ذلك من تحقيق سياسة الردع أهدافها المرجوة ويعكس ذلك قدرات القوات البحرية المصرية التي تشهد تطوراً متنامياً، ومن ذلك ما أشارت إليه المصادر في التاسع عشر من ديسمبر 2023 أن مصر تسلمت ثالث فرقاطة بحرية «القدير» من ألمانيا وذلك ضمن 4 فرقاطات، تعاقدت عليها مصر من نوع «ميكو -200» الشبحية عام 2018» وسوف يتم تصنيع الفرقاطة الرابعة محلياً، وكان الاهتمام بتطوير القدرات البحرية جزءا من استراتيجية مصرية تدرك مخاطر تهديدات الأمن البحري ولذلك كان السياسات الاستباقية بتأسيس قاعدتين بحريتين الأولى: قاعدة برنيس البحرية العسكرية في جنوب مصر في عام 2020 والتي استهدفت تأمين السواحل المصرية وحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر، والثانية: قاعدة محمد نجيب العسكرية في مرسى مطروح في الحدود الغربية لمصر عام 2017 والتي تعد الأكبر في إفريقيا والشرق الأوسط وإن كان من بين أهدافها تأمين الحدود الغربية لمصر في ظل حالة الاضطراب في دول الجوار إلا أن الصراع على الغاز في شرق المتوسط وحماية الحدود البحرية لمصر وفقاً للقانون الدولي من بين أهداف تلك القاعدة بما يعنيه ذلك من أهمية تلك القواعد في حماية الثروات الطبيعية وتحقيق الردع ضد أي محاولات لتهديد الأمن القومي المصري.
وعلى صعيد مواز تتعاون مصر مع القوى الإقليمية والدولية التي تستهدف تأمين الملاحة البحرية في تلك المنطقة ومن ذلك أن مصر عضو في مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر الذي تأسس بمبادرة سعودية عام 2020 ويضم ثماني دول ومن بين أهدافه تنسيق جهود الدول المطلة على البحر الأحمر لحماية الملاحة البحرية في ذلك الممر الحيوي للتجارة العالمية عموماً وقناة السويس المصرية على نحو خاص بالنظر للارتباط ما بين القناة والبحر الأحمر وباب المندب، وفي ديسمبر عام 2022 تولت مصر قيادة قوة المهام المشتركة 153 وهي إحدى مجموعات القوات البحرية الدولية التي تأسست عام 2002 وتضم 38 دولة وتختص تلك القوة «بمكافحة أعمال التهريب، والتصدي للأنشطة غير المشروعة خاصة الأنشطة الإرهابية في مناطق البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن»، فضلاً عن مشاركة القوات البحرية المصرية بشكل دائم في عديد من المناورات البحرية مع الشركاء على المستويين الإقليمي والعالمي.
ومع أهمية ما سبق فإن المقترحات الدولية لتأمين الملاحة البحرية في البحر الأحمر برغم أهميتها فإن المخاوف لدى القوى الإقليمية ترتبط بثلاثة أمور أولها: أن يكون البحر الأحمر ساحة جديدة للصراعات الإقليمية، فإذا كان من السهل على التحالفات والدول العمل على الأرض فإن الأمر يختلف على نحو جذري في البحار وخاصة حجم الخسائر التي بالطبع ستطال الجميع، وصعوبة تحديد المسؤولية مع التطور التكنولوجي وانعكاساته على تهديد الأمن البحري، وثانيها: إمكانية سعي بعض الأطراف الإقليمية والدولية لتوظيف مسألة تهديد الملاحة البحرية لتعزيز وجودها بالقرب من الممرات المائية وهي التي توجد بالفعل من خلال قواعد عسكرية عديدة في منطقة القرن الإفريقي ولكن التحدي هو إمكانية قيام تحالفات بين أطراف في مواجهة أخرى فالتحالفات بالطبع تخلق تحالفات مضادة وهو ما عكسته بعض ردود الفعل الإقليمية تجاه المقترحات المطروحة حالياً، وثالثها: مع أهمية منطقة البحر الأحمر للملاحة العالمية ولكن يجب النظر إلى مجمل الوضع العالمي فهناك صراعات في مناطق أخرى ومقترحات لممرات اقتصادية تعكس نذرا لحرب باردة لن تكون منطقة البحر الأحمر بمنأى عنها وهو ما يفرض خيارات بالغة التعقيد على الأطراف الإقليمية.
وعود على ذي بدء ومع أهمية الأطر المقترحة لحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر فإن الدول الإقليمية سوف تظل ركيزة أساسية لحماية تلك الملاحة سواء اتخذ الأمر شكل التحالفات أو غيرها من الصيغ الأخرى وستبقى تسوية الصراعات الإقليمية هي المدخل الضروري والمهم للحفاظ على الأمن البحري.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك